الوطن: لولا إيران لما كانت هناك حرب في سورية

2014-02-21 :: الوطن

 نزار عبدالباقي - الوطن

 

شن رئيس المجلس الوطني السوري الأسبق، وعضو الائتلاف الحالي برهان غليون هجوماً حاداً على النظام الإيراني، ووصفه بأنه يقف وراء اندلاع الأزمة الحالية في سورية واستمرارها، قائلاً إنه لولا طهران لما كانت هناك حرب أصلاً، ولما استطاع الأسد الصمود في وجه الثوار طيلة هذه الفترة، بسبب ما تمده به من سلاح ومقاتلين. كما اتهم موسكو بالانحياز لجانب الأسد، ومساعدته، ليس فقط عن طريق مده بالسلاح والدفاع عنه في مجلس الأمن، وإنما عن طريق معارضتها حتى للقرارات الإنسانية التي تلزمه بتوصيل الغذاء للمدنيين المحاصرين. وأضاف في حوار مع "الوطن" أن الائتلاف حقق عددا من المكاسب في جنيف2، في مقدمتها إقناع المجتمع الدولي بأسره أن نظام الأسد يمارس أبشع أنواع القمع ضد شعبه الأعزل، وأنه هو الذي يقف دون وضع حد للمأساة الإنسانية في سورية. فإلى تفاصيل الحوار:

 

* بداية، كيف ترون آفاق الحل السلمي بعد انقضاء الجولة الثانية من مفاوضات جنيف2؟
* للأسف الشديد كل الآفاق مغلقة تماماً. وما حدث ليس مفاجئاً لنا، فمنذ اليوم الأول للثورة كان من الواضح أنه ليس لدى النظام أي عرض آخر على الشعب سوى القتل. وكلما حصل تصعيد من قبل الشعب زاد التصعيد في القتل، وزاد عدد الشهداء، قبل أن تتحول الثورة إلى عمل مسلح، وقبل أن تتدخل القوى الدولية أو تعلن أي موقف مما يحصل في سورية. لم تتوقف عملية كسر إرادة الشعب بالقتل المتعمد مع سابق تصميم، وبهدف الترويع، لا أثناء جنيف ولا قبله. وكان من الملفت أن النظام زاد من استخدام براميله المتفجرة أثناء انعقاد مؤتمر جنيف لإرسال رسالة واضحة للسوريين والعالم، أنه لا يأبه للموقف الدولي ولا لمؤتمر جنيف ولا يراهن سوى على قوة النار التي يزوده بها شركاؤه الإيرانيون والروس.

 

 سبب الأزمة
* أعلنت طهران قبل بدء المؤتمر أن المفاوضات لن تفضي إلى شيء، مما فسر على أنه إقرار بمسؤوليتها عن تعنت وفد النظام، رداً على استبعادها من حضور المؤتمر، كيف يمكن قراءة هذا الموقف؟
* على جميع الأحول، إيران هي السبب الرئيسي وراء الحرب في سورية، ومن دونها لم تكن هناك حرب، ولا كان بإمكان نظام المافيا السورية المنخورة بالفساد أن يصمد هذه المدة في هذه الحرب التي أعلنها ضد الشعب. في نظري أن إيران لم تستبعد من حضور مؤتمر جنيف من قبل أحد ولكنها استبعدت نفسها لأنها رفضت القبول بمرجعية جنيف1، التي هي قرار مجلس الأمن رقم 2118 وتطبيقه. وهي غير معنية بوقف مأساة الشعب السوري التي توقدها كل يوم بشكل أكبر. إيران لا تبحث عن الحل ولكن عن تأزيم الوضع بشكلٍ أكبر في إطار تحسين موقفها في مفاوضاتها الدولية على المشروع النووي، وهي المسؤولة عن إراقة دماء السوريين.

 

* رغم الفشل الذريع وعدم تحقيق أي تقدم، إلا أن الأمم المتحدة ما زالت مصرة على المضي في المفاوضات، هل توافقون على العودة من جديد إلى جنيف2 وهل ستضعون شروطاً مسبقة؟
* ليس من مصلحتنا التقاطع مع رغبة المجتمع الدولي في أي محاولة لوقف الحرب العدوانية وفتح باب السلام. ولكننا لا ينبغي أن نرهن استراتيجيتنا بأوهام الحلول السياسية الدولية. علينا أن ننصت لصوت السلام إذا ظهر، لصالح تخفيف المعاناة عن شعبنا، لكن ينبغي في نفس الوقت أن نعد للحرب عدتها ونستمر في مقاومة العدوان بأكثر ما نستطيع من قوة وبأس. فلا أمل لأي طرف بالحصول على السلام ما لم يفرض نفسه وإرادته بالقوة.

 

مكاسب المعارضة
* يرى البعض أن مجرد جلوس النظام على طاولة المفاوضات في جنيف يعني إقراره بأنه في موضع اتهام، وأن المعارضة حققت مكاسب واضحة عبر إقناع العالم بتعنت النظام، هل تحققت هذه المكاسب بالفعل؟
* النظام في موضع اتهام عربي وعالمي قبل جنيف، وبصرف النظر عن جنيف2، لأن وسائل الإعلام تنقل يومياً صور الأعمال الإجرامية التي يقوم بها ضد شعبنا، من قصف بالبراميل المتفجرة على الأحياء والقرى الآمنة، وحصار للمدن بقصد التجويع، والتعذيب الهمجي للمعتقلين، الذي أوضحه التقرير الشهير الذي قدم 53 ألف صورة لحوالي 11 ألف شهيد قضوا تحت التعذيب في السجون السورية بهوياتهم الكاملة. ما تحقق للمعارضة من مكاسب في جنيف كثير. وفي مقدمته كشف حقيقة نوايا النظام، وحرمانه من الكذب بالقبول بالحل السياسي، وإظهار خداعه للعالم، وبالمقابل تأكيد مصداقية المعارضة وسعيها الحقيقي لحل سياسي يوفر على السوريين المزيد من الضحايا والخراب. 

 

قبول الآخر
* وجدت روسيا نفسها في موقف المتهم عن تعنت النظام وتعرضت لانتقادات دولية عديدة، هل يمكن أن يدفعها ذلك للضغط على النظام لإبداء قدر من المرونة؟
* نحن نأمل ذلك. لكن حتى الآن لا توجد هناك إشارات مطمئنة، لسوء الحظ. نأمل أن تدرك روسيا أن مصالحها لا يمكن ضمانها بالسعي إلى الحفاظ على نظام مرفوض من قبل شعبه وغير قادر على الاستمرار حتى بالحديد والنار، وإنما فقط من قبل الشعب وبالتعاون مع حلفائه العرب والدوليين.

 

* قبل مؤتمر جنيف2 هددت بعض فصائل المعارضة بالانسلاخ من الائتلاف في حالة فشل المؤتمر، هل تتوقع حدوث مثل هذا السيناريو؟
* مقاتلو المقاومة ليسوا عسكريين محترفين، إنما هم ثوار. وهذا يعني أنهم ليسوا محترفي حرب، وقتالهم مرتبط بعقيدة سياسية وبالإيمان بحقوق الشعب وبالثورة. ومن هنا هم يميلون إلى أن يشاركوا في القرار السياسي. وهذا ليس من حقهم فحسب، ولكن من واجبهم أيضاً. وكل ما يحصل من خلافات في وجهات النظر معهم سببه عدم التواصل معهم من قبل القيادات السياسية أو بسبب مناورات هذه القيادات على بعضها البعض.
للأسف تنعكس أحياناً صراعات التيارات السياسية في المعارضة على المقاتلين، وتدفع بعضهم إلى اتخاذ مواقف وإصدار بيانات متباينة وأحياناً متناقضة. من المفروض أن يكون جنيف درساً لهؤلاء السياسيين.

 

 شخصنة القضايا
 * رغم تزايد الحاجة لوحدة صف المعارضة السورية أتى قرار إقالة سليم إدريس من منصبه، ألا يمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الفرقة والتشرذم؟
* نعم. للأسف بدل الاستفادة من الزخم الذي حصلت عليه المعارضة السياسية والمسلحة من تعاونهما في إدارة مفاوضات جنيف بشكل ناجح لتعزيز التلاحم بين السياسيين والمقاتلين، وتوحيد الصف وزيادة التنسيق والتعاون بين الجميع، تحاول بعض الأطراف الضعيفة أن تستغله لتحسين مواقعها الشخصية داخل مؤسسات الائتلاف. هذا مرض الأنانية الذي هدد المعارضة منذ بداية الثورة، ولا يزال يستبد بعدد من رجالاتها ويدفعهم للخطأ والانحراف حتى الآن.

 

* توقع كثيرون أن تشارك واشنطن وروسيا بممثلين على مستوى عال خلال مفاوضات جنيف2، إلا أن ممثلي الدولتين غادروا جنيف عقب انتهاء الجلسة الافتتاحية وكأن دورهما انتهى عند هذه النقطة؟
* واضح من اللقاء الذي تم بين ممثلي الدولتين بعد وصول الجولة الثانية من مفاوضات مؤتمر جنيف 2 إلى طريق مسدود أن الاتفاق بينهما لا يزال محدوداً، وأن كلاً منهما يراهن على ذكاء الطرف الذي يدعمه في فرض وجهة نظره وتفسيره للقرارات الدولية في جنيف. وربما كان هذا هو السبب في عدم حضورهما المؤتمر. لكن من جهة أخرى، فإن جنيف2 اتفاق دولي ولا يمكن أن يتقدم من دون أن يكون هناك تقارب بين وجهات نظر الدولتين الرئيسيتين. وهذا ما لم يتحقق بعد.

 

  تواطؤ دولي
*  ما زالت واشنطن ترفض إمداد الثوار بصواريخ تطلق من الكتف للتصدي لطائرات النظام، ما هو موقف الائتلاف من ذلك؟
* موقف الائتلاف معروف منذ زمن طويل. إذا كانت الدول التي تقود المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن عاجزة بالطرق الدبلوماسية عن وقف المجازر، التي يرتكبها النظام الأسدي يومياً في سورية، وهذا ما أبرزه مؤتمر جنيف2 بشكل قاطع، فمن واجبها إما التدخل دولياً لوضع حد للمأساة السورية أو تقديم الأسلحة الضرورية كي يتمكن السوريون أنفسهم من وضع حد لها. حرمان السوريين من السلاح، وبشكلٍ خاص من مضادات الطائرات، وفي الوقت نفسه رفض التدخل الدولي والإنساني، يعني التواطؤ مع العدوان والسماح للكارثة بالاستمرار، والرضوخ للابتزاز بالقوة الذي يمارسه نظام المافيا في دمشق.

 

* بينما أعلن وزير خارجيتها جون كيري، أن البيت الأبيض طلب خيارات للتعامل مع الأزمة، أكد الرئيس الأميركي تصميمه على الحل السياسي، هل لديكم تفسير لهذا الغموض؟
* هذا صحيح بالطبع. لكن على المستوى العملي، وهذا هو المهم، لا يزال الخيار الأميركي الوحيد البارز في المسألة السورية هو عدم المبالاة. نحن ننتظر أيضاً من الأميركيين الذين يتمتعون بمكانة استثنائية في النظام الدولي، وتقع عليهم مسؤوليات استثنائية أيضاً بسبب موقعهم القيادي، أن يرتقوا بخياراتهم إلى مستوى القيم التي يفتخرون بأنها قيمهم، والمبادئ الأخلاقية التي بنوا عليها نفوذهم وموقعهم القيادي الدولي.

 

 ورقة الكيماوي
* يرى البعض أن الائتلاف فشل في استغلال تلكؤ النظام في التخلص من الأسلحة الكيماوية، حيث كان من الممكن حث المجتمع الدولي لممارسة ضغوط عليه قد تصل إلى حد العمل العسكري أو التهديد به، لماذا لم تستغلوا تلك الورقة؟
* الائتلاف مقصر في كل شيء وليس فقط في متابعة ملف الأسلحة الكيماوية، والسبب ضعف خبرة بعض أعضائه وقلة طاقاتهم وانغلاقهم على النفس. لكن ربما كان السبب أيضا هو الشعور بأن الملف الكيماوي تحول، بسبب الطريقة التي عالجته بها الدول الكبرى إلى سلاح بيد النظام. فبعد التوقيع على اتفاقية تدمير الأسلحة الكيماوية السورية، أمل النظام أن يستخدم هذا الاتفاق لإعادة تأهيل نفسه دولياً، وجعل من المساومة على تسليمه ورقة للتفاوض على التمديد له وبقائه. لذلك فإن الانتقاد الرئيسي ينبغي أن يوجه للدول التي وقعت على اتفاق لا تضمن تطبيقه، وسوف يستخدمه النظام للمناورة، ما لم يتخذ مجلس الأمن موقفاً قوياً من التباطؤ المتعمد في تسليم شحنات المواد الكيماوية.