أزمة القيادة في المعارضة السورية

2015-10-20:: face book

 

إن تشكيل قيادة وطنية تجمع المقاتلين والسياسيين هي المهمة المركزية لثورة السوريين اليوم. وإذا لم ننجح فيها سوف نخرج من الحل، وسوف نستمر في تقديم التضحيات والشهداء بالعشرات كل يوم من دون أن نستطيع أن ننتزع أي مكسب أو حق من حقوق الشعب وتطلعاته. ولن نحظى إلا بتلك التسوية التي يكون ثمنها إخراج المعارضة وإهمالها بذريعة التشتت والانقسام أو التطرف والارهاب.

 سمعت الكثير يشكون من الافتقار إلى شخصيات سورية كارزمية تنتزع القيادة وتفرض نفسها لتلم شمل الشتات المعارض وتحوله إلى رقم مؤثر في معادلة الصراع الوطنية والدولية.
وجوابي ليس جميع من يحتل منصب قيادة، من الرؤساء والزعماء والمنسقين، في العالم كله، بالضرورة من أهل الكاريزما والكرامة والعبقرية. القادة بالإجمال أشخاص عاديون أو متوسطون، صنعت منهم الشعوب قادة لما تحلوا به من صدق او شجاعة أو ذكاء أو صبر أو خبرة، جميعها أو بعضها، واستثمرت فيهم وأولتهم ثقتها ووقفت وراءهم وتظاهرت من أجلهم، ودفعتهم إلى الأمام وشجعتهم بسلوكها الايجابي على الذهاب إلى ما وراء إمكاناتهم وطاقاتهم، وألهبت حماسهم وعمقت من شعورهم بالمسؤولية وحمل الرسالة بتفاعلها معهم، فصاروا زعماء مسموعين ومرهوبين. وتغيروا هم أنفسهم، وتعززت مواهبهم القيادية، بمقدار ما تغيرت صورتهم عند أنصارهم وأعدائهم. هذا هو وضع جميع الرؤساء الذين ننظر إليهم اليوم وكانهم كانوا شخصيات استثنائية ولم يكونوا كذلك، لكن المهمة ارتقت بهم وغيرتهم. ومصائرهم ونتائج سياساتهم بينت أنهم لم يكونوا على هذه الدرجة من العبقرية والاستثنائية، بالرغم من أنهم ألهبوا مشاعر وقلوب الناس في مرحلة معينة.
وهدفي أن أقول إن القيادة في أي ميدان ليست مسألة مواهب شخصية متعلقة بخصائص الفرد. ولا تشكل المواهب الخاصة إلا جزءا قليلا منها، لكن جزءها الأكبر مرتبط بعلاقة الجمهور المتلقي مع الشخص الفرد القائد، وبحاجات هذا الجمهور وخصائصه أيضا، وثقته وعلاقته بالنخب الاجتماعية.
القيادة وظيفة يوكلها الناس إلى أشخاص يستثمرون فيهم ويقدرونهم، لاعتقادهم بأنهم قادرون على الدفاع عن مصالحهم وفهم تطلعاتهم. ولا تنجح وتستمر إلا بمقدار ما تترسخ ثقة الناس بمقدراتهم على تحقيق آمالهم، ويزيد التفافهم حولهم، ومتى ما فقدوا هذه الثقة تخلوا عنهم وتركوهم لوحدهم.
ما حدث في سوريا أن أحداً من بين النخب الاجتماعية المتنازعة والمتناحرة منذ الاستقلال إلى اليوم لا يريد أن يعطي هذه الوظيفة لأحد، فصادرها منهم المغامرون من العسكريين والانقلابيين.
وها نحن نكرر اليوم في المعارضة، بعد انهيار منظومة الحكم العسكري الجائر والمفروض بالسلاح، مأساة من سبقنا، وبسبب قتالنا المحموم عليها، بقيت الوظيفة فارغة. وللتعويض عنها قبلنا برجال نأتي بهم فقط لسد الفراغ، من دون أن نوليهم أي احترام أو ثقة، ومن دون أن نبعث في داخلهم أي شعور بالمسؤولية والالتزام والحماس لبذل الجهد والقيام بمهام القيادة الصعبة. فصار لدينا عشرات من المرشحين السائبين ومن الممثلين الفاشلين والقائمين بأعمال القيادة العاطلين، والزعماء الحالمين الذين ينتظرون دورهم في كل دورة وعلى كل منعطف.

ليس هناك حل في نظري لمسألة القيادة في المعارضة السورية سوى أن ندفع القادة الحقيقيين على الأرض، في الفصائل المسلحة وفي أوساط المجتمع المدني، الأكثر فاعلية وموثوقية وقدرة، على تشكيل مجلس قيادة منهم، وتعيين ناطق رسمي باسمهم، وأخذ مسؤولياتهم القيادية على المستوى الوطني بعد أن أخذوها على المستوى الفصائلي والمحلي. وبإمكانهم أن يستعينوا بمن شاؤوا من أصحاب الخبرة والكفاءة والشخصيات السياسية والوطنية، لصوغ برنامج عملهم وأجندة وطنية سورية لا نزال نفتقر إليها حتى الآن.