مقابلة مع حقائق التونسية: عن الإصلاح المطلوب في سورية

2019-11-13 :: حقائق التونسية

برهان غليون هو أول رئيس للمجلس الوطني السوري المعارض، أكاديمي سوري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في باريس، كان رقما بارزا في الثورة السورية حتّى أن البعض اتهمه برسم خارطة تحالفات مبكّرة في سوريا، الأمر الذي حال دون تحلحل الأزمة، وللحديث عن هذه المسألة وعن المعارضة السورية ومسائل أخرى في علاقة بما يحصل في سوريا التقته حقائق أون لاين وكان الحوار التالي: 
 
من علياء الفكر الى قاع السياسة..يرى بعض المراقبين أن برهان غليون وقع في خطأ رسم خارطة التحالفات مبكرا ما تعليقكم؟
 
تقدير الخطأ مرتبط بالغاية من العمل. لم يكن لدي سوى حساب واحد هو مساعدة الشعب الثائر على تنظيم صراعه ضد نظام غاشم ودموي من خلال السعي إلى توحيد قوى المعارضة المنظمة في إطار مشترك لتقود نضال الجمهور وتحول دون الانحرافات المحتملة ودون استغلال الانتفاضة الشعبية من قبل أطراف داخلية وخارجية لأهداف مختلفة عن أهدافها الحقيقية أو دون الدخول في الفوضى. وقد رميت بنفسي في مقدمة الحركة وغامرت بكل شيء راضيا وفاء للشعب الذي انتمي إليه، من دون انتظار أي جزاء أو مكافأة، وبالاحرى التفكير في منصب سياسي كان يبدو لي دائما قبض ريح ولا قيمة له بالنسبة للمعركة التي لم أتوقف عن خوضها منذ عقود طويلة من أجل حرية الشعوب وكرامتها الإنسانية.
 
بالمقابل لا أدري عن أي تحالفات تتحدث، وما هي الحسابات الخاطئة التي وقعت فيها وفي اعتقادي يخطئ النقاد والمراقبون من الخارج في أحكامهم عندما يقيسون سلوك الآخرين بمقياس نواياهم هم وغاياتهم وتطلعاتهم هم أنفسهم. 
 
المعارضة السورية مشتتة والضغوطات كبيرة و الاموال هائلة، ماذا عن هامش التحرك ؟
 
لا أدري أيضا هنا عن أي أموال هائلة تتحدثون. لم يستلم المجلس الوطني فلسا واحدا من أي دولة صديقة أو مؤسسة، لا عربية ولا أجنبية، قبل مرور ستة أشهر على تأسيسه، أي قبل شهر من تقديم استقالتي.
 
وكل ما قيل غير ذلك كان من باب الدس على الانتفاضة وحملة التشويه التي تعرضت لها من قبل أعدائها وأعداء الحرية في عموم البلاد العربية. ومليارات الدولارات التي تدعي الدول أنها أنفقتها على الأمور الإنسانية لم يمر شيء منها بين يدي مؤسسات المعارضة وإنما كانت تقدم لهيئات منظمة الأمم المتحدة التي وزعت القسم الأكبر منها كما تبين فيما بعد على مؤسسات النظام السوري ّالخيرية" أما الأموال غير المكرسة للمساعدة الإنسانية فقد تحكمت بها الحكومات والدول المتدخلة في الشأن السوري ومولت بها منظمات وميليشيات تعمل تحت وصايتها أو لتحقيق مصالحها، وكانت وسيلة من وسائل الحرب ضد المجلس الوطني وانتزاع السوريين أنفسهم للقيادة من أيدي القوى الأجنبية، العربية والدولية.
 
وقد كان لهذا المال السياسي أيضا دورا كبيرا في الحفاظ على تشتت المعارضة وتغذية الصراعات داخل صفوفها وكذلك في تعزيز الضغوطات عليها وقطع الطريق على تحقيق الحلم السوري في الانتقال الديمقراطي. وهي الضغوط التي تحولت، كما ترون، إلى تدخلات عسكرية هائلة ومتعددة لتهميش السوريين وتقاسم الكعكة السورية.
 
وهذا ما يفسر أنه لم يعد للمعارضة اليوم، في الديناميكيات الراهنة للصراع، دور يذكر، في الوقت الذي أصبحت الضغوطات تحيد بعضها أيضا وتحول دون التوصل إلى أي تسوية منشودة بعد تسع سنوات من الحرب الدموية.
 
وبالنسبة لقوى الانتفاضة والمعارضة التي لا تزال متمسكة باستقلالها ومشروع الانتقال الديمقراطي الوطني يتركز التحرك اليوم على معالجة الآثار المأساوية للحرب الطويلة، والتدخلات المتعددة الخارجية، والعمل على تجاوز الانقسامات الشعبية وإعادة بناء الذات الوطنية، وتشكيل جبهة مقاومة سياسية للمشاريع التصفوية واستعادة المبادرة من قبل القوى الديمقراطية.
 
ونحن نعتقد أن المعركة السياسية لم تنته بالرغم من الخسارة العسكرية التي تكبدتها المعارضة، بل ربما عادت الآن إلى واجهة الاحداث بعد أن أخفق النظام في التغطية على حقيقة الصراع بدفعه المعارضين إلى حمل السلاح.
 
وفي هذه المواجهة السياسية ليس هناك موقف أضعف من بين جميع القوى المتنازعة على تقرير مصير سورية من منظومة النظام الهالك القائمة، الذي استنفذ موارده ودمر بلده، وضحى بمئات الآلاف من أنصاره في معارك لم تسفر سوى عن تقديم سورية هدية مجانية للاحتلالات الأجنبية.
 
هكذا انتقلت الأزمة المتفجرة اليوم من معسكر الثورة والمعارضة إلى معسكر النظام وحلفائه، ومما يزيد من تفاقمها ادعاء النظام أنه انتصر وربح الحرب في الوقت الذي خسر فيه كل شيء، ولم يعد بين يديه ما يقدمه لا لأنصاره ولا لحماته الروس والإيرانيين. لقد أصبح مجرد خرقة للتغطية على عورة الاحتلال. 
 
هل من إمكانية لادارة حوار ايجابي مع المعارضة في سوريا و هل من تعديلات جوهرية في الدستور ؟ 
 
لو قبل النظام في أي لحظة خلال السنوات التسع المأساوية السابقة أن يجلس على طاولة الحوار مع المعارضة أو حتى مع الجزء الأكثر اعتدالا منها، مثل هيئة التنسيق التي لم تكف عن دعوتها لقبول الحوار معه من دون شروط، لما وصلت سورية إلى ما هي عليه اليوم.
 
لقد كان النظام يعتقد دائما أن رفضه الحوار هو الدليل على قوته وتصميمه على سحق المعارضة بكل أشكالها والاحتفاظ بالنظام القائم كما هو، بوصفه المالك الوحيد لشرعية الحكم والمطالب بتأبيدها.
 
وإذا كان المقصود من سؤالك ما يحتمل أن يجري من مناقشات داخل اللجنة الدستورية بين النظام والمعارضة فالجواب أن هذه اللجنة لم تشكل بالأساس إلا للالتفاف على مبدأ الحوار والمفاوضات التي أقرتها قرارات مجلس الأمن لتشكيل هيئة حكم انتقالية مناصفة بين النظام والمعارضة، والتلاعب عليها من خلال تخفيض الأمر إلى نقاش على تعديل مواد الدستور في الوقت الذي ليس للدستور أي قيمة مهما كان مضمونه من دون تغيير آليات ممارسة السلطة وبنياتها وحل مشكلة دولة القمع والمخابرات الموازية أو المبطنة القائمة على التعسف والحكم بالقوة التي كانت تعمل ولا تزال خارج أي دستور أو التزام بما في ذلك الدستور المعلن من قبل النظام نفسه.
 
هذه هي المسألة الرئيسية وعلى حلها ينبغي أن تتوجه الأنظار إذا كانت هناك إرادة في إيجاد مخرج سياسي للحرب، هل سورية هي دولة الأسد، بدستور أو من دون دستور كما كانت دائما، مهمتها خدمة مصالح عائلة الأسد وحاشيته ومرتزقته المحليين والأجانب، أم هي دولة الشعب السوري، التي تضع مؤسساتها ومواردها في خدمة مصالح السوريين وتأمين حقوقهم.
 
إذا لم نحسم في هذه المسألة، وتصريحات حماة النظام ووكلاء امره من الروس والإيرانيين لا تزال واضحة للأسف في هذا الامر: إنها دولة الأسد بمقدار ما أصبحت أيضا من خلاله وعبره الدولة التي ينبغي لها أن تضمن المصالح الروسية والإيرانية وتدافع عنها في وجه خصومها المحلييين السوريين والأجانب الدوليين *.
 
لو توضح لنا المطالب الوطنية للمعارضة السورية و ماذا عن تعديلات دستور 2012؟
 
ليس للمعارضة ولا ينبغي أن يكون لها أي مطالب خاصة مثل المشاركة في الحكم وتقاسم المناصب والمنافع والصفقات المافيوية. مطالب المعارضة هي تلبية نداء الشعب الذي قدم أكثر من مليون شهيد لتحقيق غاية واحدة وهي استعادة الشعب حقه في أن يكون سيد مصيره وأن يقرر هو من يمثله ومن يحكمه، لا أسرة دموية تحكم بالحديد والنار وتحول الدولة إلى جهاز أمن وإرهاب ولا دولة وصاية أجنبية روسية أو إيرانية.
 
كل ما عدا ذلك من تنازلات ومطالب سوف تبقى تغييرات ديكورية لا قيمة لها ولا معنى، كائنا من كان وراءها، ومهما اتخذت من أسماء وأشكال.
 
متى، برأيكم، نرى إصلاحا حقيقيا او تغييرا جديا في سوريا؟ شروط إمكان تحقيق ذلك؟
 
عند تحقيق الهدف الذي ذكرته، أي إسقاط منظومة الوصاية والاستبداد والإرهاب وقيام سلطة سياسية منتخبة من الشعب وممثلة لإرادته ومصممة على أن يكون محور اهتمامها وانشغالها تحسين شروط حياته ومعيشته وتعليم أبنائه وتشغيلهم، لا خدمة مصالح المسيطرين على الدولة وتسخيرها لمراكمة ثرواتهم وتضخيم حساباتهم في المصارف الأجنبية. أي عندما تكون الدولة ملكا لشعبها لا وسيلة لقمعه والتحكم به ونهب موارده.
 
حاولت بعض الاطراف ومنها حسن نصر الله ان تحاور المعارضة، ما تقييمكم لذلك؟ 
 
حاولت المعارضة بالأحرى فتح حوار مع القوى المناوئة لإرادة الثورة والشعب، وأولها النظام نفسه، الذي رفض ولا يزال بكل الوسائل الدخول في مثل هذا الحوار وقضى على أي محاولة لإعادة إحيائه من قبل شركائه ومنهم نائب رئيس الجمهورية الذي يقبع في الإقامة الجبرية منذ ثمانية سنوات نتيجة ذلك، وهو فاروق الشرع. وثانيها الحوار مع روسيا حامية النظام والمدافعة عنه في جلسات ولقاءات بالعشرات، شاركت أنا نفسي في أكثر من واحدة منها وكتبت عنها في كتابي عطب الذات، وثالثها مع نظام ولاية الفقيه الإيراني الذي رد علي أنا نفسي أيضا بأن الحل الوحيد هو أن تكون سورية موالية للجمهورية الإيرانية ضد الهيمنة، التي سماها "بدوية"، لدول الخليج التي لا ينبغي أن يكون لها علاقة في نظره سورية التي تنتمي حضاريا لإيران.
 
أما حسن نصر الله فلم يفكر بشيء سوى إظهار ولائه لولاية الفقيه واطماعها ورفع رايات الطائفية وتسعير العداء للثورة الشعبية التي وصفها ووصف قادتها بالعمالة لإسرائيل والصهيونية والامبريالية الامريكية.
 
لقد كان موقفه بالعكس الأكثر تعبيرا وتجسيدا لرفض أي حوار وإدانة الثورة والشعب السوري الذي فجرها باعتباره شعب المؤامرة على المقاومة والممانعة وبرر قتله بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة ولا يزال يحتل العديد من مدنه وقراه كما في مدينة القصير ويمنع سكانها من العودة إليها ليحولها إلى قواعد عسكرية ومخازن أسلحة إيرانية، ولم يظهر لحظة واحدة تأثره بالمصير الذي آل إليه الشعب السوري ولا أبدى أي تعاطف مع تطلعاته السياسية المشروعة. حسن نصر الله كان الأكثر لؤما وعداء إزاء ثورة الشعب السوري التحررية من الأطراف المعادية الأخرى جميعا.
 
لو توضح لنا سياق التموضعات بين الامس واليوم في المشهد السوري، وما هو تعليقكم عليها؟ 
 
لا أرى من هذه التموضعات ما يستحق الذكر سوى أن نتيجة التآمر على حقوق الشعب السوري وثورة احراره كانت تشريد نصف الشعب السوري وتعريض حياة النصف الآخر للخراب، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، ودفع الدولة والمجتمع السوريين إلى أزمة مفتوحة لا أحد يعلم كيف ومتى تنتهي، وبالمقابل تحول نظام الأسد وقاعدته إلى طابور خامس وحاضنة لحكم الوصاية والاحتلالات الأجنبية.
 
يشبه البعض المجتمع الدولي بسوق النخاسة فماهو تعليقكم؟ ماذا قدم المجتمع الدولي لسوريا حتى الان؟ 
 
لا ينبغي ان نستخدم تقاعس المجتمع الدولي أو ضعف مؤسساته السياسية والقانونية وسيلة للتغطية على مسؤولياتنا والتهرب من تعيين المسؤولين المباشرين عن الكارثة التي حلت بالسوريين. ومن الضروري التذكير دائما بأن إصرار الأسد على البقاء في الحكم، هو والطبقة اللقيطة والفاسدة التي تلتف حوله ويستند إليها، هو المسؤول الأول عن كل ما حصل.وأن النظام التوسعي والتيوقراطي والانتقامي لولاية الفقيه، الذي مكن نظام الأسد ورجاله من تحقيق حلمهم في حرق سورية وتشريد الشعب السوري، هو المسؤول الثاني. وأن روسيا البوتينية الانتقامية، التي أرادت من خلال تدخلها في سورية وإمساكها بخيوط الموقف فيها أن ترد على التحدي الغربي الذي انتزع منها مناطق نفوذها في العراق وليبيا هي المسؤول الثالث.
 
بعد ذلك تأتي الولايات المتحدة وأوروبا وسياساتها العرجاء وخياناتها للمواثيق الدولية ثم بعد ذلك أخطاء المجموعة العربية التي تخلت عمليا عن سورية، وتخبط السياسات الخليجية، وبعد ذلك كله أخطاء المعارضة وعلى رأسها القوى الاسلامية التي انحرفت ببوصلتها عن روح الثورة الشعبية المواطنية والوطنية. وهذا كله هو المجتمع الدولي وهذا ما قدمه لسورية والسوريين: تحويل سورية إلى مسرح للنزاعات الدولية المعلقة والاستقالة السياسية والأخلاقية للأغلبية الساحقة من الدول والحكومات إزاء كارثة الشعب السوري. 
 
سوريا من ثورة الى صراع كبير..ماذا عن المسألة القومية في سوريا ؟ 
 
ليس للمسألة القومية، بمعنى القومية العربية التي كانت تطرح في الخمسينيات والستينيات، علاقة بالمسألة السورية المطروحة اليوم ولا بمضمون الثورة الراهنة. ما يشكل جوهر ثورة الحاضر هو استعادة الشعب سيادته على وطنه، وعودته إلى حمل مسؤولياتها كشعب، وحل المسألة الوطنية التي تعني هنا إعادة استملاك الدولة المختطفة من قبل طبقة فاسدة ومعادية للشعب، وفي الوقت نفسه إعادة بناء الجماعة السياسية السورية على أسس المواطنة المتساوية بعد أن مزقها النظام القائم بسياساته العنصرية والاقصائية والاستعدائية للجماعات واحدتها ضد الأخرى.
 
وإرث الثورة الأول الذي عبر عن ولادة الروح الوطنية، بمعنى المواطنية لا بمعنى التموضع ضد هويات وطنية أخرى، أصبح الرصيد الأكبر لسورية القادمة والملهم للنضالات والثورات والانتفاضات العربية الجديدة أيضا والتي لن تتوقف قبل أن تحقق غايتها وما ينتظره الشعب منها. 
 
يصنف كتاب " عطب الذات" لبرهان غليون في خانة كتب المراجعة. ماذا أراد براهان غليون ان يراجع ؟ و لماذ احتل عدنان العرعور مكانا في هذه المراجعة ؟ 
 
هي مراجعة الثورة نفسها، والتامل في خياراتها وأخطائها في ما يتعلق بالمسائل الخمس الأساسية التي واجهتها: الأولى بناء الإطار السياسي لتسيق جهودها وتوحيدها، وفيه بين الكتاب أسباب إجهاض المجلس الوطني السوري وإفشاله، والثانية مسألة التدخل الأجنبي الذي دغدغ قطاعا واسعا من الرأي العام السياسي المنخرط في الثورة، والذي قسم صفوفها، والثالثة مسألة تسليح الثورة وتجاوزها الالتزام بالسلمية التي أعلنتها كما هو الحال اليوم في الانتفاضات الشعبية العربية، ثم بعد انتشار السلاح، لماذا لم ننجح في ضبط السلاح وتجاوز خطر الفصائلية وانفلات الجماعات المسلحة واختراقها من قبل جميع القوى المعادية للثورة بما فيها النظام ذاته، والرابعة مسألة اسلمة الثورة أو بالأحرى أسلمة أجندتها وتحويلها من ثورة حرية وكرامة، أي مواطنة حرة ومتساوية، إلى ثورة إسلامية تهدف إلى تمكين تيار سياسي واحد من السيطرة عليها وعلى السلطة التي ستخرج منها، أو توحي بذلك على الأقل، والخامس مسألة التحالفات الإقليمية والدولية والعلاقات مع المجتمع الدولي عموما. و
هذه هي المسائل الرئيسية التي طرحتها الثورة وشكلت موضوع المراجعة التي حاولها كتاب عطب الذات. أما الفصل المكرس للشيخ العرعور فهو يقع في الجزء الذي يناقش مسألة الأسلمة وتغيير طابع ومحتوى اجندة الثورة الشعبية.
 
ومن المعروف ان عدنان العرعور ينتمي إلى تيار السلفية الوهابية ولعب دورا كبيرا في هذه الأسلمة والتعبئة الطائفية أو في حرف الثورة عن اتجاهها الوطني الديمقراطي الرئيسي. 
 
ماهو برأيكم مستقبل مشروع الإسلام السياسي في البلاد العربية ؟ و ما صحة الحديث عن نموذج إسلامي اطلسي ؟ 
 
 انتهى الإسلام السياسي كمشروع تاريخي كما انتهت جميع المشاريع السياسية الحزبية الأخرى. ولا أعلم شيئا عن النموذج الإسلامي الأطلسي. ما أعرفه هو أن النماذج الكبرى للسلطة الإسلامية الحديثة الموعودة من قبل الإسلام السياسي قد أظهرت فسادها بالمطلق، وفي نظري كانت قمة نجاحها ثورة الولي الفقيه الإيرانية التي لا تزال تحكم دولة كبرى في المنطقة تتمتع بموارد كبيرة مادية ومعنوية.
 
وقد تحول حكمها إلى حكم أمبرطوري تيوقراطي يقوم، كما كان الحال في تأسيس الامبرطوريات جميعا، على الغزو وحملات الإبادة والقتل من دون رحمة لكل ما يقف في وجهه، في الداخل والخارج.
 
وقد كان أول ضحايا سياسة التوسع الامبرطوري الدموي، في السياق التاريخي المعاصر الشعب الإيراني ذاته ثم الشعوب العربية المحيطة به. أما التجارب الإسلامية الأقل اكتمالا كتلك التي ظهرت في أفغانستان والسودان وغيره فلم تستطع أن تقيم حكما مستقرا ولا أن توحد الشعب ولكنها قسمته بشكل أكبر وقادت إلى المزيد من الحروب والفوضى والخراب. 
 
هل يمكن لسوريا ان تبعد عن إيران ؟ 
 
ليس المطلوب من سورية أن تبتعد عن ايران أو أي بلد آخر، سواء كان ديمقراطيا او غير ديمقراطي، عربيا أو أجنبيا. المطلوب أن توقف ايران مشروع السيطرة والهيمنة العسكرية والسياسية والثقافية والدينية على سورية.
 
المطلوب وقف مشاريع الوصاية والتدخل العسكري والاحتلال واغتصاب إرادة الشعوب وحقها في اختيار الحكومات ونظم الحكم التي تمثلها وتخدم مصالحها لا أن تكون أدوات لتحقيق طموحات الدول الإقليمية او الكبرى التوسعية والجيوستراتيجية.
 
وقد قلت للايرانيين عندما كنت رئيسا للمجلس الوطني إننا لا مصلحة لنا بقطع العلاقات مع ايران بل بالعكس لدينا مصالح كبيرة اقتصادية معها، لكن الحاق سورية عسكريا واستراتيجيا بطهران، حتى لو كان باسم الممانعة والمقاومة، يهدد استقرار سورية ويلغي سيادتها وحق شعبها في تقرير مصيره بنفسه، ويربط مصيرها بسياسات طهران، بما في ذلك فرض الحكم الأسدي عليها ضد إرادة شعبها، وفصلها عن محيطها العربي والدولي، ويبرر كما حصل اجتياحها بالميليشيات الطائفية العراقية والإيرانية والأفغانية وغيرها.
 
هل النخب العربية ديمقراطية ؟ 
 
لا تولد أي نخبة من رحم مجتمعها، أي مجتمع كان، ديمقراطية، أو بروح ديمقراطية. الديمقراطية هي ثمرة نجاح الشعوب، من خلال الثورات والانتفاضات والتظاهرات والاحتجاجات، في تدجين النخب النازعة إلى احتكار السلطة والفساد ما لم تخضع للمساءلة والمحاسبة والعقاب على الأخطاء والانحرافات، وإجبارها على احترام سيادة الشعب وإرادته. وهذا ما نحن بصدده اليوم وهو محتوى نضالات شعوبنا ومجتمعاتنا في الحقبة الراهنة وهدف الانتفاضات الشعبية التي تشهدها جميع الدول العربية.
 
هل برهان غليون " حالة فردية " ؟
 
برهان غليون واحد من مئات ملايين الناس الذين يمقتون الظلم ويحنون للعدالة ويحركهم الأمل بتقدم الانسان وتمكين الأفراد من العيش بكرامة وحرية في نظام يضمن المساواة والاحترام المتبادل، ويقضي على ظواهر التهميش والتمييز والإذلال في كل بقاع العالم، وفي هذه الفترة في سورية والبلاد العربية بشكل خاص.وأنا أؤمن بأن دفاعنا عن حقوق الآخرين المتساوية هو أصل الوفاء والالتزام الجماعي والاستجابة لشرف المسؤولية التي تقع على عاهل المثقف والسياسي وتعطيه قيمته الرمزية والمعنوية
 
كيف يمكن برايكم حلحلة الازمة في سوريا ؟ هل من وصفة تستجيب لطموحات وحاجات الانسان العربي السوري ؟ 
 
يتعلق الامر اليوم بالنسبة للسوريين بإزاحة الصخرة الكبيرة التي تقبع على صدورهم، وهي صخرة الاحتلالات الأجنبية التي تستخدم الأسد دريئة وحجابا تحاول من ورائه إضفاء نوع من المشروعية على وجودها وحضورها العسكري والسياسي والاقتصادي وتحويل سورية إلى منطقة نفوذ ومنطقة تفريغ لنزاعاتها الدولية.
 
والتخلص من هذه الصخرة وإسقاط نظام العبودية الذي أصبح مصدر إهانة للسوريين ورمز حرمانهم من حقوقهم الطبيعية في الكرامة والحرية، تستدعيان من السوريين توحيد قواهم ورأيهم وتنظيم صفوفهم وإيجاد القاسم المشترك بينهم، أي إعادة اكتشاف هويتهم الوطنية.
 
وهذا ما ينبغي أن نعمل عليه ونتبنى قضيته. وهذا هو الطريق للتعافي السوري والخروج من الكارثة وتدشين معركة إعادة الإعمار واستعادة سورية هويتها ودورها في عالمها العربي وفي العالم على حد سواء.
حاوره مراد بن جمعة-
https://www.hakaekonline.com/article/111953/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A8%D8%B1%D9%87%D8%A7%D9%86-%D8%BA%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86