بمواقفها من القوى الإسلامية، أكدت قوى الثورة أنها لا تعادي أحداً بسبب فكره، وهذه نصيحتي لجبهة النصرة!

2016-07-04 :: سوريتنا

في الجزء الأول من الحوار مع الدكتور برهان غليون، المفكر والفيلسوف المحاضر في جامعة السوربون الفرنسية، ورئيس أول مؤسسة سياسية ثورية، هي المجلس الوطني السوري، ورغم تأكيدنا أن الهدف من الحوار هو مناقشة المستقبل، إلا أن هذا الجزء كان بمجمله عن الماضي.. عن تجربة غليون كشخص ومثقف، وكمسؤول أيضاً في المعارضة، وهذا أمر ليس فيه مفارقة، وإلا فإن القفز على الماضي وفق مقولة “عفا الله عما سلف”، وعدم مواجهة الأخطاء والكشف عن مواطن الخلل، لا يؤدي إلى شيء.
لكن ومنذ البداية كان التوجه واضحاً، فنحن لا ننبش في الماضي بهدف التجريم أو الإسقاط أو التشهير، بل نطلق العنان لأسئلتنا دون تحفظات، على أمل إيجاد أجوبة غير متحفظة أو مترددة، تخشى المزاودين وتخاف التخوين، ومن أجل إيجاد أجوبة تساعد على فتح آفاق جديدة تُخرجنا من حالة العطالة الفكرية، كما يسميها د. برهان، وعلى إنتاج حلول تدفع بالثورة خارج الخيارات الضيقة التي أراد الجميع حشرها فيها، بانتظار استنزاف السوريين وإخضاعهم في النهاية لقرار خارج عن إرادتهم، كما يقول.
في الجزء الثاني والأخير من هذا الحوار، يطرح برهان غليون ثلاث قضايا رئيسية هي جزء من “مسار الثورة ومآلاتها” أو شديدة الارتباط بـهذا المسار، وأولى هذه القضايا، هي العلاقة بين الثورة والقوى الإسلامية بتمايزاتها المختلفة، وفي مقدِّمة هذه القوى جبهة النصرة، التي يقدم لعناصرها نصيحة، لا يعتقد أن قيادتها مستعدة للقبول بها كما يقول، ومن هذه النقطة نتابع حوارنا معه.

 

من هم متطرفو الثورة؟ ولماذا هاجموه بعد تجربة بابا عمرو؟ وما هي الجهات التي عطلت مشاريع تشكيل جيش موحد للثورة؟!

د. برهان غليون: بمواقفها من القوى الإسلامية، أكدت قوى الثورة أنها لا تعادي أحداً بسبب فكره، وهذه نصيحتي لجبهة النصرة!

 

حاوره عقيل حسين

 

* إذاً وعلى أساس هذه الفوضى التي لم يستطع أحد ضبطها، كان من الطبيعي أن تستفيد الحركات الإسلامية والجهادية مما قدمته وأن تسيطر على المشهد.. إذاً لماذا يلومها الجميع ويتهمها بسرقة الثورة وما إلى ذلك؟

*دعنا نميز بين جهتين من الفصائل الإسلامية بما فيها الجهادية، الأولى: جهة مؤمنة بمشروع الدولة السورية الموحدة لجميع أبنائها، وأن الإسلام هو الذي يشكل منظومة القيم الملهمة لهذه الدولة، وهؤلاء ليس لدينا أي مشكلة معهم.

المشكلة مع القسم الآخر من هذه الجماعات، وهي أن 90 % من السوريين معهم، وهؤلاء مشروعهم لا يعترف بسوريا كوطن ودولة مستقلة ولا بوحدة أراضيها.

داعش مثلاً، يقوم مشروعها على اقتطاع جزء من أرض سوريا الدولة والوطن لإقامة “خلافة” مزعومة تحت سيطرة مجموعةٍ لا أحد يعرف عنها شيئاً، والأمر ذاته ينطبق على جبهة النصرة التي تسعى إلى إقامة إمارة على المنوال نفسه.

 

* لكنَّ منتقدي مرحلتكم في المجلس الوطني يأخذون عليه أنه جامل هذه القوى لوقت طويل، فما تقول؟

* في العهد الأول للمجلس الوطني لم تكن النصرة قد ظهرت بعد كقوة، ولم تكن أعلنت عن هويتها القاعدية، وفيما بعد لم تعادِ المعارضة الجبهة، ليس لأن المعارضة كانت متفقة مع عقيدة النصرة أو ما زالوا جاهلين بحقيقة مشروعها، بل كان هناك نوع من الأمل بالنصرة، بما أن معظم قادتها وعناصرها من السوريين، وعاشوا القهر والذل من قبل هذا النظام مثل جميع السوريين، بأن يدفعهم الموقف الإيجابي إلى إعلان انفصالهم عن القاعدة وانضمامهم لمشروع سورية الوطني، لكن للأسف فشلت النصرة في الاستجابة لهذا الرهان.

 

* وهل هذا هو السبب الوحيد في أنكم كقوى معارضة لم تستطيعوا إيجاد قواسم مشتركة مع النصرة وغيرها من الفصائل الإسلامية القريبة منها.. من المسؤول هنا؟ أنتم أم هم؟

* من جهتي أنا لم أتخذ موقفاً سلبياً من أحد بسبب انتماءاته السياسية أو الفكرية، وكانت سياستي تقوم دائماً على السعي إلى تجنب الوقوع في تقسيمات أو تصنيفات مسبقة تدين هؤلاء أو أولئك إدانة أبدية، بل كان المهم عندي: أين يصب الجهد؟ وإلى أي غاية؟

ثم إن البشر والمنظمات ليست مدانة بالجمود والتكرار، ويمكن المراهنة على تطوراتها الإيجابية، ومن الضروري أن نفتح لها باب التطور والتحول حتى لو لم تكن الفرص كبيرة، ولو نجحت فكرة انفصال النصرة عن القاعدة، لكانت هناك مكاسب كبيرة، سواء في تعزيز قوى الثورة، أو في إنقاذ حياة مئات وربما آلاف الشباب الذين انضموا للنصرة وغيرها باسم الجهاد ورفع الظلم من دون أن يعرفوا تناقض مشروع القاعدة مع مشروع سورية الوطنية والديمقراطية.

لذلك جواباً على سؤالك، أقول: إن المشكلة ليست في الأشخاص ولا في اعتقاداتهم، وإنما في الصراع بين مشروعين مختلفين تماماً، مشروع الانتقال من الطغيان الأسدي إلى دولة حديثة مدنية ديمقراطية تحقق للجميع حقوقهم في الكرامة والعدالة والمساواة والمواطنة، وغايتها سعادة البشر والارتقاء بشروط حياتهم الأخلاقية والسياسية والمادية، وتمكينهم من قيادة أنفسهم والمشاركة في تقرير مصيرهم، بالسياسة، وحكم القانون، وتداول السلطة ومراقبتها ومحاسبة القادة، كما هي الحال في المجتمعات المتحضرة جميعها اليوم، ومشروع إقامة إمارة إسلامية تفرض على الناس تفسيراً خاصاً للدين، وتفرض عليهم الطاعة والانصياع، وتعلن وصايتها عليهم مقابل إيصالهم إلى الجنة، وفي النهاية استبدال طغيان الأسد بطغيان آخر.


 

* هل تعنيً أن النصرة ومن في خندقها أضاعوا فرصة تاريخية وفرتها لهم الثورة السورية ليكونوا جزءاً من الشعب والدولة؟

* بالتأكيد، لأن قيادتهم افتقرت للحنكة والمرونة، وأظهرت تشبثاً أعمى بالإيديولوجية على حساب المعايير الوطنية السورية، وأكدت تمسكها بمرجعية القاعدة التي تعني شيئاً واحداً، هو التمسك بمشروع الإمارة الشخصية والتعسفية، ورفض مشروع الدولة؛ أي: الديمقراطية والعدالة والحرية وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية، وبالتالي الاستمرار في طريق سياسي مسدود.

وكان بإمكانهم، ولا يزال، لو قرَّروا الانفصال عن القاعدة، والانضمام إلى مشروع الدولة الوطنية أن يحتفظوا بأفكارهم ونظرياتهم، ويعملوا كحزب أو منظمة سياسية، ويدعون لمشروعهم الإسلامي بالطرق السلمية، ويكونوا أحد تيارات الفكر والسياسة الجديدة في دولة متعدِّدة المذاهب الفكرية والدينية، لكن يحتاج التخلي عن بعض المعتقدات التي ضحى من أجلها الإنسان بالكثير من الوقت، حتى لو شكك فيها، وعرف خطأها، كما يحتاج إلى شجاعة أدبية وثقة كبيرة بالذات وبالمستقبل، ليست متوفرة دائماً.

 

* هل هذه نصيحة للنصرة؟

* لا أعتقد أنهم مستعدون لقبول هذه النصيحة، بل يمكن أن تعتبرها نصيحة للأفراد داخل التنظيم الذي لا يرى كثير منهم مصلحة لهم في تقسيم وطنهم وتوزيعه بين أمراء دين أو حرب، خاصة أنهم يعلمون أن بإمكانهم، ومن حقهم العيش في بلدهم، والاحتفاظ بأفكارهم والدعوة لها، لكن تحت سقف القانون ومن دون استخدام العنف.

 

* خلال أسابيع الهدنة الأولى، ورغم أنها لم تكن مستقرة تماماً، إلا أن هذه الفترة شهدت عودة لافتة للمظاهرات والحراك الثوري الشعبي الذي اتفق الجميع على أنه أحيا روح الثورة الأولى.. ما الذي يمكن قراءته من هذا الأمر؟

* لا أعتقد أن النظام أو أياً من أعداء الثورة سيسمحون بعودة الحراك الثوري الشعبي وظهور صوت الناس وبروز الحضور الجماهيري العام في الثورة.

بعد ما حصل بحي بابا عمرو في مدينة حمص، كنا أمام أول تجربة عملية على ما يمكن أن يفعله النظام مع ثورات المدن والأحياء.

هناك تجارب لثوار ومتمردين تمركزوا بين المدنيين ليحموا أنفسهم من الأنظمة في مختلف أنحاء العالم، لكن تلك الأنظمة كان لديها رادع من أن تهاجمهم في هذه المناطق، إلا أن ما فعله النظام في بابا عمرو، أؤكد أنه ليس لديه أي رادع عن القيام بأي فعل مهما كان، خاصة وهو يرى عجز وتجاهل المجتمع الدولي.

لذلك كتبت وقتها أنه يجب الاستفادة من تجربة بابا عمرو، وأن يخرج الثوار من المدن ويتمركزوا في مناطق متباعدة، ويوجهوا للنظام الضربات من هناك حتى يفوتوا عليه فرصة تدمير مدنهم وقتل أهلهم، وبنفس الوقت أن يتيحوا استمرار المظاهرات في التجمعات المدنية، الأمر الذي كان سيوفر أيضاً في عدد الضحايا من المدنيين، لكن للأسف هذا لم يحصل، وقد تعرَّضت لهجوم عنيف بسبب هذا الرأي من قبل العسكرتارية ومتطرفي الثورة.

 

* “متطرفو الثورة” هذه كلمة جريئة لم يسبق لأحد أن ذكرها.. هذا يحيل ربما إلى تجربة الثورة الفرنسية مع ما عرف بمتطرفي الثورة،.. هل نحن أمام الحالة نفسها وهي التي أضرت بنا؟ وكيف يمكن معالجة ذلك؟

* يجب أن يظهر لدينا تيار يقود الثورة ويستعيدها من التيار الذي دفع بنا جميعاً إلى أنفاق لم نستطع حتى الآن الخروج منها، وكلَّفتنا الكثير، لكن المشكلة أنه ليس لدينا حوار جدي يناقش ما هي الاستراتيجية التي يجب أن نتبعها اليوم في إطار يجمع كل التيارات، المتطرِّفة والمعتدلة والجميع.

حتى الآن هذا الاطار غير متحقق، لا في الائتلاف ولا في المجلس الوطني السابق الذي كان نقاش مكوناته يدور بشكل رئيسي حول المحاصصات والمواقع والتمثيل، وإلى اليوم ليس لدينا هذا الإطار الملائم للتفكير الاستراتيجي، وللأسف نجد أنفسنا معطَّلين عن الفعل.

لماذا؟ لأن القسم المتطرف الذي راهن على التدخل الدولي وأوهم الناس به، انتقل اليوم للمراهنة فقط على الحلفاء، وأنهم لن يتركونا ولن يتخلوا عنا، وهؤلاء دمروا فكرة الاعتماد على النفس، التي تستدعي بناء الذات وتوحيد القوى، وتنظيمها وترشيدها، وبناء استراتيجية وطنية مستقلة فعلاً.

تستطيع أن تضغط على الحلفاء أنفسهم، وتقول لهم هذا ما يناسبنا وهذا ما لا يناسبنا، وليس فقط تستجيب لهم. ما افتقدناه هو إطار سياسي يبلور المصالح الوطنية ويقود قوى الثورة ويحمل مسؤولية توعية الرأي العام حول المشاركة في تقرير مصير البلد.


 

* هل نترك الناس معطلين؟ أليس هناك ما يمكن فعله؟!

* نعم بالتأكيد.. في اعتقادي أنه لم يعد هناك فائدة من انتظار الحلول من التشكيلات السياسية القائمة، وعلى السوريين أن ينتزعوا المبادرة أينما كانوا، وأن يطوروا نشاطاتهم على مستوى الحي والقرية والبلدة والمدينة، وفي كل الميادين الثقافية والسياسية والاقتصادية، وهذا يعني إحداث انقلاب في الممارسة الاجتماعية السورية، أي الانتقال من نظام اجتماعي يعمل من خلال الإملاء من فوق، ويرهن حياة الأفراد والجماعات بقرار السلطة المركزية، إلى نظام جديد تتكوَّن القناعات وتصاغ القرارات وتطلق المبادرات من تحت، من القاعدة، وهذا نمط تنظيمي مختلف كلياً عما شهدناه في الماضي وما نعيش انهياره الشامل اليوم.

 

* لكن هذا موجود بشكل أو بآخر، وكل ما طرحته يمكن أن يوصف بأنه تقليدي الناس تبحث عن حل آخر أكثر جذرية، هل هذا متاح؟ أم أن ما تقوله هو أفضل الممكن؟

* لا، هذا تجسيد لبداية جديدة أحيت فيها الثورة روح المبادرة عند البعض، وهذا ما ينبغي تعميمه، ثم الانطلاق منه نحو بناء المستقبل الذي يجب ألا يكون بعيداً، ومن المفروض أن تقود هذه المبادرات على مستوى القاعدة إلى تكوين إطار سياسي جديد وإلى إعادة صياغة القوى الاجتماعية والسياسية الفاعلة، وكل ذلك يجب أن يكون مبنياً على النقاش حول واقعنا، ويطرح كل مشاكنا وأسئلتنا دون تحفظ أو تردُّد، الأمر الذي يمكن أن يساهم ببلورة رأي عام جديد يفتح لنا آفاقاً، وإلا فسنستمرُّ بين مفاوضات ميتة لا أفق لها، وحرب عقيمة لكن لا بد منها، وهي عقيمة لأنه فُرض عليها ألا تفضي إلى أي حسم، بانتظار أن نُستنزف كلياً ونستسلم جميعاً لقرار دولي أكثر منه سوري.

 

* إفشال المثقف!

* في سياق تأكيده على أن المجلس الوطني تعرض لهجوم إعلامي غير مبرر، حتى من قوًى كانت داخل المجلس، وكل ذلك لأن مفكراً تصدى لمهام سياسية، ووصل لرئاسته، يستذكر د. غليون العديد من المواقف والتفاصيل، لكن أهمها، كان اللقاء الذي أجراه معه الإعلامي في قناة الجزيرة أحمد منصور، وذلك في برنامجه “بلا حدود”.

يقول د. برهان: إن أحمد منصور تعامل معه طيلة فترة اللقاء بشراسة وهجوم حادٍّ كان واضحاً منه أنه يريد إظهاره شخصياً غير كفء، وإظهار المجلس الوطني بقيادته كمؤسسة فاشلة قبل أن يبدأ المجلس عمله بيوم واحد، وبالمقابل، عندما استضاف منصور زعيمَ جبهة النصرة أبو محمد الجولاني في برنامجه، تعامل معه بمنتهى الود ولم يطرح عليه سؤالاً حقيقياً واحداً كما قال.

 

* عن الثورة والقاعدة

* أيضاً فإن د. برهان يضيف معلقاً على قضية تعاطي قوى الثورة، بما فيها الحراك المدني والجيش الحر والمعارضة التقليدية ومؤسساتها بإيجابية مع الجماعات الجهادية التي تتهم قوى الثورة رغم ذلك: إن الثوار لم يكونوا يحملون أي موقف عداء مسبق لهذه الجماعات بسبب ما تؤمن به من أفكار، وخاصة بجبهة النصرة، حيث كان الأمل أن تؤدي مشاركتها في المقاومة الشعبية ضد النظام الجائر إلى اقترابها من نبض الشعب، وابتعاد قادتها وعناصرها عن تنظيم القاعدة، والقبول بالتحول في المستقبل بعد التحرير إلى حزب سياسي مثله مثل أي حزب آخر، فكل البلاد، حتى المتقدمة منها، فيها أحزاب متشدِّدة دينية وقومية، لكن بشرط أن يقبلوا بمشروع الدولة الجمهورية الوطنية، وكان هناك رهان على احتمال تحولهم عن نظريات القاعدة الدولية حتى من الدول التي ساهمت في تمويلهم، لكن للأسف هذا ما لم يحدث ولا يبدو أنه سيحدث.

 

* متطرفو الثورة وتعطيل الشعب

* وفي إطار حديثه عن أسباب تقويض الحراك الشعبي العام الذي تسبب به هجوم النظام المدمر على المدن المنتفضة، يقول غليون: للأسف كان هناك تيار متطرف فقد الأمل بالثورة وقوة الشعب، وراهن بشكل رئيسي على السلاح والتدخل الأجنبي، وتجاهل الرأي العام السوري والعالمي معاً، وما يحتاج كسبه من عمل فكري وإعلامي وسياسي شعبي.

ما استنتجه – يضيف – أن السياسة العسكرتارية هذه التي ظهرت في صفوف الثورة، وقللت من قيمة العمل الفكري والسياسي الشعبيين، ونجحت في فرض خيارها برفع الصوت والمزاودة والتخوين، كان لها، إلى جانب النظام، دور لا يمكن تجاهله في تعطيل الحراك الشعبي العام، ووقف المظاهرات، وتحييد فاعلية الشعب في الثورة، بعد تفريغ مناطق حاضنة الثوار بسبب التدمير والقتل والتهجير الذي مارسه النظام في هذه المناطق.

 

* خمس سنوات بدون قيادة!!

* أهم نقطة ضعف تواجه حركة شعبنا الذي ضحى بالملايين منذ أكثر من خمس سنوات حسب رأي د. برهان غليون، أنه ليس لدينا قيادة سياسية حقيقية تكاشف الشعب وتقود نضاله وفق خطة ورؤية محددة. قيادة تعبأ الشعب خلف هذه الرؤية، لأنه إذا كان هناك صراع، فهذا الصراع لا يخوضه رئيس هيئة أو جماعة، بل الشعب كله مساهم فيه، وبالتالي يجب أن يعرف الشعب كيف يخوض معركته ووفق أية استراتيجية.

اليوم، السوريون الذين مع الثورة معطلون ومكبلون ولا يعرفون ماذا يجب عليهم أن يفعلوا، حتى المثقفون لا يعرفون ماذا سيفعلون اليوم! بمعنى آخر لدينا طاقات كبيرة من النخب ومن الشعب، وكلهم مستعدون للمساهمة والتضحية، لكنهم يفتقدون للقيادة التي تجمعهم وتقودهم وتسير بهم، وهذا الواقع سببه المعارضة التقليدية والقوى الدولية.

 

* إفشال الجيش الوطني الحر

* يؤكد د. برهان غليون على ما أصبح حقيقة بالنسبة للجميع، وهو أن مختلف الأطراف حالت، بتخطيط وعن عمد أو بضيق أفق وقصر نظر، دون مأسسة العمل العسكري في الثورة والانتقال به إلى جيش واحد منظم.

ويستذكر بهذا الصدد أن أولى المحاولات على هذا الصعيد كانت مع توجه المجلس الوطني في بداية عمله نحو إنشاء مكتب ارتباط ينسق العمل بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية، وكانت المحاولة الثانية هي تشكيل الجيش الوطني الحر، بتوحيد الفصائل وإدماج الضباط المنشقين في جسم المقاتلين المدنيين للاستفادة من خبراتهم التنظيمية والعسكرية، حيث دعا المجلس لاجتماع في الريحانية أواخر عام 2012 لتحقيق ذلك، لكن تدخل الدول الداعمة أفشل الاجتماع وأجهض المحاولة، وقد تكرَّر هذا الفشل مع كلِّ المحاولات اللاحقة التي سعت لنفس الغاية نتيجة الأسباب ذاتها التي أفشلت المحاولة الأولى والثانية.

 

* القادة والدول والمعارضة

* لكن قادة الفصائل ومؤسسيها لم يكن أكثرهم يفضل فكرة وجود الضباط المنشقين في ذلك الوقت أيضاً، وكانوا يخشون أن يؤدِّي إلى تقليص نفوذهم كما يقول د. برهان، وهذا ما تسبب في زيادة عرقلة المهمة.

إلا أن ذلك لم يكن وحده سبب الفشل، بل إن السبب الرئيسَ والأول، حسب غليون، هو تدخلات الدول والداعمين المختلفين في التوجهات والمتصارعين على النفوذ، الأمر الذي عطل كلَّ مشاريع توحيد العمل العسكري الثوري في مؤسسة واحدة، حيث هدَّدت هذه الدول والجهات قادة الفصائل وضغطت عليهم من أجل عدم المشاركة في هذه المشاريع، إلى جانب دور قوى المعارضة السياسية التي لم تكن تريد مثل هذا الإنجاز، لأن كلاً منها تقريباً كان قد أسس فصيلاً، ولم يكن مستعدّاً أن يتخلى عنه لصالح مؤسسة عسكرية وطنية موحدة.

 

* تحرير الثورة

* يقول الدكتور غليون: للأسف 80 % من الدم الذي يجري في سوريا اليوم ليس له علاقة بالقضية السورية، بل هو نتيجة الصراعات الإقليمية والدولية التي تستغل قضية السوريين وحقوقهم وطموحاتهم.

ويتابع: السؤال الآن هو كيف نحرِّر قضيتنا من القضايا الأخرى التي أكلتنا، وهذه مسألة كبيرة جداً، وأنا مستعد لفعل كل ما يطلب مني دون تردُّد للمساهمة في إنتاج هذا الحل.

كما أرى أن الأولوية ينبغي أن تعطى لنزع فتيل الألغام التي وضعت في قلب الثورة والشعب، والتي رُوِّج لها وتمَّ العمل عليها من قبل أجهزة النظام وحلفائه من أجل تشويه صورة الثورة، وتمزيق جسدها، وضرب وحدة جمهورها وشعاراتها، وكان في مقدمة النتائج، الانقسام الذي زُرع بين إسلاميين يتمُّ تصويرهم على أنهم طائفيون وإرهابيون، وعلمانيون يتم الترويج عنهم أنهم ملحدون ومرتدون، كما وهناك أيضاً نفق الطائفية، ونفق الجهوية والتفريق بين المدن والأرياف والمناطق، وهذا جزء من عملنا الضروري لتحرير الثورة نفسها من الشوائب التي علقت بها والمطبات التي وضعت في طريقها وغيَّرت صورتها وهدَّدت رهاناتها.

 

* برهان غليون وباب الدريب

* من المعروف أن برهان غليون هو من مواليد حي باب الدريب الشعبي في مدينة حمص، والذي اشتهر منذ بداية الثورة بمشاركة سكانه القوية في الحراك ضدَّ النظام ودفع ثمن ذلك دماراً شبه كلي، والكثير من الضحايا مثله من معظم المناطق الثائرة، ولذلك سألته عما شعر به حين شاهد أبناء هذا الحي يثورون، فأجاب بفخر ممزوج بألم كان يظهر على معالم وجهه بوضوح: حي باب الدريب يعني أهلي، وحي آل غليون والعائلات الأخرى التي شارك أبناؤها في الثورة مثل جميع أبناء حمص التي كانت تغلي، وقد فقدت من عائلتي أكثر من ثلاثين شهيداً!

حي باب الدريب يعتبر من الأحياء المعارضة للنظام تاريخياً، وبالتالي لم أتفاجأ عندما كان من أوائل الأحياء التي انتفضت ضد النظام، لكن مع ذلك فإنني لا أرى أي تمييز أو فرق بين حي وآخر ومدينة وأخرى من المناطق التي ثارت وقدمت التضحيات من أجل الحرية والكرامة والحقوق.