حول اجتماع إئتلاف قوى المعارضة والثورة في القاهرة

2012-12-11:: face book

عدت من القاهرة البارحة حزينا، كالعديد من أعضاء الائتلاف الوطني السوري، الذين ذهبوا مثلي لاجتماع، قيل انه طاريء. وقد فهم الجميع من كلمة طاريء، وهذا ما عبرت عنه الصحافة وأكدت عليه أيضا، اتخاذ قرارات ضرورية وعاجلة، وفي مقدمها الاتفاق على اسم رئيس الحكومة المؤقتة التي كثر الحديث عنها في الاسابيع الاخيرة.
وقد استغربت الأمر لأن احدا لم يتصل بي من قبل على الاقل للتشاور في الاسماء أو في اجندة الاجتماع، ولم انجح في الحديث هاتفيا مع احد من الاخوة المسؤولين الذين عذرتهم لمعرفتي بحجم المهام الواقعة عليهم.
والحال ان ماحصل كان غير ذلك. لم يشعر احد بأن هناك فعلا ما يستدعي الاجتماع الطاريء، أو ان الداعين من قيادة الائتلاف لديهم هم انفسهم هذا الشعور بالطارئية، أو أنهم كانوا جاهزين لتقديم أي اقتراح بتعيين اسم أو مجموعة أسماء والتشاور عليها. لماذا إذن هذا الاجتماع قبل ثلاثة ايام من اجتماع، مهم جدا بالنسبة لمستقبل الائتلاف، لمؤتمر اصدقاء سورية في مراكش؟ ولماذا تقديم هذه الهدية المجانية فعلا، أعني ما سيظهر كفشل للائتلاف في التوصل إلى تشكيل حكومة مؤقتة، لأعداء الائتلاف او المترددين من الدول، بينما لم تطرح المسألة إلا لماما ومن أجل تأجيل البت فيها لاجتماع آخر؟
الذين دعوا لهذا الاجتماع اساؤو إساءة لا تغتفر للائتلاف لأنهم أظهروا للعالم الذي يراقب عن كثب وبالمجهر كل خطوة نخطوها وكل كلمة ننطق بها ليقيس مدى جدارتنا في أن نتسلم شؤون أنفسنا ونقرر مصيرنا الذي يكاد ينتزع منا، انهم غير ناضجين، حتى لا نقول ضائعين وغير جديين.
كنت استغرب ان تتم الدعوة لاجتماع حول الحكومة المؤقتة بهذه السرعة، ولكن المفاجأة كانت أكبر. فبعد ان تركت قيادة الائتلاف الصحافة تؤكد طوال يومين على قرب تشكيل الحكومة المؤقتة وأعلنت مسبقا عن مؤتمر صحفي يعقده الائتلاف بعد الاجتماع للإعلان عن الموضوع، رافعة بذلك سقف التوقعات إلى أعلى مستوى، عند الشعب السوري المنكوب بحكومته ومعارضته، والرأي العام الدولي الذي يمتحن صدقية المعارضة وجدارتها في كل خطوة تخطوها، لم تخرج من الاجتماع العتيد حتى ببيان مقتضب تشرح فيه للسورييين المتعطشين لمعرفة اين يجرفهم التيار، وللصحافة الدولية الذي يحتل خبر سورية رأس صفحاتها، ما حصل بالضبط في الاجتماع. ومن الطبيعي ان يفسر جميع من كان ينتظر تشكيل الحكومة وعلى راسهم اصدقاء سورية الذين يعدون قرار الاعتراف بالائتلاف جماعيا، بأن الائتلاف قد فشل في التوصل إلى قرار بهذا الشأن.
والحال لم يكن هناك فشل لأن الموضوع نفسه لم يطرح جديا ولم يقدم فيه أي تقرير. فمن الواضح أنه لم يكن قد حظي من قبل القيادة نفسها بالاعداد الكافي ولم تقم القيادة بالمشاورات الضرورية مع القوى الثورية على الارض ومع الدول الصديقة المعنية ولا حتى مع أعضاء الائتلاف.
تكرار مثل هذا الخطأ مرتين يقوض نهائيا مصداقية الائتلاف والمعارضة ويعيدنا إلى نقطة الصفر. واعتقد ان وزير خارجية المغرب الذي يحرص بالضرورة على نجاح المؤتمر الذي يعقد في بلده شعر بحرج الموقف فحاول ان يقطع الطريق على التردد المحتمل عند الدول - القادمة للاعتراف بالائتلاف اصلا - بالتصريح للصحافة بأن تشكيل الحكومة المؤقتة مسألة سورية محض، والسوريون وحدهم هم الذين يقررون ساعة تشكيلها.
أريد أن أقول لإخوتي في الائتلاف لا تعتقدوا أن النجاح قد اصبح في متناول اليد لان بعض الدول أو كلها رحب بنشوء الائتلاف أو اعترف به، ولا تعتدوا كثيرا بأن وراءكم دعم من هذه الدولة أو تلك، ولا في أن الدول بحاجة للائتلاف كممثل لوحدة المعارضة من أجل التحضير للعملية السياسية التي تتبع تنحي الاسد أو سقوطه. ليس هناك في السياسة شيء يكتسب مرة واحدة وعلى الدوام. عليكم أن تظهروا في كل خطوة وكل حركة وموقف وقرار الجدية والكفاءة وفهم الوضع الفهم الصحيح حتى تحتفظوا بالصدقية وتحافظوا على الاعتراف الدولي والتعاون وتنالوا لدعم اللازم لمساعدة الشعب على الخلاص. فما حصل للمجلس الوطني من اعترافات وما قوبل به من حماس كان أكبر من ذلك بكثير، ومع ذلك عندما انتشرت فكرة أننا نتنازع فيه بين الأحزاب والأشخاص على الحصص والكراسي والمناصب، وأن هناك أطرافا تريد بسط سيطرتها ضد أطراف أخرى بدل العمل كفريق وطني واحد موحد، لحست الدول اعترافاتها أو لم تعد تعطي لها معنى، وبدأت الضغوط على المجلس من أجل التفلت من الاعترافات السابقة بحجة ضرورة التوسعة وضم قوى جديدة وماسسة المجلس وغيرها، وكان كل ذلك مقدمة لنوع من سحب الاعتراف أو التحلل من الالتزامات المترتبة عليه. وهو ماحصل بالفعل. وأملي أن لا يكون مثل هذا التوجه، اعني اجندات المحاصصة والنزاع على المواقع والمناصب والألقاب، الذي أساء لصورة المجلس الوطني عند شعبنا قبل ان يحرمه من الاعتراف الدولي، هو ما يسير نحوه الائتلاف.
إن الصراع الرئيسي الذي يخوضه أي تشكيل سوري جديد للمعارضة هو على نيل الصدقية أو المصداقية، في الشارع السوري أولا، لكن في المحيط الدولي أيضا. وجوهر المصداقية العمل كفريق واحد ونسيان الذات الحزبية والجهوية والفئوية والشخصية، والجدية والاحتراف في العمل. الأخطاء السياسية تغتفر لكن ليس طريقة العمل ولا نسيان الأهداف الرئيسية وهي هنا بالتأكيد حشد جميع الجهود الداخلية والخارجية وتوجيهها في اتجاه التعجيل بالقضاء على نظام الطغيان الدموي وتوفير المزيد من الضحايا والدمار. من دون ذلك سنضيع الكثير من الوقت قبل أن نضمن تحول الموقف الدولي نهائيا لصالحنا. وسندفع ثمن النصر الذي اصبح قاب قوسين أو أدنى، بفضل الله، أضعافا مضاعفة، كما حصل لنا حتى الآن.