الشرق الأوسط: بعد فوضى المرحلة الانتقالية ستتبلور حياة سياسية اكثر انسجاما

2016-03-15 :: الشرق الأوسط

* د. برهان غليون هل ترى ان سوريا ستخرج من هذا الخراب سريعا (اذا نجحت المفاوضات)؟ وكونك مفكرا اجتماعيا.. هل ترى ان المصالحة الوطنية ممكنة بعد خمس سنوات من الفظائع؟

* سيخرج السوريون من الحرب متخمين وقرفانين من العنف وسفك الدماء والعنف، وهم منذ الآن كما بينت الهدنة، متشوقين للسلام والهدوء للتعبير المدني عن أفكارهم وآرائهم بوسائل سلمية. وأغلبهم سوف ينكبون على تضميد جراحهم ولم شتاتهم وتامين معاشهم أما المجرمون فسوف يهربون من اي طرف كانوا لأنهم يعرفون أن من الممكن الانتقام منهم. لن يكون هناك مصالحة سريعة لكن لن تكون هناك في نظري انتقامات كما يتصور البعض. وهذا يحتاج أولا إلى تطبيق العدالة في حدها الأدنى، ويساق المجرمون والقتلة المعروفون إلى العدالة. وثانيا أن يتنادى العقلاء من المثقفين والسياسيين ورجال الدين والعلماء والفنانين للعب دور ايجابي في أحياء الهوية السورية والتاكيد عليها، ليس في مواجهة الهويات والعصبيات الجزئية، وإنما في موازاتها من أجل العمل على تجاوز أفكار الكراهية والعنصرية . وثالثا أن تعد الدول الصديقة والشقيقة خطة سريعة للإعمار تفتح آمال الشباب وتشغلهم ببناء المستقبل بدل الغرق في اجترار الماضي وكآباته. ورابعا أن ننجح في بلورة استراتيجية مشتركة لاحتواء العناصر والحركات المتطرفة وكبح جماح منظمات الارهابية. وخامسا وهو الأهم أن نخرج من الحرب بدولة سورية ديمقراطية فعلا، يتاح فيها للناس أن تعبر عن رأيها وأن تدافع عن حقوقها وأن تكون هناك عدالة وحكم القانون. من دون ذلك لن تخرج سورية من الحرب والفوضى والدمار.

 

* من موقعك كمفكر واول رئيس لجسم معارض بعد الثورة .. هل ترى امكانية انشاء احزاب متينة في سوريا.. تجمع تحتها قطاعا واسعا من السوريين، ام ان تجربة فشل مؤسسات المعارضة في المنفى سينعكس ايضا على ما بعد الحرب وسنرى تكاثرا فطريا للاحزا؟

* أنا أكثر تفاؤلا منك. تشتت المعارضة وانقسامها وعجزها عن القيام بدورها القيادي ليس مرتبطا بمورثات بيولوجية تخص السوريين. إنه انعكاس لغياب المعارضة الفعلية خلال نصف قرن، بما تعنيه من خبرة سياسية وتنظيمية وتقاليد نضالية ورفاقية وعمل جماعي من اجل قضية عامة وطنية أو اجتماعية. كنت أقول قبل الثورة أن ما حصل في العقود الماضية هو عملية اغتيال سياسي للشعب والمجتمع وقضاء كامل على أي تجربة سياسية. المؤسسات كانت تتحرك بالروموت كنترول الذي هو المخابرات ولا يحق لفرد حتى لو كانت لديه الامكانيات أن يتصرف بمبادرته الذاتية. تعلم السوريون أن يكونوا تبع وإمعات حتى يستمرا في حياتهم الطبيعية ولا يتعرضوا للاعتقال أو التعذيب أو الموت أو الهروب إلى المنافي. وما كان موجود من بقايا احزاب الحقبة ماقبل البعثية، أي منذ أكثر من ستين سنة كانت مجموعات صغيرة من الأفراد التي قضت عمرها إما تحت الأرض أو في السجون والمعتقلات ولم تطور أي تجربة للتواصل مع الجمهور والعمل معه وتأهيله وتربيته سياسيا. هي مجرد هياكل عظمية متصارعة ومتنابذة لأنها تعيش في عالم مغلق تتنازع فضاءا ضيقا جدا جدا.
سنوات الصراع الطويلة خلال الثورة ولدت جيلا جديدا وثقافة جديدة سياسية وتنظيمية وعلاقات انسانية وتواصلا بين الأفراد السوريين واكتشاف السوريين لهويتهم الوطنية أيضا لم تكن موجودة من قبل. وبعد فترة انتقالية سيغلب عليها الفوضى والتشتت الذان نشهدهما في الساحة الآن ويعكسان تشكيلات الماضي وعيوب ثقافته السياسية، سوف تتبلور حياة سياسية أكثر جدية وانسجاما. لكن يتوقف هذا أيضا على طبيعة النظام السياسي الذي سيقوم في البلاد وحجم التدخلات الأجنبية ووتيرة العودة إلى التعافي الاقتصادي والاجتماعي. في نظام يشجع على تجييش العصبيات الطائفية والقومية سوف نعيش حالة دائمة من التفتت والصراع وسيكون من الصعب تكوين أحزاب تستقطب تيارات سياسية وايديولوجية قوية تغطي الفضاء الوطني بأكمله ولا يقتصر نفوذها على المناطق والاحياء والطوائف.

 

* كانت لك مبادرات للقاء قيادات فصائل عسكرية، بنية جذبهم وجعلهم داعمين للحراك السياسي والمساعمة في صياغة مستقبل سوريا. هل انت متفائل بان الاغلبية سترمي السلاح وتندمج في الحراك الوطني المقبل؟

* ليس المطلوب أن ترمي الفصائل السلاح هكذا. معالجة مسألة القوى المسلحة غير النظامية هي أحد الملفات الرئيسية للانتقال السياسي. ولا بد من سن قوانين تتيح للقسم الاكبر من المقاتلين الاندماج في القوات العسكرية النظامية، وتأمين عمل مناسب لمن يرغب في العودة إلى الحياة المدنية. والمقصود طبعا السوريون. أما العناصر غير السورية، مهما كان أصلها، فينبغي ترحيلها بالاتفاق مع بلدانها الأصلية أو تخييرها في اللجوء إلى أي بلدان أخرى تقبل باستقبالها، ومحاكمة من تكون قد ثبتت عليه دعاوى جرمية.
أخطر شيء على مستقبل الحياة السياسية والامنية السورية هو أن يترك المسلحون لأنفسهم أو أن يطلب منهم التخلي عن سلاحهم من دون تأطير قانوني وسياسي يضمن أيضا أن لا تتهدد حياتهم أو أن يحصل انتقام بعضهم من البعض الآخر. من هنا أهمية المواكبة القانونية لكل خطوة من خطوات الانتقال السياسي والخروج من المحرقة الحالية.