في عامها السادس مسارات الثورة السورية ومآلاتها

2017-03-13 :: أخبار الآن

سقف السماء مزرقّ قاتم مثل وجه شاة منخنقة ويميل الى الصفرة بفعل القيح الخزين، بقايا بشر في بقايا دولة يعيشون على بقايا وطن، وطن تحكمه منذ عقود هراوات شياطين "الأمن"، وتفوح منه روائح القهر والصديد، يقدم فيه المؤمنون مع كل نفس ولاءهم للشيطان مقابل فتات حياة.

سوريا مثلما وصفها كانت بحدودها الجغرافية الكاملة معسكر اعتقال لا يختلف كثيرا عن معسكرات اعتقال النازية، وبعقيدة عنصرية مماثلة تعتبر الشعب رهطا من الوحوش والمتعصبين والمجرمين الذين لا يستحقون سوى الدعس والإخضاع وتقبيل أحذية رجال الأمن"

راغب شحادة - أخبار الآن 

 

ما الذي أشعل فتيل الثورة السورية؟

ج: الشعور بالظلم والقهر هو عصب كل ثورةيبقى أن الانتقال من الشعور إلى الفعل يحتاج إلى شروط اهمها اثنان، الأول وجودة فكرة محركة وجامعة تشكل مصدر شرعية والهام معا، والثاني طريقة عمل أو آلية تثير الأمل بان هناك حظوظا قوية للنجاح.

في سورية ليس هناك حاجة لوصف حالة القهر التي يعيشها الفرد والمجتمع، وتعيشها الطوائف والقوميات والحركات السياسية، التي فقدت أي أمل في حياة طبيعية منذ عقود، بسبب تكريس السلطة المطلقة للرئيس الأب والرب معا وتقديسها، وتجريد جميع الناس من حقوقهم بصورة قانوية ورسمية، وسياسة التدجين اليومية من خلال إطلاق يد اجهزة الامن والمخابرات، وبالنتيجة حرمان الناس من شعورهم بأي ذرة من الأمن والسلامة والعدالة والمساواة وحكم القانون، لا يترك أي من معنى من معاني الوطن الذي يحتمون به ويحققون فيه ذواتهم ويطمئنون فيه على حقوقهم. من دون أمن ولا سلام ولا حقوق ولا عدالة ولا مساواة لا يبقى هناك وجود لأي أمل ويتحول الوطن إلى معسكر اعتقال. سورية كانت بحدودها الجغرافية الكاملة معسكر اعتقال لا يختلف كثيرا عن معسكرات اعتقال النازية، وبعقيدة عنصرية مماثلة تعتبر الشعب رهطا من الوحوش والمتعصبين والمجرمين الذين لا يستحقون سوى الدعس والاخضاع وتقبيل أحذية رجال الأمن.

صمت السوريون طويلا على هذا الوضع لأنهم كانوا يشعرون أن جميع الأبواب مغلقة امام تحررهم، وأن العالم كله يقف ضدهم. وقد نجح النظام في إغراق جميع انتفاضاتهم خلال اربعين سنة بالدم. لكن الامر تغير مع رؤيتهم موجة الربيع العربي التي قدمت لهم مثالا عمليا على الانتفاض بأمان، أو بنوع من الأمان، وكان ربيع دمشق في السنوات العشر السابقة قد عرف تجربة للكفاح من أجل الحرية والديمقراطية، وكون جيلا جديدا من الشبان الذين لم يعرفوا هزائم ابائهم امام النظام، واعتبروا الديمقراطية بحد ذاتها مشروعا بديلا للمشاريع القديمة المفلسة، القومية والاشتراكية. هكذا وجدت الفكرة المحفزة والملهمة، ووجدت الألية التي قدمها الربيع العربي من خلال الثورات الشعبية السلمية، لإشعال فتيل الثورة وتفجير برميل بارود القهر المتروس منذ عقود.

في الواقع ما يحتاج إلى تفسير ليس قيام السوريين بثورتهم ولكن العكس تأخرهم سنوات. وهو ما يفسره جنون العنف والبطش الذي مارسه النظام لعقود طويلة، والذي سيسفر عن وجهه، بشكل لم يسبق له مثيل، في الحرب البربرية التي أعلنها على الشعب حالما نزل الى الشوارع وحاول، كالتونسيين والمصريين، احتلال بعض الساحات والميادين العامة.

هنالك تباين واضح ومتطرف بين ألوان الطيف المعارض، ما السبيل الى إعادة توحيد الصف بما يخدم مشروع التحرر السوري

ج: ما يوحد السوريين جميعا، بما فيهم جزء كبير ممن يسمون اليوم بالموالين نتيجة قهر النظام، هو الخروج من معسكر الاعتقال الشامل وتهديم أسواره. في ما عدا ذلك لم يترك النظام ثغرة للتفريق بين ابناء الشعب، طائفيا ومذهبيا وجهويا ودينيا وجغرافيا إلا وعمل على توسيعها خلال عقود طويلة من أجل بث النزاع والقطيعة بين الناس والجماعات، وقتل الثقة المتبادلة، والانفراد بكل فئة على حدة. فالمعارضة لم تأت من سماء أخرى غير سماء الثقافة والممارسة وطرق التعامل التي ارساها النظام في البلاد، وهي قائمة على تحريض الافراد والجماعات على بعضها، وزرع الفتنة بينها، وإجبار الأخ على خيانة أخيه، بل خيانة الفرد لنفسه، لينجو من الانتقام والترويع المخصص لكل من لا يقع تحت حمايات المخابرات. كان من الصعب أن يتحرر المعارضون الذين قضوا معظم حياتهم في القبور، تحت الأرض، أو في الزنزانات لسنوات وسنوات، من عصاب الخوف من الآخر والشك فيه، وأن يطوروا بسرعة لغة جديدة للتعامل والتعاون، وثقافة حقيقية للحوار، ويتقنوا منطق التداول وحسم الخلافات بالطرق السياسية، وهم لم يعرفوا السياسة مطلقا. فما يسود هو منطق الحرب والحسم، انا المصيب وأنت الخاطيء، ولا مجال لأي حوار أو تغيير في المواقف أو تسويات. هذا هو أيضا جوهر سياسة النظام قبل الثورة وخلالها. اما قاتلا أو مقتولا. وهذا إعدام كلي للسياسة والحلول السياسية. .

أين هو مفهوم الدولة الديمقراطية؟ "في ظل هيمنة قوى التطرف مثل "داعش والنصرة" على جانب من المشهد السوري"

ڈ

ما هو شكل الحل المرتقب بعد سلسلة "جينيف" واجتماعات "أستانة" ؟

ج: سلسلة مفاوضات استانا وجنيف لا تقود إلى حل لقضية السوريين الأولى والوحيدة وهي الديكتاتورية الدموية والحكم من خلال تعميم المجازر وإسالة الدماء وقتل المعارضين والمختلفين تحت التعذيب في سجون أطلقت عليه منظمة العفو الدولية اسم المسالخ البشرية. إنها تسعى بالعكس إلى الابقاء عليها لاستخدامها لحسابها الخاص، وتبرير تقطيع سورية إلى مناطق نفوذ للدول المفترسة التي استغلت مأساة الشعب السوري، وتريد اغتصاب حقوقه وفي مقدمها سيادته على أرضه، وإعادة تشكيل البلاد والنظام بما يحرمه من أن يستعيد حريته واستقلاله وعافيته. هي تريد أن تخلق من سورية الرجل المريض الذي يبرر لها البقاء على الارض السورية وانتزاع ملكيتها الحقيقية منه، وتحويلها إلى قواعد برية وجوية وبحرية تستخدمها في سياسة السيطرة وتعزيز المواقع وفي مواجهاتها الجيوسياسية والعسكرية.

ما هي نقاط قوة المعارضة "السياسية والعسكرية" ونقاط ضعفها؟

ج: ليس لدى المعارضة في وضعها الراهن أي نقاط قوة. إنها بقرة خائرة تقودها الدول التي تدعي انقاذها إلى الذبح. ولن تستطيع أن تخرج من محنتها هذه إلا بعودتها إلى الشعب، ولفظها لهوسها الايديولوجي من اي نوع كان، والتفكير في تنظيمه وتعبئته ليتمكن من حمل قضيته واسترجاع حقوقه وتحرير بلاده. وهذا يستدعي ثورة فكرية كاملة على المسلمات والترهات والأوهام التي رعاها وغذاها نظام الاستبداد خلال العقود السابقة والتي حبست السوري، الفرد الانسان، العاقل والفاعل، في سجن العصبيات الايديولوجية والسياسية، وفرضت عليه التماهي مع روح قطيع هو نفسه من دون روح. تجد اليوم في سورية قطعان من كل الاصناف، يساري ويميني وقومي وضد القومية واسلامي وعلماني وعسكريتاري وسلموي، يتنازعون على لا شيء، لكن ما لا تعثر عليه في اي مكان هو السوري. ومن الطبيعي أن تغيب سورية بغيابه. لقد قتلت روح القطيع حرية الفرد واستقلاله وأصالته وكرامته واحترامه لنفسه وعقله وبالتالي قدرته على المبادرة والفعل. وعندما ننقلب على روح القطيع ويكتشف كل سوري الانسان الحر، المستقل والقادر على التفكير من رأسه، لا تبقى هناك حاجة لمعارضة، لأن جميع السوريين يتحولون إلى أحرار.

أين هي الثورة السورية مع دخول عامها السابع؟

ج: غرسة سحرية عميقة في قلوب وأجساد جميع السوريين الذين عاشوا القتل والعنف المنظم والذل والهوان، بينما كان طغاتهم يستهزئون بهم وينكرون إنسانيتهم، والعالم يتفرج عليهم منتظرا اللحظة التي يستطيع فيها أن ينتزع شيئا من الفريسة التي ترفض موتها وتقاوم، كما لم يقاوم أي شعب، قاتليه والساعين لموته والشامتين به من أهله وجنسه، من قبل. وستظل مدفونة في القلب في انتظار أول قطرة مطر وشعاع شمس.

كلمة أخيرة لك في هذه المناسبة

.ج : الكلمة الأخيرة لم تكتب بعد، بانتظار أن يلفظ نظام القتل والدم أنفاسه الأخيرة

راغب شحادة- أخبار الآن

https://www.akhbaralaan.net/news/special-reports/2017/3/14/%D8%AE%D8%A7%D8%B5-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%806-%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%A2%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%BA%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86