مئة عام على وعد بلفور المشؤوم

2017-11-02:: موقع د.برهان غليون

 
قبل قرن صدر عن وزير الخارجية البريطاني آرثر جميس بلفور وعد للورد ليونيل وولتر دي روتشيلد بإقامة موطن لليهود في فلسطين اطلق عليه المؤرخون العرب اسم وعد بلفور المشؤوم. وبالرغم مما كان له من أثر مدمر على مصير الشعب الفلسطينيي إلا أن أثره تجاوز فلسطين بكثير. لقد كان حجر الاساس للنظام المشرقي الذي سيقوم من حول غاية واحدة هي ضمان الأمن والسلام والاندماج لاسرائيل. والترجمة العملية لهذا الوضع هو زعزعة استقرار المنطقة بأكملها وحرمانها من أي فرصة للاستقرار والتفاهم والتعاون والتقدم وإغراقها في النزاعات الداخلية والاقليمية ومنعها من إقامة أي وطن قومي للعرب أو لجزء منهم.
لذلك لم يعن وعد بلفور المشؤوم الفلسطينيين وحدهم ولكن العرب بأجمعهم، بمقدار ما جعل من الحرب الدفاعية محور نشاطهم ومن سيطرة النظم العسكرية الديكتاتورية فخا لتقويض اسس حياتهم السياسية والاقتصادية معا. لقد كانت اسرائيل ولا تزال أهم استثمار استعماري قام به الغرب في القرن الماضي وأنجحه. لقد قوض مصير مئات ملايين العرب المحيطين باوروبة كالخاتم بالمعصم وحولهم إلى شراذم وقوض اي فرصة لديهم لبناء دول حقيقية تعنى بشؤون مجتمعاتها وشروط حياتهم وتتمتع بالحد الأدنى من السيادة والكرامة والنجاعة والصدقية.
وبعد ان أضاع العرب قرنا من استقلالهم في مواجهة تحدي اسرائيل، الجسم الغريب في المنطقة، واحتوائها، من دون تحقيق أي نتيجة تذكر، ها هم يستعدون اليوم لإضاعة قرن آخر في النزاعات النابعة من هذا الفشل، ودخول الايرانيين وغيرهم في مواجهة التحدي واستثماره من أجل السيطرة على الشعوب العربية المنهكة وإعادة بناء الامبرطوريات البائدة.
لا يزال المشرق وربما سوف يبقى لعقود طويلة قادمة رهين ضمان الأمن الاسرائيلي، ينزف، عربا وعجما، كالجرح الفاغر بينما ينغرس خنجر اسرائيل كل يوم أكثر في العمق.