اتفاق الهدنة الروسي الامريكي في الجنوب السوري وبيانات المعارضة

2017-07-11:: موقع د.برهان غليون

 

أثار بيان أصدرته مجموعة من الشخصيات الوطنية ردودا متباينة، أبرزها تلك التي بدرت من بعض نشطاء المناطق الجنوبية الذين تعرضوا ولا يزالون منذ أسابيع لهجوم واسع وشرس من قبل ميليشيات النظام وحلفائه، ورأوا في رفض معارضين لاتفاق الهدنة ووقف اطلاق النار في جنوب غرب سورية على يد الروس والامريكيين، تجاهلا لتضحياتهم واستهتارا بأرواح ابنائهم المقيمين تحت القصف والدمار.

وما من شك في أنه لا يمكن لإنسان أن يرفض وقف إطلاق نار في سورية التي تنوء تحت كارثة حرب مستمرة منذ سبع سنوات، حتى لو كان مقتصرا على منطقة أو قطاع. فالأولوية ينبغي ان تعطى دائما لانقاذ حياة الناس وتقليل عدد الضحايا.

ما رفضته المجموعة المعارضة هو الشروط التي فرضت بشكل مباشر أو غير مباشر على توقيع مثل هذا الاتفاق، والتي ستحول دون نجاحه أو يمكن ان تجعل منه مناسبة لتمرير مخططات أخرى لا علاقة لها بحماية السكان ولا توفير الضحايا الجدد، وقد ذكر البيان أربعة من أبرزها، أولها تمرير قاعدة التفاهم الدولي على مصير سورية ومستقبل شعبها من وراء ظهر السوريين ومن دون مشاورتهم، أي ممارسة وصاية عامة عليهم، وثانيها التعامل مع سورية والسوريين بالمفرق والأجزاء بدل التعامل معها كقضية شعب، وبالتالي التهديد بتقطيع أوصال البلاد بحيث يستفرد كل طرف من الاطراف الدولية بجزء من سورية تضمن له مصالحه من دون مراعاة المصلحة السورية الوطنية، وربما أكثر من ذلك تمهيد الطريق لتجزئة سورية وتقسيمها كأمر واقع، وثالثها طمس المسألة السياسية بالمسألة التقنية العسكرية، من نوع فصل القوات المتحاربة ومراقبتها، واحصاء الخروقات، وتجاهل المسألة السياسية الأساسية وهي وجود نظام القمع اللاشرعي وقضية الانتقال السياسي لنظام يضمن الامن والسلام لجميع السوريين ويفتح باب العودة إلى الحالة الطبيعية. وأخيرا خطر شرعنة نشر قوات أجنبية على الأراضي الوطنية من دون أي إطار قانوني أو إشراف دولي. وجميع هذه المخاوف حقيقية وليست وهمية لسوء الحظ.

تذكير الدول والقوى المحلية بهذه الأمور ليس خطأ، وإن خانت العبارة احيانا قلم التحرير.  يبقى أن من الصحيح أيضا ما ذكره كثيرون من أن للسوريين أنفسهم، في الحكم والمعارضة مسؤولية كبيرة في الوصول إلى هذا الوضع الذي لم يعد هناك من يشعر فيه بالحاجة إلى استشارة السوريين في تقرير مصيرهم، لا من الدول الكبرى ولا من الدول الصغرى ولا حتى من الميليشيات الطائفية المحلية والأجنبية.  فمن الذي سيحترم نظاما أثخن في شعبه ودمر وطنه وفتح أبوابه لكل التدخلات العسكرية الاجنبية وشرد نصف شعبه، واصبح رمزا لفشل القيادة وسقوطها كما لم يحصل في اي دولة من قبل؟  وكيف يمكن الحديث مع معارضة أخفقت هي ايضا في التواصل مع شعبها وتثمير تضحياته الهائلة وتحولت بدل أن تتجمع بعد ٧ سنوات من المعاناة إلى منصات تطرق ابواب الدول الاجنبية لتضع نفسها تحت الوصاية أو لتبيع خدماتها لقاء وعود بالنفوذ أو مكاسب مادية أو سياسية أو وجاهية؟  ومن ذا الذي سيخشى رد فعل فصائل لا تزال ترفض العمل في إطار حركة وطنية موحدة الصف والرؤية منذ سنوات، وقبلت بأن تبقى، شعوبا وقبائل متنافسة ومتنازعة مفتقرة لأي برنامج عمل واضح أو خطة استراتيجية شاملة.

الرأي العام محق في أن لا يرى في ردود أفعالنا أي معنى اليوم، بعد أن فقدنا كشخصيات، وفقدت منصات عديدة وضعت نفسها في مقدمة الصفوف لقيادة المعارضة والثورة من دون جدارة، صدقيتها، ولم نعد نمثل جميعنا أي قوة حقيقية على الارض أو أي تهديد لأحد.

لن يكون للكملة بعد الآن قيمة ومعنى ما لم تكن جزءا من مشروع وبرنامج عمل لأعادة بناء الحركة الوطنية والديمقراطية السورية، أي ما لم تخرج المعارضات والفصائل من أزمتها وتعيد التواصل مع قطاعات شعبها المختلفة وتتفاهم على حمل برنامج وطني واحد وموحد، وتتحول بالفعل إلى قوة، أو تعيد شحن نفسها بالقوة التي لا مصدر حقيقيا لها سوى قوة التأييد الشعبي.