جوهر المشروع الأمريكي تقوية النفوذ وإعادة تنظيم المنطقة

2004-05-14 :: الخليج

الخليج

توجهت “الخليج” الى المفكر السوري برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون، للوقوف على رأيه بالندوة التي نظمها “ايريس”. فكان هذا الحوار القصير:

 

* كيف تنظر الى أعمال ندوة “ايريس” التي استمرت يومين حول العالم العربي، وشاركت في قسم منها؟

* لا بد ان أشير قبل كل شيء الى ان هذه الندوة كانت مفيدة. فمنذ زمن طويل لم تعقد لقاءات على هذا المستوى بين عرب وأوروبيين، من مختلف المستويات والانتماءات. ان طرح الاسئلة وفق الصيغة التي وردت فيها يعبر عن انشغال جميع الاطراف واهتمامها بإيجاد أجوبة. لم أتابع كل أعمال المؤتمر، لكن الندوة التي شاركت فيها تركت لديّ انطباعاً بعدم وجود شعور عميق بمأساوية الأوضاع المتردية في أكثر من منطقة في العالم العربي، وبالتالي ليست هناك إجابات جديدة عن المشكلات الملحة المطروحة. فالوضع متفجر من العراق الى فلسطين بشكل رئيسي، بالإضافة الى الديمقراطية والتحولات الجارية في العالم العربي. ويؤسفني ان أقول اني لم اسمع من الأوروبيين ما يشعرني ان هناك إدراكاً وتفهماً لهذه القضايا.


* ما هي في تقديرك المسألة الملحة المطروحة؟
* هناك الكثير من القضايا المطروحة في العالم العربي، وكلها مرتبط بمسألة التغيير. تغيير الرؤية والسياسات وطرق الحكم والنخب الحاكمة، مما جعلها تفسد، ولم تعد قادرة على الشعور بالتحدي. لذا، فإن المشكلات الرئيسية هي المتعلقة بالتحول، وهي مرتبطة بالديمقراطية، واذا لم ننجح في “دمقرطة” الانظمة العربية خسرنا إمكانية التحول السلمي، وربما عدنا الى الثمانينات، ودخلنا في صراعات عنيفة. في رأيي أن أهمية الديمقراطية في العالم العربي انها تفتح الطريق، وتقدم تربة للتغيير السلمي، الذي يتوقف عليه مصير العالم العربي خلال الثلاثين سنة المقبلة.

 

* وأين يكمن الخلاف مع الأوروبيين هنا؟
* لا يزال الأوروبيون يرون ان مشكلة العالم العربي لا تكمن في الديمقراطية، لأنهم يفهمون الديمقراطية على انها الحريات الفردية. وهذه بالنسبة لهم عبارة عن كماليات. لكن نحن نعتقد ان الديمقراطية طريق للتحول السلمي، بدلاً من الاستمرار في المواجهات او السير نحو مواجهات عنيفة. هم لا يلاحظون حتى الآن أهمية الديمقراطية كوسيلة للتغيير السلمي، وليس فقط كإطار لممارسة الحرية الفردية.

 

* الى ماذا تعزو هذا الفهم الأوروبي، هل هو بسبب الانشغال بتوسيع الاتحاد الأوروبي، وبالتالي الابتعاد عن المنطقة العربية؟
* لا أعتقد ذلك. فالعالم العربي يهمهم أيضاً، ولكن ما يجعلهم يغضون النظر عن الديمقراطية، هي الحسابات والمصالح، فهم لا يزالون يعتقدون ان المجتمعات العربية وشعوبها غير جاهزة لتحولات ديمقراطية، وأن اي تحول يمكن ان يفتح الطريق أمام قوى تهدد المصالح الغربية، واحتمالات هم غير قادرين للسيطرة عليها. لذا فهم يرون ان الديمقراطية لا يمكن ان تكون حلاً للشعوب العربية، بل ربما تصبح هي المشكلة، لذلك كانت اقتراحاتهم من نمط مساعدة الشعوب العربية لكي تنتقل تدريجياً، على مستويات تقنية وسياسية وثقافية.. إلخ. وهذا يعني انهم يتبنون شعارات بعض الأنظمة العربية التي تقول، نحن لا يمكن ان نقيم الديمقراطية، لأن مجتمعاتنا لها خصائص مختلفة، وان الشعوب العربية غير مهيئة بعد! وسمعت أحدهم يقول الحياة ليس لها نفس القيمة عند العربي وعند الغربي. وبالتالي فالضروري للعرب اليوم هو القليل من الأكل، وهذا يمكن ان يساعدونا عليه من خلال اتفاقات الشراكة، أو “عملية برشلونة”... إلخ.


* طالما اننا نتحدث عن المصالح، فلماذا صرفوا على أوروبا الشرقية ما يتجاوز 40 مليار "يورو"، في حين يبخلون على المنطقة العربية بخمسة مليارات حسب “عملية برشلونة"؟
* هذا ما دفعني للقول في مداخلتي انهم لا يزالون يرون في العالم العربي ميداناً للصيد. يصيدون فيه النفط، وعقود السلاح ويحمون “اسرائيل”، ويأمنون مصالحهم.. إلخ، لكنهم لا يرون ان هناك مجتمعات لها حياة وثقافة، وتريد ان تعيش بمعايير قانونية، وأن تؤمن مستقبل اجيالها. بالنسبة لهم هذه منطقة تنازع مصالح مع الأمريكان، وهم بالتالي غير معنيين بمن يحكم فيها في نهاية الأمر. المهم هو الحفاظ على المصالح والنفوذ. و”عملية برشلونة” ليست أكثر من دعم الحد الأدنى لتأمين مصالحهم وأسواقهم. وبالرغم من إدراكهم ان الأمريكيين بدأوا ينازعونهم مناطق نفوذهم التقليدي، فهم لم يغيروا من طرق تعاملهم مع المنطقة. لذلك هم يعملون للحفاظ على الأوضاع الموجودة، مع ادخال بعض الاصلاحات الطفيفة.


* بين المشاريع الأمريكية والمشروع الأوروبي، الى أين تسير المنطقة في نظرك؟
* في الحقيقة يوجد مشروع أمريكي واحد وليس عدة مشاريع، وجوهر هذا المشروع هو الضغط على البلدان العربية، لانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية أكبر، ولذلك يستخدمون مشروع الاصلاح من أجل تقوية النفوذ واعادة تنظيم المنطقة. أما بالنسبة للطرف الأوروبي، فهو من دون مشروع، لذا اضطروا للوقوف وراء المبادرات الأمريكية، وما حصل في اجتماع “اللجنة الرباعية” الأخير دليل على انهم من دون اي مبادرة، أو سياسة خاصة تجاه العالم العربي، متميزة عن الأمريكيين، حتى لو كان هناك صراع على النفوذ.