غياب الخبرة السياسية والقيادة الوطنية منع عزل النظام

2017-03-15 :: الشرق الاوسط - لندن

 غالية قباني

 

 انحاز الدكتور برهان غليون المفكر السوري والأكاديمي المقيم في فرنسا، للثورة السورية عند انطلاقها في ربيع عام 20111.

وانضم للمعارضة، وتولى رئاسة أول جسم سياسي معارض ضد النظام بعد الثورة، وهو المجلس الوطني السوري الذي تأسس في أكتوبر (تشرين الأول) في العام نفسه في مؤتمر عام انعقد في تونس.

بعد استقالته من المنصب، استمر على موقفه المنحاز للحراك الشعبي والمناهض لنظام الاستبداد.

غير أنه، لاحقاً، ابتعد عن الانشغال السياسي اليومي في صفوف المعارضة، وترك لنفسه مساحة لتأمل المشهد السوري ومساراته المتشابكة، بعين الباحث في الاجتماع السياسي الذي سبق وكتب الكثير من الدراسات حول المجتمعات العربية ومسألة الديمقراطية والمواطنة.

 

* من منطلق تجربتك في المعارضة ، ماهي رؤيتك للمشهد السوري وتداعياته خلال 6 سنوات؟

- أنا أعتقد، وسوف يثبت التاريخ ذلك، أن الثورة السورية، بما تهدف إليه بداية من إسقاط النظام، قد انتصرت منذ الساعة الأولى لاندلاعها، وهذا ما أدركه النظام الذي انقض عليها بكل ما يملك من وسائل العنف والقتل والتدمير، حتى لم يتورع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل الذي حرمتها الاتفاقات الدولية في الصراعات بين الدول والجيوش. والسبب في ذلك أن النظام الذي لم يكن يملك أي شرعية أو مبرر وجود سوى الرعب الذي كانت تبثه أجهزته الأمنية والعسكرية، قد وجد نفسه معلقاً في الفراغ منذ اللحظة التي انكسر فيها جدار الخوف ونزل السوريون بالآلاف يطالبون بالحرية والكرامة والاستقلال.

لقد سقط النظام بسقوط هذا الجدار. وكل ما حصل فيما بعد هو تنظيم الحرب العلنية ضد الشعب الحر الوليد، لإفراغ انتصاره من محتواه، وإغراقه بالدم، وجعل الحرية التي يتطلع إليها أغلى ثمنا بكثير من عار الذل الذي كان يبعثه الخنوع والاستسلام. ومنذ ذلك الوقت، دخل الشعب والنظام في حلقة تصعيد لا تقاوم، الشعب من أجل إنقاذ رهانه وتأكيد وجوده كشعب، حر وسيد وقادر، والنظام من أجل كسر إرادة الشعب بأي ثمن وإثبات استحالة الثورة عليه. وهكذا تحولت الثورة إلى ثورة مسلحة، وفتح النظام، الذي لم يكف خلال عقود عن المزايدة بالسيادة الوطنية لردع أي فكرة تحررية أو تضامن عالمي مع الشعب المقهور، أبوابه، لكل التدخلات الأجنبية، الميليشيات الإيرانية أولاً ثم المنظمات المتطرفة الإسلامية، وأخيرا الأساطيل الروسية. ووصل الأمر إلى أن يوزع الأرض السورية على حلفائه مجانا لإقامة القواعد العسكرية البرية والجوية والبحرية، ويرهن البلاد ومواردها للأجنبي، ويهجر الملايين من شعبها بعد أن دمر مدنه وبلداته ورماه في العراء.

 

* لماذا فشلت المعارضة في خلق مؤسساتها المؤثرة؟ فشل مشروع المجلس الوطني السوري في تمثيل السوريين شعبيا ودوليا، ولم ينجح بعده الائتلاف الوطني أيضا؟

- أولاً لأن القوى السياسية التي تسلمت زمام المبادرة بعد سحق النظام للقيادات الشابة والجديدة للثورة الشعبية، لم تكن على مستوى من النضج السياسي والفكري يمكنها من قيادة المرحلة الثانية للثورة، التي تعقب عادة إسقاط النظام، وهي بناء قاعدة النظام الجديد، لخوض معركة سياسية وعسكرية على مستوى تحدي الحرب الشاملة التي أعلنها عليها النظام، وبقيت حبيسة نزاعاتها وحساسيات قاداتها لفترة ما قبل الثورة، وأفشلت المجلس الوطني كإطار لوحدة المعارضة ولتشكيل جبهة سياسية عريضة، وحولته إلى أداة للنزاع على رئاسات وهمية. وثانياً لأن الدول التي وقفت سياسياً إلى جانب الثورة لم تقدر حجم القوة التي كان النظام وحلفاؤه مستعدين لزجها في معركة القضاء على ثورة الشعب السوري، وثالثاً، لأن النظام الدولي، في عهد أوباما وبوتين، لم يجدا أي مصلحة في الاستثمار في تغيير النظام.

 

* هل للتدخلات الدولية والإقليمية دور في تشرذم المعارضة، أم أن السوريين كانوا كمن خرج من المعتقل الكبير، من دون خبرة بالعمل السياسي، سواء سلطة أو معارضة؟

- كلاهما. فمن دون التدخل الإيراني الواسع، وما رافقه من تفجير الحرب الطائفية، ووضع الأقليات في مواجهة الأكثرية، كان النظام ساقطاً لا محالة منذ نهاية السنة الأولى للثورة. وفي غياب الخبرة السياسية والقيادة الوطنية الحقيقية كان من الصعب توحيد الجبهة الداخلية وعزل النظام وإحباط خططه في الحرب الطائفية. لم يكن النظام يتمتع بأي ذرة من العقل السياسي، كان نظاما حربيا وعدميا بالمعنى العميق للكلمة ومستعدا للتضحية بكل شيء، والبلاد نفسها، من أجل عدم خسارة «ملكه»، أما المعارضة فقد كانت سياستها منخورة بخبرة الإحباط والنزاعات التي تعيشها حيوات محصورة في زجاجة مغلقة لعقود طويلة، تأكل بعضها وتتآكل في الوقت نفسه.

 

* كيف ترى المرحلة المقبلة من الملف السوري في ظل المعطيات الحالية سياسية وعسكرية؟

- واضح أن شعار النظام «الأسد أو نحرق البلد» كان حقيقة وليس شعاراً. وقد حرق البلد بالفعل انتقاما لحرق النظام نفسه. اليوم سوريا مهشمة، تخضع كل بقعة فيها لقوات احتلال أجنبية، مكونة بعضها من جيوش دول وبعضها من ميليشيات وبعضها من منظمات متطرفة وإرهابية. وتستدعي إعادة توحيدها وتحريرها وفرض احترامها على أعدائها، توحيدا مسبقا للشعب وإحياء الروح الوطنية وشحذ الوعي والإرادة الفكرية والسياسية. وهذا مشروع جيل كامل من مواليد الثورة وأبنائها. وهذه هي المعركة التي بدأت اليوم، وسوف تتنامى، بموازاة مفاوضات الحل العقيمة، قبل أن تنتهي إزالة أنقاض النظام البائد، التي لا تزال تثقل على جسم الأمة وتشل أطرافها. أي اعتقاد أو رهان على بقاء الأسد أو نظامه هو من قبيل الأوهام. الموتى يتحولون إلى أشباح، ربما، لكن لا يمكن أن يعودوا إلى الحياة، حتى لو حصل تحنيطهم. وليس الأسد اليوم سوى مومياء تستخدمه سلطات الاحتلال لتبتز السوريين وتفرض عليهم مصالحها غير المشروعة