الجمهورية: حول مفهوم الدولة

2014-12-15 :: الجمهورية

 عمر حداد - الجمهورية
 
قد يكون الدكتور برهان غليون غنياً عن التعريف لدى جميع السوريين فهو من القامات الفكرية المميزة على مستوى سورية والوطن العربي .الدكتور برهان غليون هو مفكر سوري وأستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس ورئيس المجلس الوطني السوري السابق. خريج جامعة دمشق بالفلسفة وعلم الاجتماع، دكتور دولة فيالعلوم الاجتماعية والإنسانية من جامعة السوربون، ولد في مدينة حمص ، كان يعمل في مجال التدريس قبل أن يهاجر في عام 1969 إلى فرنسا وعاش هناك منذ ذاك الوقت.  نرحب بالدكتور برهان غليون في موقع الجمهورية ونطرح للمتابعين الحوار الذي أجريناه معه:
 
* تم طرح موضوع شكل الدولة السورية ما بعد الأسد في العديد من المؤتمرات الخاصة بالقوى السياسية، وفي كل مرة كان هذا الموضوع يشهد صراعات ومشادات بين المؤتمرين وفي أغلب الأحيان كانت هذه الصراعات ناتجة عن عدم الفهم الصحيح لمفهوم الدولة بحد ذاته.كيف يعرف الدكتور برهان غليون الدولة الحديثة؟
* لغة المفهوم لغة نظرية معقدة، وفي العلوم الاجتماعية تعددية، حسب المدارس والمناهج العلمية. ربما كان البدء بوصف الممارسة أكثر فائدة. في هذا الإطار يمكن أن نقول إن البشر، في كفاحهم من أجل تنظيم شؤونهم الجماعية، وحل خلافاتهم، والتخطيط لمستقبلهم، انتجوا هيئات تملك سلطات عامة للتصرف تعنى بالشأن العام، أي بالقرارات التي تتعلق بتحديد المصير الجماعي لهم، وهي هيئات متعددة، كان أولها ربما العائلة والعشيرة، ثم المدينة الدولة، ثم الدولة الامبرطورية، والدولة الملكية أو السلطنة، وأخيرا الدولة الحديثة. وكل هيئة تعكس تطورا تاريخيا في هوية الجماعة وجغرافيتها السياسية ونظم إدارتها وحكمها. العائلة والعشيرة تعنى بتنظيم شؤون الناس على مستوى العشيرة، وعندما كانت المجتمعات تفتقر إلى التقدم الحضاري الذي يتيح تواصلا أكبر بين العشائر. ومع تطور شروط الحياة المدنية ووسائل التنظيم والتواصل ظهرت الدولة المدينة التي تضم مجموعة من “العشائر”، وفي مرحلة ثالثة ظهرت الامبرطورية التي تجمع تحت جناح سلطة مركزية، صاحبة شوكة، أي قوة من دونها لا أمل في نشوئها، مدنا وقرى ومناطق وتشكيلات اجتماعية متعددة، وتفتح بذلك مجالا أوسع للتواصل والتعاون وتفاعل العناصر البشرية والمادية، وتستمد شرعيتها من قدرتها على احلال الأمن والسلام في الربوع الواسعة، بالمعنى ذاته الذي نميز به في المصطلحات الدينية الاسلامية بين دار السلام ودار الحرب. ولذلك ارتبط نشوء الامبرطوريات بوجود وتجمع عناصر القوة العسكرية والمادية وأحيانا الايديولوجية لدى شخصية استثنائية أو اسرة ملكية أو نخبة دينية أو عقائدية، كما ارتبط بتطور رؤية انسانية كونية تساعد على قبول الآخر المختلف وتستبطن التعدد القومي والفكري والمذهبي.
لكن مع تفكك الامبرطوريات التي نشأت على أرضية تجارية أو زراعية رئيسية، ظهرت الملكيات والسلطنات المطلقة التي نجم عن الصراع بينها وداخلها تحول عميق في مفاهيم السلطة والسياسة والغايات الأخلاقية من وجود المجتمعات البشرية، وأدت لنشوء الدولة الحديثة التي نسميها الدولة الامة أو الدولة الوطنية، اختصارا. وبعكس الدولة السلطانية والامبرطورية تقوم فكرة الدولة الأمة على عناصر أساسية. منها أن السلطة العمومية التي هي محرك الدولة وروحها ليست ملك الحاكمين مهما كانت اصولهم أو درجة تأهيلهم وعبقريتهم، وإنما هي ملك الشعب كله، فهو مصدرها وبالتالي صاحب الحق في تعيين من يمثله في إدارتها وتنظيم شؤون الجهاز الذي تعمل من خلاله، أي الدولة. وأن الشعب ليس مجموعة من الأفراد التابعين للملك أو السلطان والمؤتمرين بأمره كما يتبع الأبناء الآباء وإنما هم هيئة منظمة وذات إرادة ووعي، تقف في مقابل الدولة التي تمارس السلطة، وهي مكونة من أفراد أحرار، وبالتالي أصحاب سيادة، يشاركون جميعا في القرارات العامة، اي السياسية، ولو كان ذلك عن طريق ممثليهم، الذين يختارونهم، ولهم الحق في نزع التوكيل عنهم، وهذا هو معنى السيادة الشعبية. وأن لهذه الهيئة ، الشعب، كي تمارس دورها في السيادة، حقوق وعليها واجبات، تتجلى عبر الحق في التنظيم والانتظام في احزاب وجمعيات تساعدها على بلورة إرادة أفرادها، وهو تعبير عن إقرار الحريات العامة في التعبير والتنظيم والانتقال والاعتقاد وغيره من الحقوق التي تعكس حرية الفرد، كما أن عليها واجبات يقع في مقدمها احترام القانون والخضوع له والتقيد بقواعد التنافس السلمي على مواقع المسؤولية.
ومن مفهوم السيادة الشعبية، الذي يفيد أن صاحب السلطة العامة هو الشعب، أي الأفراد جميعا، برزت فكرة المواطنة التي تعني المساواة في الحقوق والواجبات بين أعضاء الجسد الواحد الذي هو الشعب، أي أيضا الهيئة الانتخابية. والنتيجة دولة حرة، أي سيدة في مقابل الدول الأخرى، ليست تابعة ولا تقبل بأن يملي عليها أحد رأيه، لا في الداخل ولا في الخارج، دولة حرة لمواطنين أحرار، أو أسياد، يتصرفون إزاء الدولة والسلطة العمومية مما يمليه عليهم ضميرهم المدني أو الوطني، واتساق القانون والغاية الأخلاقية من الاجتماع البشري، أي ضمان الحرية كقيمة إنسانية عليا، هي التي تبرر وجود الدولة والسلطة العمومية نفسها، بما في ذلك الخضوع للقانون. كل هذا يجعل من الدولة الإطار الذي تتجلى فيه إرادة الشعب بوصفه هيئة من الأفراد الأحرار المتساوين والمتعاونين للوصول إلى غايتهم الرئيسية التي هي السلام والأمن والعدل والحرية، وفي سياقها ومن أجلها، تحقيق أقصى ما يمكن من درجات التقدم والتحرر من الفقر والفاقة والتبعية والجهل والبطالة إلخ.
وهذا يعني وجود علاقة تفاعل عميقة بين الشعب الذي يستثمر في الدولة ويخضع لها ويعزها ويحترم قوانيها والدولة التي تعمل لتحرير الشعب، جماعة وأفرادا، والدفاع عن حقوقه في الداخل والخارج، كما يعني الارتباط الوثيق بين الدولة وحكم القانون، الذي يشكل احترامه والخضوع الدقيق له اساس الوطنية، أي احترام الدولة، ويجعل من الدولة محور حياة المجتمع كله، دماغه وقلبه النابض. فالمجتمعات تستثمر في الدولة لأن الدولة تعمل على تحريرها وضمان الأمن والوحدة وتجنب النزاعات وحلها بالطرق السلمية، ولأنها ليست ملك من يحكم فيها ولا أداة للسيطرة والتحكم والاستعباد.
والواقع أننا لا نستطيع أن نفهم بنية الدولة الحديثة ووظائفها والموقع الذي تحتله في تنظيم العلاقات بين الأفراد وبين هؤلاء والسلطة العمومية، إذا لم نفهم الثورة السياسية التي حطمت نظام التبعية الشخصية القديم، وجعلت من الشعب قوة سياسية بل موطن السياسة والعمل العام. فالأصل في السياسة والدولة الحديثتين هو وجود الشعب الحر المنظم المدرك لحقوقه وواجباته والمتمسك بحكم القانون والمستعد في كل لحظة للدفاع عن حقوقه ضد أي غاصب، طاغية كان أم طغمة عسكرية أو امنية. ومن المستحيل أن تعمل الدولة، أي جهاز السلطة المركزية الذي يحركها، كدولة أمة، ما لم يحضر أمامها وفي مواجهتها شعب مدرك لحقوقه وواجباته وقادر على التعاون في ما بينه للدفاع عنها، وهذا ما يفترض أيضا وجود تناغم في الغايات الأخلاقية التي يسعى إليها الأفراد، وما نسميه في الأدبيات السياسية بالعقد الاجتماعي أو العهد الوطني، وتفاهم على قواعد ممارسة السلطة وتداولها، وهو ما تجسده الديمقراطية كنظام للحكم. ما يميز الدولة الحديثة إذن أمران رئيسيان وجود الشعب كمفهوم سياسي، اي كوظيفة تعكس مشاركته المباشرة والقوية في صنع القرار وتحديد المصير العام، وشرطه وجود المواطنة، أي الفرد كمفهوم/فاعل سياسي، من جهة ووجود القانون المنبثق من الشعب، والذي ينظم العلاقة بين جميع الأطراف، الدولة والشعب، السلطة العامة والأفراد، والافراد في ما بينهم. الدول الحديثة هي في الوقت نفسه دولة الحرية لأنها أيضا دولة القانون.وهذا ما يوحد الأفراد ويجمع بينهم في ما وراء وبالرغم من اختلافاتهم العقائدية وتباين اختياراتهم الشخصية . ليس هناك وصاية من خارج ما يقرره الشعب، بإرادته الحرة، على الدولة، لا لطبقة ارستقراطية ولا لهيئة دينية، ولا لطغمة عسكرية، مهما كانت الذريعة أو الصفة التي تعطيها هذه الوصاية لنفسها.
 
 * يطلق اصطلاحاً في الكتابات التي تتناول تاريخ المنطقة الدولة الإسلامية، أو الدولة الأموية، أو العباسية، وما إلى هنالك …هل تعتقد أن هذه التسمية صحيحة؟ وما الفوارق الأساسية بين مفهوم الدولة في المراحل التاريخية المذكورة، وبين الدولة بمفهومها الحديث اليوم؟
* كانت الدولة تسمى باسم الشخص أو السلالة التي كانت وراء إنشائها أو قادت عملية تأسيسها. ومن هنا اسم الدولة الأموية والعباسية والعثمانية والسعودية وغيرها. لأن صاحب السلطة العمومية الحقيقي هو العنصر المؤسس، الذي يجسد دائما الشرعية، شرعية حق الفتح، وملحقاته التملك والملك.
عندما أصبحت الشرعية مرتبطة في الدولة الحديثة بالقانون ونشأت بوادر الدولة القومية، صار اسم الدولة يميل إلى الارتباط بصفة الشعب الثقافية أو بالمكان والبقعة الجغرافية التي تطبق فيها قوانينها ويتحقق فيها تحول الأفراد إلى مواطنين فيها. دولة سورية هي دولة السوريين الذين يجمع بينهم الخضوع لقانون المواطنة الواحد. لذلك عندما انتزعت طغمة الأسد صفة المواطنة عن السوريين لم تعد تستخدم اسم الجمهورية السورية بمقدار ما أصبحت تردد اسم سورية الأسد، ودولة الأسد، وكان هذا الاستخدام مقصودا للنكوص بمفهوم الشرعية من الشرعية الوطنية القانونية إلى شرعية الفتح والاستيلاء التي يجسدها تحويل سورية إلى ملك متوارث لبيت الأسد، وبالمناسبة نزع الشرعية عن الشعب السوري كله وتحويله من شعب إلى رعية تابعة للأسد وخاضعة له ومعتمدة عليه، أي تجريده من حقوقه السياسية كاملة. وهذا ما حصل بالواقع. لم يعد الأسد حاكما عاديا يمكن تبديله أو اختيار غيره، وإنما أصبح مالكا شرعيا للبلاد، ولم يعد السوريون مواطنون، وإنما أقنانا في إقطاعة يملكها شخص، ومن ورائه أسرة وعائلة وحاشية لا تختلف عن حاشية السلاطين القدامى إلا في افتقارها لأي عقيدة أو رؤية أو قاعدة حياة.
وعندما صارت الشرعية في الدولة الديمقراطية مرتبطة بالقبول الشعبي المعبر عنه بالاقتراع العام، وبإرادة المواطنين جميعا وتأييدهم، ظهر اسم الجمهورية، تعبيرا عن أصحاب السلطة الحقيقية وتجسيدا لمضمون سياساتها وغاياتها الأخلاقية.
 
* كيف ترى العلاقة بين الدولة والمجتمع؟ فهل بناء الدولة الحديثة يحتاج إلى مجتمع متطور ذي علاقات حديثة؟ أم أن بناء المجتمع المتطور يحتاج إلى دولة حديثة … بمعنى آخر أيهما ينتج الآخر؟
* ليس هناك في التاريخ مكان لنموذج البيضة والدجاجة. فكلاهما ثمرة تفاعل تاريخي وتحول تدريجي. لا توجد الدولة الأمة من دون تطور حقيقي في فكر الجمهور وقيمه وتطلعاته الأخلاقية، ونشوء أخلاقيات سياسية ومواطنية، لكن في الوقت نفسه لا يوجد تطور في المجتمعات عندما تغيب الدولة وينهار النظام العام. يمكن أن نقول إن المجتمعات تمر دائما بمرحلة انتقالية لأنها في تحول دائم. هناك دائما تطورات أولية تحدث بسبب تفاعلات تاريخية مختلفة لا تلبث حتى تخلق مناخا مشجعا على الثورة أو الطفرة والتغير وتعميم المكتسبات. وقد ينجم التطور عن عمل الدولة وقد ينجم عن تحولات داخل المجتمع. ودائما يبدأ الأمر بالجزء، أو بريادة وطليعة، قبل أن يعم بقية طبقات المجتمع.
وفي مجتعاتنا نشأت الدولة في ظل تحولا دولية عاصفة قلبت السلطنة خلال عقود قليلة إلى جمهورية أو جمهوريات، لم يكن المجتمع على مستوى التطورات التي شهدتها قوانينها، لكن نشأت بموازاتها نخبة حديثة أدارت الدولة وكان بإمكانها ان تستخدمها لتعميم أخلاقيات المواطنة وتأكيد حكم القانون وتعزيز روح العدادلة والمساواة والخدمة العامة بدل الفساد والمصلحة الفردية. ما حصل كان العكس، أي أن النخبة الجديدة التي نشات في ظروف متقلبة، استخدمت نواة الدولة الحديثة لتمركز السلطة في يدها وتقوي شوكتها وتعيد الشعب إلى حالة العبودية والتبعية والخضوع السابقة على نشوء الجمهوريةوتعيث فسادا كما لم يحصل في أي عصر.
هناك علاقة تلازم بالمطلق بين وجود الدولة الحديثة والشعب المنظم والواعي، كما ذكرت في أول جواب. لكن هذا التلازم ليس ميكانيكيا من جهة، ولا يحصل دفعة واحدة وإنما هو ثمرة تحولات متبادلة ومشتركة داخل الدولة وداخل المجتمع معا. لذلك لنشوء الدولة الجمهورية الديمقراطية وترسخ جذورها واستقرارها تاريخ. والتاريخ يعني التفاعل الطويل، بما يعنيه من صراعات وتقدم وتأخر. وهو الذي يدفع إلى التحول في أخلاقيات الشعب بموازاة تطور بنية الدولة وطريقة ممارسة السلطة، وتجددا في الممارسة السياسية بموازاة تغير بنية الدولة المؤسساتية ذاتها. لا يمكن أن تولد الجمهورية والديمقراطية كما في مفرخة، مرة واحدة وللأبد ومن دون ألم.
 
* ربما لا يمكننا الحديث عن الدولة بمفهومها السياسي دون أن نتطرق إلى مصطلح المجتمع المدني … كيف ترى العلاقة بين الدول والمجتمع المدني وما مجالات وفضاءات كل منهما؟
* لاىمكن للدولة الحديثة، جمهورية الطابع في العمق، حتى لو بقيت هناك وهناك بعض رموز الملكية الشكلية، أن تقوم من دون وجود مجتمع مدني، أي شعب منظم، في أحزاب وجميعات، ومن دون تربية مدنية يحتاج توفيرها إلى مؤسسات ومدارس ومنتديات وملتقيات وحوارات وطقوس، ومن دون حرية تشكيل كل أنواع الهيئات الفكرية والنقابية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. فالمجتمع المدني هو شرط تكوين المواطنة، أي القدرة على المشاركة في الحياة العامة، في السياسة. والمواطنة شرط لتكوين الشعب كهيئة سياسية في مقابل سلطة الدولة، ملهما لها ووصيا عليها.
ولذلك لم يكن بإمكان نظام الأسد تحويل سورية إلى إقطاعة وشعبها إلى أقنان مملوكين وجيشها وامنها إلى ميليشيات خاصة ذات تبعية شخصية لا قانونية، من دون القضاء الكامل على المجتمع المدني وحراسة الدولة الدقيقة لأي حركة أو نأمة فيه، وقتل أي بذور ناشئة لهذا المجتمع وتنظيماته في كل أشكالها، حتى لو تعلق الامر بتضامنات عائلية. الدولة الحديثة تنتكس حتما إلى دولة مطلقة تقليدية بغياب المجتمع المدني النشيط والفاعل والمنظم.
 
* كيف ترى تأثير الهويات ما قبل وطنية “قومية ودينية وطائفية وقبلية …” على مسيرة بناء الدولة؟
 * كل المجتمعات مكونة من هويات متعددة، وطنية ودينية وقومية ومذهبية وقبلية ومهنية وغيرها. ولا يسبب هذا التعدد بالضرورة نزاعات بين الأفراد، لأن الأفراد يعرفون كيف يعطون لكل دائرة هوية حقها، أي ما تحتاجه من التزامات، ويطلبون منها ما يمكن أن تقدمه من إرضاءات.وبالمقابل يبدأ التناقض والنزاع والفوضى عندما يخلط الأفراد بين هذه الهويات/الانتماءات، أو يطلبون من بعضها ما لا قدرة لها على تقديمه، كأن تطلب من الدولة العطف والحنان، الذي هو من خصائص هوية الأسرة والعلاقات الحميمة التي تميزها، أو تطلب من الانتماء لدين، حقوق المواطنة في الحرية واستقلال الفرد وتطبيق القانون، وأن تطلب من المؤسسة المهنية الهداية الدينية، إلخ.
والتناقضات، والنزاعات المرافقة لها، التي تميز مجتمعاتنا العربية، نابعة بالضبط من واقع أننا نعيش في مرحلة انتقالية، لم تتميز فيها أطر الانتماءات بدقة، ويتبين ما يطلبه الأفراد منها بوضوح، وأن الأفراد يطلبون من دائرة انتماء ما لا تملك القدرة على توفيره، أو يفرضون على دائرة إنتماء أخرى إعطاءهم الحاجات التي لا ينجحون في استمدادها من دوائر انتماءاتها الطبيعية. وهذا يعني في الواقع أن جميع دوائر الانتماء في مجتمعاتنا لا تعمل بشكل صحيح، أو أنها تعاني من اضطراب وتشويش. فالأسرة لا تقدم العاطفة الطبيعية التي يحتاجها الفرد، والقبيلية لم تعد تتنج العصبية التي تقود إلى التضامن العفوي المباشر، والقومية لم تعد تنتج الهوية المدنية التي يحتاجها التواصل الواسع مع الآخرين المختلفين، والديانة أو الجماعة الدينية لم تعد توفر السكينة والاطمئنان المنتظرين من التضامن الأخوي الذي ينشده منها أتباعها. والافراد الذين يعانون من الاحباط في كل دوائر الانتماء الأخرى يراهنون على الدولة في تحقيق تطلعاتهم. وهذا يثقل على الانتماء الوطني ويحوله من انتماء سياسي إلى انتماء ديني وقومي وعشائري وعاطفي ومهني في الوقت نفسه. وهذا ما يزيد من أحباطهم لأن الدولة لا تستطيع أن ترد على حاجات ليست من مجالها أو لاتملك ردوادا عليها.
فهناك فرق كبير بين الرابطة السياسية التي تمثلها الدولة وبين القرابة الثقافية او المذهبية أو العصبية القبلية. لا يحصل تطور في اتجاه مفهوم الأمة إلا عندما تنشأ بين الأفراد علاقة لا تقوم على الثقافة والدين والمذهب والقرابة الأهلية، وإنما على أساس الاشتراك في حياة سياسية قانونية واحدة، أي بعبارة أبسط، على أساس الانتماء للدولة، وهذا ما يستدعي أن تكون هذه الدولة أهلا للانتماء، بما توفره من أمن وسلام وتفاهم وتواصل وتضامن وتوفير شروط حياة منتجة للفرد. وكما ينطوي الانتماء للقبيلة والجماعة الدينية الواحدة على حقوق وواجبات لا يكون الفرد عضوا في الجماعة من دونها، كذلك ينطوي الانتماء للدولة على حقوق وواجبات لا يكون الفرد مواطنا من دونها. وهذه الحقوق مختلفة عن الحقوق التي ينالها الفرد في الأسرة أو القوم أو القبيلة أو الجماعة الدينية، وهي الحقوق السياسية : المشاركة في القرار الجماعي وما تستدعيه من حريات مدنية وحماية قانونية والتزامات وواجبات تجاه الأفراد الآخرين، وهذا ما يحدده القانون، وممارسة عملية لهذه الحقوق. وهذه هي خصوصية الرابطة الوطنية بالمقارنة مع الرابطة الاهلية التي ترتب على الأفراد حقوقا والتزامات مختلفة، أهمها التضامن الأخوي التلقائي، والالتزام بطقوس وعبادات أو سلوكات وأخلاق واعتقادات خاصة أو مميزة.
وعندما ننظر إلى الأمر بهذه الطريقة سوف نكتشف انه لايوجد تناقض بين الانتماء لدولة (مواطنة) والانتماء لجماعة أهلية دينية أو قومية. فلا تناقض ولا نزاع في أن اكون مواطنا سوريا ومسلما أو مسيحيا ومنتميا لعشيرة معينة أو لطائفة ومهنة خاصة. فالانتماء الأول يتجلى عبر الخضوع لقانون الدولة والتمتع بالحقوق التي يعترف بها للفرد، والتقيد بالواجبات التي يلزم بها أعضاء الأمة أو الرابطة السياسية، وهي عادة متساوية، والثاني يتجلى عبر المشاركة في اعتقادات وتراث ثقافي وروحي مشترك، وما ينجم عن ذلك من تضامنات عفوية والتزامات اخوية تلقائية ومباشرة.
نحن هنا نظريا في عالمين مختلفين. والفرد يعيش في مستويين متميزين. والواقع الفرد يعيش في مستويات متميزة كثيرة. فنحن نعيش على مستوى العائلة، ولنا دور وحقوق واجبات كأب أو ام أو ابن أو بنت، وعلى مستوى المؤسسة المهنية التي نعمل فيها والتي تحدد حقوقا للعامل وواجبات لرب العمل، وعلى مستوى العشيرة اذا كانت لدينا عشيرة، أو على مستوى الجماعة الدينية وما ترتبه علينا عقائدنا وأركان ديننا.
لكن عمليا لا يمكن أن نفصل داخل كل فرد بين هذه المستويات. فنحن أنفسنا أبناء أو آباء، وفي الوقت نفسه عاملين في مصنع أو مؤسسة، وأعضاء في جماعة دينية أو مذهبية، وابناء قومية وثقافة وإرث شعبي مختلف. فكيف نستطيع أن نوفق بين جميع هذه المستويات ولا نجعل واجباتنا أو حقوقنا داخل كل واحد منها تختلط أو تتعارض مع الحقوق والواجبات في العلاقات الأخرى؟
ما يمكننا من ذلك هو تمييز غرضنا الرئيسي في كل منها، وعدم الخلط بين هذه الأغراض. وبالعكس ينجم النزاع من هذا الخلط، أو عدم التمييز، او أكثر من ذلك من الطموح إلى تحقيق جميع الحاجات في أي حقل أو مستوى. فإذا أردت أن يكون عملي في المصنع مختلطا في الوقت نفسه بعملي او واجبي الديني، وواجبي الاسري وواجبي السياسي تجاه تسيير شؤون الدولة، سوف أخفق في تأدية جميع الواجبات. وإذا سعيت إلى تحويل المصنع، أو المدرسة، أو مكان أي عمل، إلى حقل للتبشير بعقيدتي، ومعتقداتي الدينية وغير الدينية، وإبراز هويتي الثقافية والقومية، لم يعد هناك تركيز على واجباتي المهنية. وبالمثل إذا أردت أن أرضي في علاقتي السياسية مع المواطنين الآخرين الذين يعيشون في ظل الدولة نفسها، وهي تخص علاقتي بغيرى على مستوى تنظيم شؤون الدولة والمصالح العمومية، مطالبي الأسرية والثقافية والدينية والقومية والمهنية، وأجعل منها حقل عبادة وتحقيق للهوية الاتنية وحقل للمارسة التضامنات التلقائية المرتبطة بالعصبية العشائرية والقرابة الروحية، فلن يبقى للمواطنة معنى ومضمون واضح، واختلطت دائرة الانتماء السياسي ومعنى هذا الانتماء، بدائرة الانتماء الديني، أو الانتماء القومي، أو الانتماء المهني، ومعانيها المختلفة، وفقدت مواطنيتي أي قيمة محددة أو تعيين. وهذه هي النتيجة أيضا إذا جعلت من مجال عبادتي وانتمائي لجماعة دينية مصدرا للربح التجاري أو لتحقيق الهوية القومية أو لارضاء الحميمية الاسرية.
ليس لتطور الحضارة أي مضمون أو معيار سوى تعدد مستويات حياة الانسان وحقول تحقيق المعنى فيها، ولا للمدنية معنى آخر سوى نجاح الأفراد، بفضل ما يكتسبونه من خبرة عملية ونظرية ومهارات فكرية ونمو أخلاقي، في التمييز بين مطالب هذه الحقول المختلفة وخصوصية كل منها وطريقة ممارستها، واكتساب الحس والذوق والإدراك السليم الذي يساعد على بناء سلم الاولويات الضرورية لتحقيق الاتساق بين جميع المطالب والحاجات ومنع الدخول في تناقضات في الفكر والسلوك بسببها.
المواطنة رابطة، والقومية رابطة، والديانة تخلق رابطة بين أصحاب الدين الواحد، والعشيرة رابطة، والأسرة رابطة. ولكل رابطة مضمونها وحقوقها وواجباتها بالنسبة للفرد، وإعطاء كل رابطة حقها، وعدم خلط واحدتها بالأخرى، وعدم التضحية بواحدتها لصالح الأخرى، هي أساس التقدمي المدني والسلوك المدني.
وما يمنع اختلاط الواجبات والالتزامات ويشوش نظام الولاءات هو غياب معيار سليم للأولويات، أو تعدي أحد مستويات الوجود الانساني على الآخر. فواجب الالتزام بالعمل في مصنع يشوش على واجب الأمومة إذا لم يضمن المجتمع للمرأة العاملة حضانة لطفلها، وخرق القانون يزيد احتمالا عندما لا تكتفي الدولة بالتزام الفرد بالقانون وإنما تفرض عليه تغيير عقيدته أو حل تضامنه مع أبناء أسرته أو قرابته، وبالمثل، تنحل العصبية القبلية بالضرورة إذا أصبحت مطالب الالتزام بواجباتها عائقا أمام امكانية الفرد لتأمين قوته، أو حرمانه من حماية الدولة والقانون. والحياة الاسرية تفقد معناها إذا تحولت إلى جماعة عسكرية او سياسية أو تبشيرية لا تنتج أي عاطفة أو حميمية تطمئن الأفراد، والدولة تفقد معناها إذا أصبحت وصية على عقائد الناس وأفكارهم وضمائرهم. والفرد يغتني بمقدار ما ينجح في تنويع مستويات وجوده وشبكات علاقاته، ولا يمكنه ذلك من دون أن يميز بين هذه المستويات وحاجته من كل منها.
وبمقدار ما يقود تقدم الحضارة إلى تنوع شبكة علاقات الفرد، وتعدد مستويات وجوده ونشاطه، تتدهور العلاقات بين الأفراد وببرز التنازع والاختلاط متى ما حصل التخبط والتناقض بين مطالب هذه المستويات. وفي كل مرة لا ينجح الفرد، ولا تساعده الثقافة السائدة، في أن يميز بوضوح بين آداب السلوك، ونظام الحقوق والواجبات المرتبطان بكل من مستويات الوجود الاجتماعي المتعددة، تزول المقدرة على بناء نظام الأولويات الذي يمكنه من الانتقال من واحد للآخر ويصبح من الصعب التوفيق بين متطلبات العمل للنجاح في كل منها.
نحن نقبل مثلا بشكل طبيعي ومن دون نقاش أن نجلس على مقعد واحد مع شخص من غير ديننا ومذهبنا وقوميتنا في الطائرة التي تقلنا. لكننا نشعر بالخظر من وجود شخص من غير ديانتنا يؤم المصلين أو حتى يصلي بيننا. والسبب كامن في معرفتنا أن وجود من هو مختلف في الدين والقومية والعقدية والأهداف على مقعد طائرة لا يتناقض مع غرضنا الذي هو الوصول بأمان إلى الهدف من الرحلة. وبالعكس سأخسر حميمية العلاقات الاخوية التي هي هدف الطقوس الدينية عندما يصبح المسجد أو المعبد مفتوحا على جميع العادات والطقوس الأخرى.
آداب السلوك في الأسرة هو العاطفة والمحبة والتضحية والتفاني، وآداب السلوك في الجماعة الدينية هو العبادة والحفاظ على العقائد والشعائر والطقوس، وآداب السلوك في العشيرة هي العصبية، والتضامن التلقائي، وآداب السلوك في المهنة هي الإجادة في العمل والاتقان فيه، وآداب السلوك في الجماعة الوطنية أو الدولة، أو على مستواهما، هو احترام القانون الذي يعني التمتع بالحقوق والقيام بالواجبات، وهذه هي المواطنة. باحترام القانون، الذي يحدد حقوقي وواجباتي بوصفي عضوا في جماعة سياسية أو دولة أمة، ليس كأب ولا كعضو قبيلة ولا كعامل ولا كمتعبد. فباحترام القانون تتحقق الغاية من الوجود الاجتماعي على مستوى الدولة والرابطة السياسية. وأي إضافة لهذا المطلب، أو خلطه بمطلب القومية أو الدين أو الأسرة أو المهنة يدفع إلى التناقض والنزاع.
 
*مفهوم الدولة سياسيا يحيلنا إلى مفهوم الأمة فكريا وحضاريا … في سورية حتى الان لا تطابق بين مفهوم الامة ومفهوم الدولة … ما تأثير مفهومي الأمة العربية والأمة الإسلامية على بناء دولة سورية وطنية؟
 * المفهوم الحديث هو الدولة/الأمة، أي الدولة التي تمثل الأمة وتشكل أداتها لتنظيم نفسها، وبذلك تكون الدولة الإطار السياسي المنبثق من إرادة الأفراد الأحرار الذين يشكلون جماعة واحدة) أمة( الذي ينظم حياة الأفراد من داخلها. وهذا مباين لمفهوم الدولة التقليدي، الامبرطورية أو السلطانية التي تشكل جماعة خاصة مستقلة وقائمة بذاتها، مرتبطة بنخبة ثابتة، سواء أكانت طبقة نبيلة أو أسرة مالكة، تفرض على الأفراد نظاما من خارجهم وبشرعية ليست مستمدة من إرادتهم، وتنظم شؤونهم حسب ما تعتقد أنه الكفيل بخدمة مصالحها وضمان سيطرتها. وهذان مفهومان مختلفان تماما للدولة. الآول يستبعد أي مشاركة للناس في السلطة، ويوحدها مع طبقة خاصة تنتزعها بالقوة وتفرض شرعيتها بالعادة والتقليد، الديني أو العرفي، والثاني لا يستقيم إلا بالمشاركة، وبتحويل السياسة إلى ممارسة/ديانة شعبية، يشارك فيها الجميع مع طقوس وشعائر وآليات ووسائل تتيح لكل فرد الشعور بالانتماء والارتباط بالدولة والولاء لها. وهذا هو منشأ الامة بالمعنى الحديث أيضا، الأمة المرتبطة بالدولة.
لا تطابق في سورية والبلاد العربية والعديد من البلاد بين الدولة والامة بالتأكيد، أولا لأن الدولة لم تنبثق عن الأمة من جهة، ولا تزال ترفض التسليم بالشرعية القانونية الديمقراطية، أي المستمدة من الإرادة الشعبية، وثانيا لأن مفهوم الأمة/السياسية لا يزال يختلط في المخيلة والذهن العام في بلادنا بممعنى الجماعة القومية او الدينية أو المذهبية أو القبلية. وقد عمق من هذا الاختلاط الفكر القومي الذي سيطر على المنطقة العربية خلال نصف القرن الماضي، والعودة الواسعة لمفهوم الدولة الخلافة والسلطنة عند قطاعات واسعة من الرأي العام على أثر فشل الدولة الوطنية في تمثيلها الشعب والتحول إلى دولة حديثة أمة، وإخفاقها في تلبية مطالب بناء المواطنة، أو الأمة المكونة من جماعة المواطنين الأحرار المتحدين في ما بينهم على أسس ومباديء وعقد اجتماعي عبر دولة تمثل إرادتهم المشتركة. وهذا يجيب على الشطر الثاني من السؤال.
 
* الثورة هي حالة هدم وبناء متلازمين … فكيف يرى الدكتور برهان غليون مستوى البناء، والانتاج الفكري في الثورة السورية، وهل يتناسب مستوى الإنتاج مع ما تم تقديمه من تضحيات؟
* الثورة ليست عملية انقلابية تظهر نتائجها سريعا. هي، حتى عندما تكون سلمية، عملية عنيفة ومعقدة تنهار من خلالها كل النظم والتوازنات والمفاهيم والقيم القديمة ويولد منها نظام جديد. لكن هذا النظام الجديد ليس جاهزا في أي مكان. إنه يولد في الصراع، وليس هناك أي ضمانة للوصول إليه سوى تمسك اصحاب الثورة والذين ضحوا من أجلها بالهدف الأسمى الذي قاموا من أجله وقدموا كل التضحيات في سبيله. وهذا الهدف هو في حالتنا والحالة العربية تحرر الشعوب من الوصاية ونيل الفرد حريته وكرامته، وهو شرط لأي تقدم آخر أخلاقي أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي.
لكن في مواجهة العمل لتحقيق هذا الهدف هناك قوى داخلية وإقليمية وخارجية لا تنسجم مصالحها مع عملية التحرر هذه، وهي تسعى إلى الانقلاب على الثورة ذاتها، وقطع الطريق علىها. ونحن الآن نعيش في سورية وبعض البلدان العربية الأخرى حقبة الثورة المضادة التي تتخذ أشكالا مختلفة حسب الحالة. وفي سورية هناك تحالف يجمع بين المافيات الحاكمة والميليشيات الطائفية في المنطقة والقوى الإقليمية وعلى رأسها نظام طهران المذهبي والتوسعي واسرائيل، وروسيا الاتحادية التي تستخدم نظام الأسد كورقة في الضغط على الغرب وواشنطن التي تريد أن تقايض سورية بالتوقيع على اتفاقية حظر انتاج الاسلحة النووية مع طهران.
لا يزال الابداع الاهم بالنسبة للشعب السوري يكمن في روح المقاومة والتضحية البطولية. على مستوى الأدب والفن والفكر يحتاج الأمر إلى وقت أطول، ربما إلى تفتح مواهب الجيل الجديد الذي عاش الثورة والحرب في عروقه وجسده وروحه.
لكن منذ الآن يمكنك أن ترى في وجوه السوريين، حتى الذين حطم التشرد واللجوء وسوء المعاملة قلوبهم، نور الحرية والكرامة يشع في عيونهم، وهو الذي يدفعهم إلى المقاومة والصمود. الثورة مستمرة في القيم التي زرعتها والحرية التي روتها بدماء شهدائها المتفتحة في قلوب الأجيال الجديدة.
 
 * كلمة أخيرة
 * أقول للسوريين إن التضحيات التي قدموها في سبيل تحررهم ما كان بإمكان أي شعب آخر أن يقدمها، وأنهم واجهوا ويواجهون قوى ما كان لشعب صغير مثلهم أن يحتمل عنفها ووحشيتها، وأنهم يخوضون حروبا محلية وإقليمية ودولية لم يحصل من قبل لشعب أن خاضها وحده، وان كل هذا يؤكد أنهم شعب عظيم واستثنائي في قوة إرادته وقدرته على الصمود والتضحية وحبه للحرية، وأن الشعب الذي كانت هذه شمائله لا يمكن إلا أن ينتصر، ويستعيد سيطرته على وطنه الذي تستميت وحوش المنطقة والعالم على تقاسم النفوذ فيه والتهامه، ليبقى إلى الأبد وطن السوريين، عظيما كما هم، ومستقلا كما هي إرادتهم، وكريما كما هي أرواحهم.