مستقبل الإصلاح السوري

2003-01-23:: الجزيرة نت

 

حكم البعث

خضعت سوريا منذ الثامن من مارس/ آذار 1963 لسلطة تعلن ولاءها العقائدي لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي اتسم بسياساته القومية الداعية إلى الوحدة العربية، وفي مرحلة تالية بسياسات اشتراكوية راديكالية تعززت فيها سياسة الانكفاء والعزلة الداخلية، وفي الوقت نفسه الانفتاح على الاتحاد السوفياتي السابق الذي سيصبح الدعامة الخارجية الرئيسية للنظام الجديد. لكن حكم البعث الذي غلبت عليه النزاعات الداخلية خلال العقد الأول من نشوئه سيشهد طفرة كبيرة بعد الحركة التصحيحية التي قادها أحد أبرز رجالاته وزير دفاعه حافظ الأسد.

وقد تبنى الرئيس الجديد سياسة مختلفة ربما كانت أبرز سماتها البراغماتية القائمة على الحذر والواقعية والتي مكنته من عقد تحالفات تبدو للوهلة الأولى صعبة ومستحيلة، فبالإضافة إلى التحالف الإستراتيجي الذي عقده مع جمهورية إيران الإسلامية، نجح الأسد بعد انتخابه رئيسا للجمهورية عام 1971، في إعادة العلاقات السورية العربية، وبشكل خاص مع المملكة العربية السعودية ومصر اللتين كانتا في خلاف كبير مع طهران، إلى مستوى كبير من التفاهم والتعاون. كما نجح في مد خطوط الحوار مع الدول الأطلسية وإلى حد كبير في تحييدها بالرغم من استمراره في الاستفادة من العون السوفياتي الكبير واحتفاظه بعلاقات مميزة مع الدولة السوفياتية. أما على المستوى الداخلي فقد كان له الفضل الأكبر في إخراج النظام البعثي من التخبط والفوضى اللذين تميز بهما وإرسائه على قواعد ثابتة مؤسسية.

وهكذا كانت السنوات الأولى لحكمه مليئة بالإنجازات السياسية والإدارية، وفي مقدمها بناء الجبهة الوطنية التقدمية، التي جمعت إلى جانب البعث الحاكم خمسة أحزاب ثانوية في إطار واحد لتوسيع دائرة المشاركة في الحكم. وتم التصويت على نظام المجالس المحلية بديلا عن نظام البلديات القديم، كما تم تنظيم القطاع العام الاقتصادي، ثم أخيرا إقرار الدستور الدائم للبلاد عام 1973. وقد اعتبرت الحركة التصحيحية في وقتها من قبل الرأي العام العربي والدولي بداية انفتاح النظام البعثي المغلق والعقائدي على العالم، وقبوله بالتعامل معه أيضا على أسس عقلانية وواقعية لا تخضع أساسا للشعارات والرغائب الشخصية. وبالفعل شهد العقد الأول للنظام الجديد تحييدا جزئيا للسيطرة الحزبية، وانفتاحا نسبيا على المجتمع الذي عبر عن تفاؤله الكبير بقدوم الحكم الجديد وثقته برئيسه. كما شهد أيضا نموا اقتصاديا كبيرا بفضل عوائد الإنتاج النفطي الجديد المتزايدة، ومساهمات الدول العربية الخليجية في دعم دول المواجهة العربية.

 

عهد التصحيح

لكن الإصلاح المؤسسي الذي قام به النظام الجديد، ولو أنه ألغى مظاهر الفوضى والمنازعات الداخلية المستمرة والتخبط الذي عرفه حكم البعث في الحقبة السابقة، إلا أنه بتوحيده بين الحزب والدولة وتكريسه البعث قائدا للدولة والمجتمع وإبقائه على جميع القوانين الاستثنائية التي تعلق القانون عمليا أو تحد من تطبيقه، قد عمل على إفراغ الإصلاح المؤسسي من مضمونه. ولا شك أن النمو المتسارع في إطار انعدام الضوابط القانونية لممارسة السلطة ومراقبتها ومحاسبتها على جميع المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية، كان السبب الأول في تفاقم ظاهرة الفساد التي ستصبح مقتل النظام والدولة نفسها. ففي إطار مؤسسات ممسوكة من الداخل بقوى أمنية أو حزبية أو بيروقراطية ليس لأحد سيطرة عليها أو رقابة ممكنة على نشاطها، نجحت الفئات الأكثر قربا من النظام أو الأكثر قدرة على الانتهازية والوصولية من وضع يدها على موارد البلاد الرئيسية وإبعاد بقية المجتمع عنها. وقد وصل استفحال الفساد وتعميم آثاره لدرجة اضطرت معها السلطة عام 1976 إلى تكليف اللواء عبد الرحمن خليفاوي بتشكيل حكومة، هدفها الأول مكافحة الفساد والكسب غير المشروع.

كانت الأحداث المأساوية الدامية التي بدأت عام 1979 بمذبحة الكلية العسكرية في حلب التي ذهب ضحيتها ثمانون من الطلاب الضباط، وانتهاء بمذبحة حماة الشهيرة التي قتل فيها في مارس/ آذار 1982 عشرات آلاف المدنيين، التعبير الأكبر عن الأزمة العميقة التي ستعيشها سوريا بسبب إلغاء الحياة السياسية الطبيعية وتأبيد السيطرة المطلقة لحزب واحد على مقدرات البلاد، وغياب أي قواعد أو معايير للمراقبة والمحاسبة الوطنية. كما كانت هذه الأحداث المأساوية الثمن المباشر الذي دفعه السوريون لقاء هذا النمو الاقتصادي السريع، القائم على تنامي الموارد الريعية الخارجية والداخلية من دون ضوابط قانونية وأخلاقية.

وكما شكلت الحركة التصحيحية عام 1970 منعطفا رئيسيا في تاريخ النظام البعثي الذي استلم الحكم عام 1963، ستشكل أزمة الثمانينيات المأساوية منعطفا خطيرا في تاريخ نظام الحركة التصحيحية نفسه. فبقدر ما زهقت من الأرواح أبرزت -بصرف النظر عن الأسباب التي قادت إليها- جوهر ما يعاني منه النظام وما يجعل العنف الأعمى الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الأمن والاستقرار، أعني غياب السياسة كمجال للتوسط والوساطة بين السلطة والمجتمع والمصالح المتعارضة، واضطرار جميع الأطراف المتنازعة في النهاية إلى اللجوء إلى أقصى العنف لانتزاع تنازلات متبادلة أو تحقيق مصالح خاصة. وبقدر ما أظهرت هذه الأحداث الفراغ السياسي المهول الذي يعاني منه النظام، دمرت كل أساس ومفهوم للسلطة الشرعية، وأبرزت العمق العسكري والعنفي المحض الذي يستند إليه استمرار الوضع.

ومنذ ذلك الوقت لن تستقيم في سوريا أي سياسة قطاعية، لا اقتصادية ولا اجتماعية ولا علمية ولا إعلامية، وتحولت البلاد إلى غابة يتنافس فيها الأقوى على مراكمة المغانم والمكاسب وسلب الأضعف خارج أي مرجعية اجتماعية أو أخلاقية. وبقدر ما دفع هذا الوضع المجتمع بأكمله إلى الانكماش والانكفاء والارتداد عن الحماس الذي قابله به في بداية نشوئه وإدارة ظهره للسياسة والدولة، حرر أيضا وبالقدر نفسه الفئات الممسكة بالنظام والمستفيدة منه من جميع القيود المعنوية والقانونية التي كانت تحد من نزوعها فيما وراء السيطرة المباشرة والعلنية على الموارد العامة، إلى الاستئثار بهذه الموارد وتبديدها واستخدامها كما لو كانت موارد سائبة لإرضاء رغباتها وتحقيق أحلامها الوردية.

وهكذا عاشت البلاد منذ ذلك الوقت في مناخ مواجهة صامتة، بين مجموعات الحكم الممسكة بالسلطة والمستأثرة بالثروة الوطنية وبقية أفراد المجتمع المنبوذ، لا يحكمها إلا قانون الفتح والقوة. وكان هذا الوضع هو الأساس لإطلاق يد أجهزة الأمن بحرية في شؤون المجتمع العمومية والخصوصية، بحيث لم تبق هناك أي حرمة لشخص أو لمكان، ولم تبق قضية اقتصادية أو إدارية أو فكرية أو عائلية أو شخصية تمتنع على تدخل أجهزة الأمن أو يحرم عليها الدخول فيها والعبث بها. وأمام هذا الانكشاف الكامل للمجتمع أمام أجهزة قوية ومنظمة ومنهجية مطلقة الصلاحية، عمت السكينة بالفعل وساد جو مضمون من الاستسلام والركون والانتظار.

لقد كان انتصار النظام على المجتمع ساحقا وكاملا، لدرجة لم يبق فيها للمنهزم شخصية أو هوية تسمح له حتى في التفكير بالهزيمة، ومن باب أولى بالرد أو باستعادة المبادرة. فاستسلم للسلطة وأجهزة الأمن ولم يعد له أمل في تحقيق شيء إلا من خلال التقرب منها وممالأتها. لقد أصبحت السلامة هي الهدف للجميع، وأصبح الفرد يشعر ببالغ السعادة والإنجاز إذا نجح في تجنيب نفسه وأفراد أسرته الأقربين الانتقام والبطش وضمن البقاء على قيد الحياة.

 

عهد الإصلاح

مع هذا الاختلال الهائل في ميزان القوة بين السلطة والمجتمع أو الرأي العام كان من الطبيعي أن يتضاعف الفساد وتزيد جرأته، حتى وصل الأمر إلى توقف الدولة تماما عن القيام بمهامها وتحولها إلى وسيلة لحلب الناس وابتزازهم على جميع المستويات. وكان من نتيجة ذلك -كما هو متوقع- استفحال الأزمة الاقتصادية التي كانت تغطي عليها العائدات النفطية الهامة. وقد جاءت التحولات الدراماتيكية التي أدت إلى انهيار الكتلة السوفياتية لتغير أيضا في التوازنات الدولية والإقليمية. وقد حاول النظام البعثي أن يستجيب لها ويستغل فرصة الاستسلام والتسليم السياسي للمجتمع، ليقوم بإدخال بعض التعديلات على السياسات الاقتصادية لتحسين شروط عمل الطبقة الوسطى التجارية واستعادة ثقتها وكسب تعاونها في مواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. وهكذا جاء قانون رقم 10 الخاص بتشجيع الاستثمار الحر وفتح الأسواق النسبي.

وقد خففت السياسات الجديدة من دون شك من وتيرة التراجع بل التدهور الاقتصادي الحتمية، لكنها لم تنجح في الحد من تفاقم الأزمة التي ستصبح هيكلية ودائمة. وجاء مرض الرئيس في السنوات الخمس السابقة لوفاته وتركيز الاهتمام الرسمي والأهلي على ما اعتقد في تلك الأثناء أنه عملية السلام التاريخية التي ستفتح آفاق التنمية الإقليمية بأجمعها، ليساهم بشكل إضافي في تمديد فترة الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع وضمان الاستقرار.

لكن وفاة الرئيس حافظ الأسد ومجيء ابنه إلى السلطة خلفا له قد فجر جميع الآمال المؤجلة عند فئات المجتمع المختلفة من مثقفين وعمال وطبقات وسطى، وكذلك عند قطاعات عديدة من مجتمع الدولة الرسمي داخل الإدارة والحزب الحاكم نفسه. فقد كان الجميع تقريب -وربما في مقدمهم الرئيس الشاب نفسه- قد وصلوا إلى اقتناع ثابت خلال السنوات العديدة السابقة وتراجع جميع المؤشرات الاقتصادية والإنسانية، بأن البلاد لا تستطيع أن تستمر على المنوال القديم، وأن نمط الحكم والإدارة السائد حتى الآن لم يعد يصلح لتحقيق المهام المطلوب من السلطة السياسية تحقيقها بل لوقف تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية.

وما أن تمت مراسم التنصيب للرئيس الجديد حتى بدأت مطالب التغيير تنطلق من جميع الجهات. ولا شك أن الرئيس المتحمس للتغيير والتجديد، والذي كان قد جعل من نشاطه في إطار الجمعية السورية للمعلوماتية ومن قيادته للحملة ضد الفساد بيانا انتخابيا قبل مجيئه إلى السلطة، قد أغرى الناس والمجتمع ككل بخطابه الذي اتسم بالتواضع والاعتراف بالأزمة التي كانت قيادات النظام تنكر حتى الاعتراف بها ولا تقبل بالحديث عن شيء آخر غير الصعوبات المؤقتة. وشعرت القطاعات الأكثر حيوية ونشاطا من الرأي العام السوري في تأكيد الرئيس الجديد على مبدأ احترام الرأي الآخر، وضرورة مشاركة الجميع في المساهمة في حل المشاكل الصعبة والمعقدة وتعاونهم، بداية عهد جديد بالفعل يبشر بعودة الدولة والسلطة إلى المجتمع واهتمامهما بمشاكله الكثيرة المستفحلة. وهكذا أصبح الإصلاح بسرعة هو الشعار المشترك بل والبند الأول فيما يشبه الميثاق الوطني الجديد الجامع.

لكن بالرغم من أن الجميع يريد الإصلاح ويحلم به، من قمة السلطة إلى أدنى فئة في سلم المسؤولية، لم يكن هناك أي إدراك واضح بعد وبالأحرى مشترك لطبيعة هذا الإصلاح وأهدافه وغاياته. ومن هنا سيشكل قدوم العهد الجديد بداية حقبة جديدة مضمونها الرئيسي الصراع حول تحديد مفهوم الإصلاح ومن وراء ذلك إعادة توزيع المسؤوليات وتحديد الأدوار، وبالتالي المصالح الاجتماعية المختلفة في هذا الإصلاح. كما سيشكل أيضا بموازاة ذلك بداية تاريخ الصراع داخل السلطة نفسها بين أنصار الإصلاح والمعادين له. وهو ما يفسر الصراع بين التسميات المختلفة لهذا الإصلاح، وطرح السلطة وأنصارها في التداول لمفهوم جديد حل محل الإصلاح والتغيير هو مفهوم التطوير والتحديث.

 

الاتجاهات الثلاثة للإصلاح

تتنازع المجتمع السوري المجمع على الإصلاح ثلاثة تيارات أو اتجاهات كبرى:

الاتجاه الأول
هو الاتجاه الذي يرفض أي شكل من أشكال الإصلاح، ويعتقد أن بقاء النظام البعثي يتوقف على الحفاظ على القواعد والتقاليد والقيم التي سار عليها الرئيس السابق المؤسس الفعلي للنظام، وأن أي تغيير في هذه القواعد والتقاليد يدخل عوامل غريبة على النظام يمكن أن تقود إلى أوضاع من الصعب السيطرة عليها. لكن هذا لا يمنع من أن يعاد صوغ هذه القواعد ويعاد تسويق هذه التقاليد بأساليب جديدة، أو من إدخال تحسينات على عمل النظام هنا وهناك. وليس هناك أي مانع من أن ينفتح النظام على قوى الرأسمالية الخاصة، إذا كان ذلك يشكل ثمنا ضروريا للخروج من الأزمة الاقتصادية وضمان الدعم المالي والسياسي للكتلة الأوروبية والغربية عموما، لكن بشرط أن تظل هذه القوى والشركات والمؤسسات تحت السيطرة وتخضع لوصاية الأجهزة الأمنية كما هو الحال بالنسبة لجميع القوى والمؤسسات الأخرى.

وتنتمي إلى هذا الاتجاه جميع قوى الأرستقراطية الطفيلية التي تعيش على ريع المنصب وتؤمن بحق الفتح ومنطق الغنيمة، وهي تجمع فئات مسيطرة سيطرة مباشرة وتقريبا حرة على السلطة وموارد الدولة المادية والمعنوية. وهي تشكل اليوم يمين النظام المحافظ الذي يدافع عن الوضع القائم، ويرفض التغيير ويخشاه انطلاقا من الإدراك العميق بأن أي تعديل في النظام المجتمعي يعني لا محالة تهديد الامتيازات المكرسة والسيطرة الشاملة على موارد الدولة، وحق التصرف بها كما لو كانت ملكية خاصة شرعية. وليس لدى هؤلاء المحافظين اليمينيين أي سبب كي لا ينزعوا -في سبيل الدفاع عن امتيازاتهم هذه- إلى استخدام وسائل العنف وتبرير ديكتاتورية الأجهزة والعمل لتطوير سياسات وتوجهات فاشية رسمية.

الاتجاه الثاني
يتمثل في قوى المعارضة التي تمثل بشكل أساسي العناصر المنشقة عن النظام والنازعة إلى الاندماج في المجتمع الوطني أو المواطني، وفئات كثيرة من الطبقة الوسطى القديمة والخاصة المتركزة في المدن والتي تحملت في العقود الأربعة الماضية العبء الأكبر للحرب التي أعلنها النظام البعثي على المجتمع لإخضاعه لإرادته وتأهيله لقيادته وتسليمه بمصالحه. وما يميز موقف قوى المعارضة التي يتصدر قيادتها فئات من نشطاء المجتمع المدني على مختلف مستوياته وبعض القوى السياسية اليسارية والدينية، هو التشديد على أولوية التغيير السياسي بما يعنيه من تغيير قواعد ممارسة السلطة في جميع المستويات، وإحلال القاعدة الديمقراطية والاحتكام إلى الانتخابات محل السيطرة الأمنية بالقوة وبناء دولة القانون، وفسح المجال لإشراك جميع الأفراد في قيم المسؤولية السياسية والمناقشة الفكرية والمساواة الأخلاقية والقانونية والاحترام المتبادل.

وينضوي تحت لواء هذا الفريق الذي توحده شعارات المواطنية والديمقراطية أفراد ينتمون في الغالب إلى أقليات اجتماعية مخرجة منذ عقود من اللعبة السياسية، من مثقفين وأبناء طبقات شعبية أو نصف شعبية وبشكل خاص طبقات وسطى مستبعدة من أي مشاركة وممنوعة حتى من التعرف على هويتها، بل عن قول رأيها فيما تفرضه الطبقة المسيطرة من سياسات. ومن الطبيعي أن تشعر هذه القوى المتعددة وبالرغم من تعددها وتنوع فكرها ومصالحها بأن تعديل عمل النظام وتغيير قواعد اللعبة السياسية، لا يمكن إلا أن تكون في صالحها وأن تتيح لها فرصا أكبر للمشاركة في الحياة العمومية والتأثير في القرار العام واستعادة احترامها لذاتها، وتكوين نفسها كطبقة سياسية واعية لنفسها وليس فقط كطبقة اقتصادية. فهي تشعر عن حق بأن احتكار البيروقراطية السوداء للحياة السياسية والفكرية معا تدمير مستمر لها وإغلاق لآفاق مستقبلها.

الاتجاه الثالث
وفي المقابل يدافع الفريق الثالث الذي يشكل اليمين الوسط عن نموذج للتغيير يقتصر على تحسين شروط الإنتاج الاقتصادي والعمل الإداري، مع الاحتفاظ بقواعد الممارسة السياسية كما هي. وهو يعبر عن مصالح الطبقة الوسطى الجديدة التي أنشأها النظام وعاشت ولا تزال تتمتع ببعض المزايا لقاء ارتباطها به ودفاعها عنه. فهي بحاجة لوصايته حتى تتمكن من تقييد أيدي الفئات الوسطى ولجمها، وبالتالي خلو الساحة لها كي تستمر في الاحتفاظ بتفوقها وتضمن بقاء امتيازاتها المادية والسياسية والمعنوية.

وتضم هذه الطبقة فئات عديدة من أصحاب المهن الحرة من مهندسين ومحامين وأطباء وأطر جامعية وغيرها، ومن الإداريين البيروقراطيين والتكنوقراطيين والطامحين إلى استغلال أزمة النظام للمشاركة في الغنائم، ومن أصحاب مشاريع صغيرة مرتبطة بالنظام أو بوجوده ومستفيدة من العلاقات المتميزة مع السلطة. ومعظم هؤلاء ينتمون إلى الصف الثاني من النخبة المسيطرة والمالكة لوسائل الإنتاج والتوزيع والسلطة والقانون، داخل الجيش والإدارة والقطاع العام والحزب والدولة عامة. ويوحد جميع هؤلاء الشعور المتزايد بأن آفاق التقدم المفتوحة أمامهم أصبحت محدودة جدا وأن مستقبلهم متعلق بالقيام بإصلاح اقتصادي سريع، لكن دون أن يكون لهذا الإصلاح آثار على النظام السياسي.

وبتركيزهم على الإصلاح الاقتصادي ورفض أي إصلاح في قواعد ممارسة السلطة وتداولها، أي في الواقع تمسكهم بالسيطرة الحزبية الأحادية للبعث على مقدرات البلاد، يحققون هدفين في الوقت نفسه. فبمطالبتهم بالإصلاح الاقتصادي وفتح المجال أمام القطاع الخاص المسيطر عليه ومحاربة الفساد وتحديث الإدارة، يطمح هؤلاء إلى إزاحة النخبة العليا المسيطرة والمحتكرة للموارد، وبتطوير موارد جديدة من خلال جذب الاستثمارات والمساعدات الأجنبية وتشجيع الاستثمار في الداخل. وبالمقابل، بمحافظتهم على قواعد ممارسة السلطة العمومية من دون تغيير يضمن هؤلاء أن يحتفظوا لأنفسهم وحدهم بحق قطف ثمار ما يمكن أن يأتي به الإصلاح الاقتصادي، وتجنب أن يذهب قسم كبير أو صغير منها إلى الطبقات الوسطى المنافسة أو إلى الفئات الأخرى الشعبية.

ومن هنا فهم يعتقدون أن الحفاظ على نظام الحكم الراهن كما هو لا يزال ضرورة تخدم تقدمهم الاجتماعي، لكنهم يعتقدون كذلك أنه من دون النجاح في إزاحة الجيل الأول الذي يحتكر كل المواقع والمناصب والموارد ليس أمامهم أي فرصة حقيقية للتقدم والارتقاء. فبقدر ما يتيح لهم الإصلاح الاقتصادي التحرر من طغيان البيروقراطية الذي أصبح يهدد النظام الاقتصادي كله بالإفلاس والانهيار، يسمح لهم نظام الحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع بأن يحتفظوا بالمواقع التي يحتلونها أو يمكنهم من الدفاع عنها ويحميهم من التعرض لمنافسة الطبقات الوسطى الواسعة المهمشة، التي لا قيمة لأبنائها ولا وزن مهما كانت مؤهلاتهم وقدراتهم طالما لم يدخلوا في نظام الولاء والزبائنية والمحسوبية المكرسة.

وبالفعل يعني تغيير قواعد ممارسة السلطة العمومية فتح النظام السياسي والفكري والإعلامي لدخول قوى جديدة منافسة إلى حلبة التنازع على تقاسم الموارد والمنافع والمناصب، أما تعديل قواعد ممارسة النشاطات الاقتصادية فهو يقتصر على فتح النظام الاقتصادي في سبيل الحصول على رساميل واستثمارات ومساهمات خارجية جديدة تحرك الاقتصاد والتجارة وتدعم السوق المحلية.

ومن هنا يشكل العداء للاختيار الديمقراطي نقطة التوافق الوحيدة بين اليمين الرجعي المحافظ واليمين البيروقراطي الإصلاحي، بقدر ما يشكل غياب الديمقراطية ضمانا أساسيا لاحتفاظهما بالسلطة العمومية والامتيازات المرتبطة بها والانتفاع بالموارد الجديدة المحتمل أن يولدها الإصلاح. لكن الاختلاف يكمن في تبيان طبيعة الإصلاح الاقتصادي المطلوب وحدوده.

فالتيار الإصلاحي الليبرالي يتهم اليمين المحافظ بالجمود وتعطيل الإصلاحات ووضع العوائق الإدارية والقانونية في طريق تحقيقها، بينما يتهم اليمين المحافظ الإصلاحيين بالمغامرة بالاستقرار والاستمرار وفتح الباب أمام جميع المخاطر المحتملة وغير المتوقعة.

وهنا يكمن جوهر أزمة مشروع الإصلاح السوري. فالتيار الإصلاحي الذي يملك مواقع مهمة في الدولة والمؤسسات الرسمية المختلفة بما في ذلك المؤسسات الاقتصادية والهيئات الخاصة المرتبطة بالنشاط الاقتصادي ورجال الأعمال، يعيش مفارقة حقيقية لا يعرف كيف يخرج منها وليس من المؤكد أنه قادر على الخروج منها. إنه يريد التغيير الاقتصادي وفرض برنامجه الإصلاحي على نخبة الفتح الأرستقراطية المتوحشة، التي تسعى إلى نقل النظام إلى الجيل الجديد من أبنائها في إطار تطوير اقتصاد مافيوي بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنه يخشى الانفتاح على الطبقات الوسطى التي يعتمد عليها الإصلاح ولا يمكن أن يتقدم من دون التزامها ومشاركتها.

فالانفتاح على الطبقات الوسطى المهمشة والمستبعدة من أي حقوق أو مشاركة في قرار إلى ساحة العمل العمومي يهدد بتغيير قواعد اللعبة السياسية، بينما تهدد القطيعة مع القوى المحافظة القوية بزعزعة النظام، ولذلك فقد أدان نفسه بالشلل والعجز. ذلك أنه غير قادر على تحقيق الإصلاحات الموعودة والمنشودة من دون لجم اليمين المحافظ، كما أنه غير قادر على كسب التأييد الشعبي للطبقات الوسطى الذي راهن عليه، أو الاحتفاظ به من دون تغيير المناخات والأطر النفسية والسياسية والقانونية أي من دون الانفتاح السياسي، الذي لا مهرب منه في أي مشروع إصلاح يستدعي لا محالة إحياء الطبقة الوسطى المشلولة وإشراكها في الحياة العامة الفكرية والسياسية وتحريرها من عسف الأجهزة الأمنية.

وهذا ما يفسر في النهاية نجاح اليمين الرجعي في نهاية السنتين الماضيتين من عمر العهد الجديد في استعادة زمام المبادرة بسرعة، وفرض وصايته على برنامج الإصلاح.

 

مستقبل الإصلاح بين الحركة الديمقراطية والتيار الإصلاحي

لكن معركة الإصلاح لم تنته مع ذلك. وليس هذا النجاح نجاحا نهائيا، لأن سياسات اليمين المحافظ لا تفتح أي مجال للخروج من الأزمة المستفحلة ولكنها تدفع البلاد والنظام معها إلى السقوط فيها أكثر فأكثر. فسياسة اليمين المحافظ تجاه الأزمة المتفاقمة اليوم هي بالمعنى الحرفي سياسة انتحارية بالنسبة للنظام.

إن مستقبل الإصلاح ومن ورائه المستقبل السوري نفسه للعقد القادم يتوقف على الإجابة عن السؤال الأساسي التالي: هل هناك أمل في إيجاد تقارب بين اليمين البعثي الإصلاحي في النظام والمعارضة الديمقراطية، تفتح داخل المجتمع السوري إمكانية تكوين تحالف جديد قادر على إنجاز برنامج الحد الأدنى الضروري والعاجل من الإصلاح، أم أن اليمين المحافظ المتجه بشكل أكبر نحو الحلول الفاشية سينجح من خلال الاستمرار في وضع التيار الإصلاحي الرسمي، في مواجهة المعارضة الديمقراطية في تحييد القوى الإصلاحية جميعا وضربها بعضها ببعضها الآخر لسنوات طويلة قادمة، على الرغم من الأزمة المتفاقمة والإفقار الزاحف والتقهقر في الموقف الوطني السوري؟

يتوقف الأمر بالتأكيد على تطور وضع التيار الإصلاحي البعثي وتيار المعارضة معا. ومن الملاحظ أن التيار الإصلاحي البعثي الذي أظهر حيوية وحماسا قويا في الأشهر الأولى لحكم الرئيس الجديد قد تراجع كثيرا إلى الوراء، واختار تحت إرهاب التيار اليميني المحافظ وابتزازه بالمسألة الأمنية أن ينسحب من المعركة. وقد كان هذا الانسحاب أحد الأهداف الرئيسية للحملة التي قام بها اليمين الرجعي على المنتديات الثقافية والناشطين السياسيين في سبتمبر/ أيلول 2001، التي أسفرت عن وضع عشرة من قادة الرأي في السجن لسنوات عديدة.

لكن انسحاب هذا التيار واختفاء مظاهر نشاطه لا يعني أنه لم يعد موجودا أو أنه غير مواقعه أو انحاز نهائيا إلى خط اليمين البعثي الرجعي، فهو لا يزال يؤكد وجوده ولو من خلال بعض الكتاب والممثلين المستقلين غير الشرعيين. وسوف تكون لديه فرص جديدة للعودة إلى مقدمة المسرح الرسمي عندما يزداد إدراك الخسائر الكبيرة الاقتصادية والسياسية التي قاد وسيقود إليها خط المحافظة والجمود المهيمن اليوم. لكن يظل من الصعب المراهنة عليه ما لم تنجح قياداته في إعادة تنظيم نفسها وإدراك نقاط ضعفه وتغيير تكتيكها بما يناسب الوضع.

ولعل نقطة الضعف الرئيسية التي عانى منها التيار البعثي الإصلاحي في السنتين الماضيتين والتي أدت إلى هزيمته أمام التيار اليميني هو جموده وبطء حركته، وعدم مبادرته بسرعة بعد خطاب القسم الذي تركز على الإصلاح إلى الإعلان عن نفسه بقوة وتأكيد خطه بشكل مستقل ومواجهة التيار المحافظ وتحييده. فغياب أي شكل من أشكال التنظيم أو حتى التعبير الواضح والمستقل منع الكثير من ناشطي حزب البعث وأحزاب الجبهة الرديفة وإطارات الإدارة المدنية والاقتصادية المتحمسين لمشروع الإصلاح، من التعبير عن رأيهم والانضمام إلى تيار الإصلاح وتوسيع دائرة نفوذه وقوته داخل الدولة والحزب الحاكم. وعلى جرأة قادة هذا التيار في التعبير عن أنفسهم وتوضيح موقفهم، وإبراز استقلالهم عن سياسة اليمين البعثي الرجعي المحافظ المراهن على الاستمرار في استخدام الحلول العسكرية للمشاكل الاجتماعية، وقدرتهم على المبادرة والاتصال وبناء تسويات مقبولة مع القوى الديمقراطية المعارضة، يتوقف مصير البعث نفسه ودوره في بناء سوريا الديمقراطية القادمة.

ولا شك أيضا أن سلوك قوى التغيير الاجتماعية الأخرى وفي طليعتها المعارضة قد تميز بنقاط ضعف كثيرة، فقد قامت الموجة الأولى من مبادرات تنشيط الحياة الفكرية والسياسية بهدف دعم برنامج الإصلاح بالدرجة الأولى على أكتاف المثقفين، الذين كانوا قد نجحوا في السنوات السابقة خلال حياة الرئيس حافظ الأسد في انتزاع نوع من الحصانة أو الحماية ضد القمع المنظم والأعمى الذي كانت تتعرض له الفئات الاجتماعية الأخرى. وقد شجعتهم بيانات سابقة نشرت بشأن التدخل في لبنان أو الحرب على العراق ومشاركة سوريا في التحالف الدولي الذي شن هذه الحرب، من دون أن يتعرضوا لأذى كبير، ثم فيما بعد نجاح السينمائيين بفرض نوع من الحوار على وزارة الثقافة بشأن المؤسسة العامة للسينما، على المضي قدما في لعب دور المهماز والمحرك للنقاش الوطني المحرم والممنوع في كل الميادين والقضايا. وعندما حصل انتقال السلطة وتأكد تمسك الرئيس الجديد بشعار الإصلاح والتغيير، لم يجد المثقفون أي صعوبة في المبادرة إلى نشر بيان الـ99 الذي هدف إلى تلخيص مطالب التغيير الأساسية في بنود ثلاثة رئيسية:

إلغاء حالة الطوارئ والأحكام الاستثنائية.
الإفراج عن جميع معتقلي الرأي والتعويض لهم.
بناء دولة القانون والاعتراف بالتعددية الفكرية والسياسية في المجتمع وإلغاء احتكار الحزب الواحد وسيطرته الشاملة.


وقد أحدث نشر هذا البيان الذي أثار الحماس العام في أوساط المثقفين والطبقة الوسطى حركية قوية، داخل فئات الطبقات الوسطى التي بدأت تنتعش بأمل التغيير واستعادة عصر الحريات واحترام الحقوق الفردية والقانونية. ونمت حركة إنشاء الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان، كما تطورت حركة تكوين المنتديات الفكرية بسرعة وانتشرت في جميع المدن والمحافظات.

كانت المنتديات التي أسسها المثقفون وأحيوا النقاشات المتواصلة فيها تعبيرا عن نشوء حركية قوية لانخراط الطبقات الوسطى في الحياة العمومية. ولعب المثقفون من دون شك دور الطليعة الحية لهذه الطبقات. وكانت الغاية الوحيدة من ضرب هذه المنتديات واعتقال منشطيها الرئيسيين وإخضاع المثقفين الآخرين للتحقيقات الأمنية المستمرة والضغوط الإعلامية والسياسية بل والتهديدات باللاوطنية، إعادة الطبقات الوسطى إلى جحورها وبالتالي قبر برنامج الإصلاح الذي لا يهدف إلى شيء آخر إلا إلى تعبئتها ولا يقوم من دونها. وكان ذلك رسالة واضحة من القوى اليمينية المتحكمة بالأجهزة بأن قواعد الممارسة السياسية لن تتغير، وأن الحفاظ على الوضع القائم هو الهدف الوحيد للحكم وهو ما سيعبر عنه تكريس شعار الاستمرار والاستقرار.

خلال تلك الفترة الحاسمة من تاريخ حركة الإصلاح بقيت الأحزاب التي تنتمي للمعارضة والموحدة في إطار التجمع الوطني الديمقراطي مترددة وفاقدة للمبادرة خلال فترة طويلة من بدء حركية التغيير، قبل أن تلتحق بالنشاطات الأهلية المتمحورة حول مطالب الإصلاح. وحتى عندما حسمت موقفها وقررت الالتحاق بالجهد القائم لبلورة مطالب الإصلاح وبرنامجه بقيت مبادرتها السياسية ضعيفة، ولم تختلف في طبيعة مساهمتها الحقيقية عن المساهمة التي قدمها المثقفون، أي انحصرت إلى حد كبير في دائرة تنشيط النقاش النظري حول الإصلاح وشروطه. وكان للمنتديات وبيانات المثقفين صدى أكبر بكثير من تحركات الأحزاب وبياناتها.

وحتى عندما نجحت الحملة الأمنية المنظمة في إسكات العدد الأكبر من المثقفين وإغلاق المنتديات الفكرية التي أسسوها لم تظهر الأحزاب السياسية المعارضة سرعة مبادهة كافية لانتزاع المبادرة من جديد، وملء الفراغ الذي أحدثته اعتقالات المثقفين وإغلاق المنتديات. وبدت أحزاب المعارضة مرتبكة أيضا وغير قادرة على بلورة اختيارات واضحة في مواجهة حملة اليمين البعثي الرجعي القوية. وقد أدى ذلك كما تشهد المناظرة الدائرة في صفوف المعارضة السورية اليوم إلى تفاقم الخلافات داخلها وبروز تيارات نقدية قوية شملت وستشمل جميع الأحزاب.

وهنا أيضا يتوقف مستقبل التحول الديمقراطي والإصلاح في سوريا على قدرة قوى التغيير، بما تضمه من قوى المعارضة الديمقراطية والمثقفين والشرائح النشطة والحية من الطبقات الوسطى الحاملة لمشروع الإصلاح والمستفيدة الرئيسية منه في شقيه الاقتصادي والسياسي معا، على توحيد قواها وبلورة إستراتيجية عمل بعيدة المدى ومتسقة، تضمن التعاون والتكامل والتداول السريع والحي بين جميع الأطراف في سبيل توسيع القاعدة الشعبية للتغيير وتعميق الوعي بمهامه وأهدافه. ويحتاج مثل هذا العمل إلى بذل جهود كبيرة من قبل الجميع لتجاوز الخلافات بالحوار وتجنب الاستفزازات الخارجية، بتعلم ضبط النفس والامتناع عن الانخراط في مهاترات مع السلطة أو في نزاعات داخلية تضعف من قدرة قوى التغيير ومصداقيتها في أوساط الرأي العام.

والخلاصة أنه بالرغم من تعدد الرهانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة في الإصلاح السوري المنتظر، تظل الديمقراطية هي القضية المركزية في حركة الصراع القائم اليوم في سوريا. فمن حول هذا الصراع على الديمقراطية تصطف القوى وتتبلور المعسكرات المتنافسة، وفي مقاربة مسألة تنظيم السلطة العمومية ونمط ممارستها تعاد صياغة القوى السياسية والتيارات الاجتماعية والأيديولوجية اليمينية واليسارية المحافظة والإصلاحية. فكما أن رفض الديمقراطية بكل معانيها والدفاع عن الوضع القائم والسعي إلى الحفاظ عليه بأي ثمن ورفض أي تعديل في النظام المجتمعي والسياسي القائم، يؤلف اليوم جوهر موقف اليمين السوري المحافظ والرجعي وعقيدته الوحيدة -سواء داخل الدولة أو في محيطها وعلى هامشها- فإن الكفاح من أجل الديمقراطية وضمان الحريات الفردية والجمعية لجميع المواطنين من دون تمييز هما جوهر موقف المعارضة الديمقراطية الوطنية والإسلامية معا وعقيدتها.