برهان غليون يضع مبادئه على محك حياته

2012-06-28:: جريدة الرياض

بدر الراشد

  وأنا أرى المقاطع المصورة التي تم نشرها على الإنترنت لزيارة المفكر العربي برهان غليون إلى سوريا، تداخلت في ذاكرتي صور شتى، وأفكار وخواطر، حول الثقافة والثورة والسلطة وتقاطعاتها.

تذكرت صورة لا تنسى للمفكر العربي إدوارد سعيد وهو يقذف بالحجارة الجنود الإسرائيليين على الجانب اللبناني المحتل. تذكرت صوراً لعبدالوهاب المسيري وهو في الشارع يتظاهر ضد توريث الحكم في مصر وللمطالبة بإصلاحات ديمقراطية في بلده مع انطلاق حركة كفاية منتصف العقد الماضي.

تلك الصورة ليست عبثية، ليست مصادفة أن ينزل هؤلاء إلى الشارع. لا يمكن لإدوارد سعيد صاحب كتاب "المثقف والسلطة" إلا أن ينحاز للناس ويقذف المحتل بالحجارة. المسيري الذي قاتل فكراً على جبهات ضد تسليع الإنسان وضد الفلسفة المادية لا يمكن إلا أن ينحاز للإنسان، يشاركه همومه، وينزل معه إلى الشارع ليطالب بحقه وإصلاح بلده.

لا يمكن لبرهان غليون صاحب "اغتيال العقل" و "الدولة ضد الأمة" إلا أن ينحاز للأمة، للشعب السوري من اليوم الأول للثورة، لا أن ينتظر أن تتمايز الصفوف فيحسم أمره على حسب الربح والخسارة، بل حسم أمره على حسب المبدأ وما يعتقد وما يؤمن به.

من اللحظة الأولى للثورة خرج برهان غليون منتقداً النظام السوري، قاتل المثقف الرصين رئيس قسم الدراسات الشرق المعاصر بجامعة السوربون وأستاذ علم الاجتماع السياسي على الجبهة الإعلامية، ثم السياسية بتأسيس المجلس الوطني السوري والذي تمت تزكيته رئيساً له أكتوبر الماضي، ثم استقال قبل أسابيع من اليوم.

مؤخراً دخل برهان غليون إلى سوريا، سجد شكراً لله وقبّل تراب الوطن، وزار أهالي إدلب لساعات، ثم عاد إلى الحدود التركية في مجازفة ومبادرة لها الكثير من الدلالات.

السوريون لم يعودوا يخافون النظام، حتى أولئك الذين لم يتظاهروا في الشارع، حتى من هو خارج الوطن، لم يعد يعني له النظام السوري أي شيء، سوى نظام قمعي سقط أخلاقياً وسياسياً وسيسقط ويحاكم رموزه على المجازر التي ارتكبوها. 

كما أن هذا النظام لم يعد يسيطر على البلد، فهذا هو برهان غليون يتحدى ويدخل إلى إدلب ويخرج تحت حماية الجيش السوري الحر.

أما فيما يخص غليون، فهذا هو مفكر عربي أصيل وعميق، يشارك الناس همومهم، لا يعيش في برجه العاجي، ولا يكتفي بالتنظير من بعيد، بل يقاتل إعلامياً وسياسياً، ويغامر بحياته، أي بعبارة أخرى؛ يضع مبادئه على محك حياته دائما، فتنتصر مبادئه وإن غامر بحياته في سبيلها.