غير الواقعي هو بقاء الأسد لا رحيله

2017-11-25 :: العربي الجديد

عدنان علي- العربي الجديد
  
يعتبر الأكاديمي والسياسي السوري المعارض، برهان غليون، أن "هناك مساعي روسية قوية للتوصل إلى تسوية تكرس موقع موسكو الأول في تحديد مصير سورية، وتعطيها المبادرة في كل ما يتعلق بترتيب الأوضاع السورية لحقبة ما بعد الحرب"، مؤكداً أن "الإبقاء على شخص كبشار الأسد رئيساً لسورية أمر غير واقعي وضرب من العبث والحماقة السياسية". وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال غليون، وهو أول رئيس للمجلس الوطني السوري المعارض، إن "روسيا ربما تعتقد أن الشروط أصبحت مناسبة، بعد الضربات التي وجهتها للمعارضة السورية المسلحة، ورعايتها اتفاقات خفض التصعيد، والتفاهمات التي أقامتها مع أصدقاء المعارضة في أنقرة والرياض، كي تحقق أهدافها في تسوية تضمن الحفاظ على النظام، وربما الإبقاء على الأسد في الحكم، وإقناع المعارضة بالدخول في صفقة لا خيار لها غيرها: المشاركة في السلطة مع النظام أو الخروج بخفي حنين".

ورأى غليون أن "نتائج مؤتمر الرياض 2 والأجواء المعادية التي استبقت انعقاده والتي جعلت منصة موسكو تنسحب من المشاركة كي لا يظهر وزنها الحقيقي فيه، على الرغم من كل ما رافق تحضير المؤتمر من ضغوط، كي يتمثل ما يسمى بالمعتدلين بشكل أكبر، ويستبعد ما يسمون بالمتشددين، أظهرت أن مشاريع موسكو لتصفية قضية الثورة، وتحويل الأمر إلى صراع على مناصب وزارية، ليست قابلة للتحقيق، وأن هناك مقاومة عميقة لها ولفكرة الإبقاء على الأسد في الحكم حتى لمرحلة انتقالية أو مؤقتة".

وحول مدى واقعية طلب المعارضة رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية على ضوء المستجدات السياسية في موازين القوة على الأرض، رأى غليون أن "كلمة واقعي لا معنى لها هنا، لأن أكثر ما هو غير واقعي هو التمسك بالأسد، لأن طهران تريده للحفاظ على مصالحها غير المشروعة وغير المعقولة معاً، وموسكو لا تريد أن تضغط على حليف كبير لها على الأرض. والإبقاء على شخص كالأسد رئيساً لبلد دُمّرت كل بنيته التحتية، وقُتل مليون من شبابه وشُرّد نصف سكانه في كل بقاع الأرض، ليس أمراً غير واقعي فحسب، بل هو من باب العبث والجنون والحماقة السياسية الاستثنائية".

وأكد غليون أن "الواقعية هي أن تبحث الدول التي تريد الحفاظ على مصالح لها في سورية عن شخص متوازن وحكيم من بين السوريين، قادر على تطمين الجميع، وعلى توحيد الشعب، الذي قسّمه الأسد عنوة وبخطة مرسومة مسبقاً إلى طوائف ومذاهب وأقليات وأكثريات وقوميات، وأدخل أكبر الطامعين فيه وفي موقعه وموارده من الدول الاقليمية إلى داخل قصر الرئاسة وموقع اتخاذ القرار".

وأضاف أن "الواقعية هي في أن تقدم مصالح الشعب السوري بفئاته المختلفة على مصالح إيران وروسيا وتركيا وجميع الدول الطامحة إلى استبعاده وتقسيمه إلى مناطق نفوذ، وأن يظهر ذلك في صيغة الحل، وأن يشعر السوريون بأن مستقبلهم في يدهم وليس في يد الدول التي تحتل أراضيهم، وأن تقبل هذه الدول بتعريف مصالحها وعدم اعتبار سورية أرضاً مشاعاً ومسرحاً لنشر قوتها واستعراض عضلاتها أو تجريب أسلحتها ومقاومة الضغوط الدولية عليها".

ولفت غليون إلى أنه "إذا كانت هناك فكرة لا تملك ذرة من الواقعية، فهي الضغط من أجل التجديد للأسد أو إنقاذه بعد كل ما حصل في البلاد، التي كان هو رئيسها منذ سنين طويلة وورثها عن أبيه وشكل أجهزتها ومؤسساتها بنفسه ولخدمة مصالحه الشخصية وحدها".

ورأى غليون أنه "إذا كانت طهران ترفض ذلك، وكانت تريد التضحية باستقلال سورية وحرية شعبها ومصالحه لتحويل البلاد إلى معبر لأسلحة حزب الله، وساحة مواجهة بين إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة، فليس من الواقعية أن تقبل الدولة التي تتصرف كصاحبة انتداب على سورية، أي روسيا، بهذا الطرح ولا أن تسير فيه، لأنه سوف يقودها إلى الفشل لا محالة بسبب سورياليته وتحديه لأي منطق سليم".

وأكد أنه "لا يمكن أن يكون الحل هو إقناع الشعب السوري بأن يكون ذنباً لإيران أو ساحة حرب تشن فيها طهران معركتها ضد خصومها ومنافسيها الإقليميين والدوليين. وليس من الواقعية أن يقال له سوف تقبل الأسد بالقوة رغماً عنك، وسوف تحبه، وعليك أن تقبّل صورته لأن طهران لا تقبل بخروجه ولا بمحاكمته حتى لا تفقد مشروعها في تحويل سورية إلى معبر في إمبراطوريتها التي تحلم بها والتي لا تختلف عن إمبراطورية الرايخ النازي التي قادت ألمانيا وأوروبا بأكملها إلى الدمار في حرب جنونية".

وحول ما إذا كان المؤتمر السوري الموسع الذي جرى الحديث عنه في اجتماع سوتشي، بات هو الشيء الوحيد العملي المطروح على الطاولة بعد الانسحاب الأميركي من المشهد السوري وضعف الغطاء الدولي لمسار جنيف، أعرب غليون عن اعتقاده بأن "الأميركيين لم ينسحبوا من المشهد السوري، لأن انسحابهم يعني أن واشنطن تتخلى عن الشرق الأوسط من دون سبب، وتقدمه هدية لروسيا وإيران".
وأبدى غليون اعتقاده بأن "معركة السيطرة على الشرق الأوسط بالكاد بدأت. وسواء حصل أم لم يحصل، فمؤتمر سوتشي سيكون في أحسن أحواله ثمرة تفاهم ثلاثي روسي إيراني تركي"، مستبعداً أن "يكون هناك تفاهم حقيقي حول توزيع المصالح حتى بين هذه الدول التي تريد جر السوريين شيئاً فشيئاً خارج ساحة معارضتهم القوية للأسد وهز ثقة المعارضة بنفسها، وكذلك ثقة الشعب السوري أو ما تبقى منه بها، وبالتالي بإمكانية تحقيق هدف هذا الشعب الأصلي في دولة ديمقراطية تعددية حرة، وذلك كي يستطيعوا فرض الأمر الواقع أو ما يعتبرون أنه الأمر الواقع، عليه، كخيار وحيد، وهو إعادة تأهيل نظام الأسد، بالأسد أو بغيره".
وأكد غليون أن "هذا غير ممكن. ولن ينجح أحد في تجريد الشعب السوري ثانية من حقوقه التي ضحى من أجلها بأفضل أبنائه. ولن يستطيع أحد أن يعيده إلى حظيرة الأسد وعبودية الأجهزة الأمنية". وحول ما إذا كانت التوازنات الإقليمية والدولية جاهزة لإنتاج حل حقيقي في سورية اليوم، رأى غليون أن "المناخ يسير عموماً في اتجاه الدفع إلى حلّ، لأن معظم القوى المنخرطة في الصراع أصابها التعب والخوف من فقدان السيطرة على الوضع".