بوابة العرب: برهان غليون” يفتح خزائن أسرار الثورة

2016-03-02 :: بوابة العرب

 محمود الشهاوي - بوابة العرب

  

عرفت اسم المعارض السورى الكبير برهان غليون لأول مرة من كتابه «اغتيال العقل.. محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية». بقيت متابعًا لما يكتبه الرجل - وهو كثير - حتى خرجت الناس فى سوريا طلبًا للحرية.
كان يمكن لبرهان غليون وهو المفكر الذى يعيش بين «أروقة جامعة السوربون» ألا يزعج نفسه بما يدور فى بلاده التى تركها قبل 43 عامًا إلى منفاه الباريسى، ففى التحاقه بالثورة مجازفة حتى بحياته أمام نظام لا يعرف إلا «لغة الرصاص».
كان يمكن أن يركل كل قضايا العرب، ويبقى محلقًا فى برجه العاجى، لكنه اختار أن يكون فى الميدان، بل فى خط المواجهة الأمامى رئيسًا للمجلس الوطنى السورى، أول هيئة شرعية تمثل الثوار فى سوريا. بتعبيره هو: «ما فعلته هو القيام بواجبى كمواطن، بصرف النظر عن مهنتى».

لماذا حوار الآن مع برهان غليون؟
قبل أيام دخلت هدنة وقف إطلاق النار فى سوريا حيز التنفيذ وسط مخاوف من انهيارها بما يعيد جريان نهر الدماء. كان طبيعيًا أن نتحدث إلى واحد من صُناع الحدث.
لمدة أسبوعين تقريبًا تحدثت إلى برهان غليون مرة عبر الهاتف وأخرى عبر البريد الإلكترونى حتى يخرج هذا الحوار. سألته عن الهدنة فكان غير مفرط فى التفاؤل: «لن تنتهى الحرب ولن يحل السلام إلا بتحقيق آمال السوريين فى إسقاط نظام بشار الأسد». عدت به إلى الوراء، إلى بدايات الثورة، وقصة المؤامرات العربية والغربية عليها، وعرجت به على موقف المجتمع الدولى. حينما جاء الحديث على مصر بدا العتاب فى كلمات برهان غليون: «ما كان يتمناه السوريون من الأخت الكبرى أن تكون أقرب إلينا من ذلك». أخذته إلى «مساحة المفكر» فسألته: «لا تزال متفائلًا؟».
كان كلماته دالة بأكثر مما ينبغى: «لقد زرع الربيع العربى تحت الأرض المحروقة بالحرب والأسلحة الكيماوية والمعلمة بحفر المقابر الجماعية بذور ثورات لن تنتهى قبل أن تغير واقع المجتمعات وتحيل الديكتاتورية وحكم التعسف والطغيان واحتقار الإنسان إلى رماد». ما بقى أن نقرأ معًا كلمات هذا المفكر لنعرف سويًا ما يدور على الأرض المخضبة بدماء مئات الآلاف من السوريين.

 

*  هل تُوقف الهدنة (بدأ سريان وقف إطلاق النار ٢٧ فبراير) معاناة السوريين؟
* لأول مرة يبدو لى أن هناك بصيص أمل فى بدء عملية قد تفضى إلى الخروج تدريجيًا من الحرب، بسبب وجود ما يشبه الإرادة الروسية  الأمريكية فى الدفع باتجاه الحل السياسى، برغم الخلافات التى لا تزال قائمة بين العاصمتين.
وراء هذه الإرادة تحقيق روسيا - التى تمسك اليوم بمفتاح الحرب والسلم فى سوريا - أقصى ما كانت تطمح إليه من مصالح دولية، أولًا: الاعتراف بها كدولة عظمى مشاركة فى صنع أجندة السياسة الدولية بعد أن كانت مهمشة تمامًا، وثانيًا: انتزاعها الهيمنة الإقليمية فى المشرق وترسيخ أقدامها العسكرية والسياسية فى سوريا، التى ستكون تحت وصاية روسية لفترة طويلة، وثالثًا: لأن روسيا - التى أصبحت الوحيدة التى تملك علاقات قوية مع جميع الأطراف المتنازعة والمتنافسة العربية والإيرانية - هى وحدها القادرة على تجميد النزاع الإقليمى بضمانها توزيع مناطق النفوذ على الجميع، كما كان يفعل نظام «الأسد» من قبل، على طهران والخليج، لا يشذ عن ذلك إلا تركيا التى ستبدو الخاسرة الرئيسية فى هذه التسوية الروسية الموعودة.
لا يعنى هذا أن الهدنة وما سيتبعها من مفاوضات سياسية سوف تتقدم بسرعة أو حتى سوف تنجح، فليس هناك من يستطيع أن يضبط سلوك القوى العديدة المشاركة فى الصراع، ومنها قوى نظامية وغير نظامية، تابعة لدول أو مستقلة عنها، وليس هناك بعد أى صيغة جاهزة تؤمن التوافق بين المصالح والرهانات المتباينة والمتناقضة والمتداخلة وتضمن التوصل إلى تسوية بين هذه المصالح، سواء أكانت مصالح الدول، أو «أمراء الحرب».
على الأغلب سيحتاج الوضع إلى وقت طويل قبل أن تثبت الخطوة الأولى ويترسخ التوجه الجدى نحو مفاوضات الحل السياسى. فى نظرى أن نجاح الهدنة ثم العملية السياسية برمتها مرتبط بإدراك الروس والأمريكيين والمجتمع الدولى عمومًا أنه لن يكون من الممكن إنهاء الحرب السورية من خلال التوصل إلى تسوية بين الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة فيها حتى لو ضمنت هذه التسوية مصالح هذه الأطراف الأساسية جميعًا.
لن تنتهى الحرب ولن يحل السلام فى سوريا والمنطقة إلا بضمان مصالح السوريين وشعوب المنطقة عمومًا، أى بالاستجابة لتطلعات الشعب السورى نحو الخروج من نظام العبودية والقهر والإذلال والانتقال نحو نظام ديمقراطى ودولة مدنية تخضع لحكم القانون وتساوى بين جميع مواطنيها وتتعامل معهم من منطق الاحترام والسيادة، وتضع نفسها فى خدمتهم بدلًا من أن تجندهم لتحقيق مصالح نخبة صغيرة تعمل لصالح الدول الأجنبية على حساب مصلحة شعبها وضد تحرر أبنائه وانعتاقهم.
الحرب لا يمكن أن تنتهى بالاقتصار على تسوية إقليمية ودولية تتجاهل مصالح الشعب السورى وحقوقه، كذلك لا يمكن للسلام فى سوريا أن يتحقق بتجاهل مبادئ المساءلة والعدالة وتطبيق القانون.
لن تنتهى الأزمة إذا أعتقد البعض بأن حربًا ضروسًا أزهقت أرواح أكثر من نصف مليون سورى يمكن أن تنتهى من دون تحديد المسئوليات ومعاقبة الجناة مهما كانوا، أى أن السلام والمصالحة الإنسانية والوطنية يمكن أن يعودا من دون معاقبة أحد.
من هنا يشكل وضع روسيا طغمة النظام وممثلى الشعب فى المعارضة على قدم المساواة فى البحث عن الحل بداية خاطئة وفاسدة معًا فى نظرى.
نحن نرى المشهد المأساوى يتجسد من جديد فى صيغة الحل الذى تقترحه الدول، بما فيها تلك التى تحمست لثورة السوريين فى البداية ودافعت عن حقهم فى الكرامة والحرية، عندما تتخلى عن مواقفها السابقة وتنسحب من التزاماتها الدولية والأخلاقية، وتقبل بحل يجمع بين الجلاد والضحية، الذئب والحمل، فى حكومة واحدة، وتضرب عرض الحائط بمبادئ العدل والحق والقانون، وتتنكر لأبسط قواعد العدالة فى محاكمة المسئولين عن الجرائم التى وصفتها جميع المنظمات الحقوقية بأنها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب قام بها النظام عن قصد ومع سابق تصميم.
يواجه الشعب السورى اليوم، بعد خمس سنوات من الحرب الشاملة التى شنتها عليه قوى الاستبداد والأطراف الإقليمية الطامحة إلى الانفراد بالسيطرة على سوريا والمنظمات الإرهابية التى استقطبت عناصر التطرف وعبادة العنف من كل أنحاء العالم الإسلامى وغير الإسلامى، خطر فرض حل سياسى على السوريين يكافئ المجرم على جريمته ويحرم الشعب من ثمرة تضحياته وحقه فى استعادة كرامته ونيل حرياته الفردية والجماعية التى حرم منها وإقامة نظام سياسى جديد قائم على العدالة وحكم القانون وبناء دولة مدنية تعددية تساوى بين جميع مواطنيها وجماعاتها وتستجيب لتطلعاتهم الإنسانية والسياسية.

 

* أخذتنى إجابة برهان غليون إلى الوراء قليلًا، عدت إلى خمس سنوات مضت، ذاقت فيها سوريا كل معانى الدمار.  سألته: لماذا أكثر من ٤٧٠ قتيلًا فى ٥ سنوات (إحصائية للمركز السورى لبحوث السياسات) من أجل إزاحة ديكتاتور؟  - هو يعلق الجرس فى رقبة نظام بشار الأسد، وإيران، والمجتمع الدولى، ومنظمات الإغاثة. يفصل ما أجمله:

* «من أوصلنا إلى ما نحن عليه، أولًا: نظام الكراهية والتمييز شبه العنصرى الذى حكم البلاد وتحكم بها خلال نصف قرن، تحت حكم الطوارئ والإلغاء الكامل لكل أنواع الحقوق والحريات واستعباد المواطنين وتحويلهم إلى «عمال بالسخرة» تحت «إمرة طغمة فاسدة» و«مافيا دولية».
ثانيًا: وهم البابوية الدينية الذى يتحكم فى دولة إيران التى اعتقدت أن الصراع الداخلى السورى يمكن أن يشكل مدخلًا لإعادة السيطرة على سوريا ومن خلالها على البلاد العربية وتحقيق حلم «طهران الإسلامية» بانتزاع راية القيادة والهيمنة الإسلامية والإقليمية معًا باسم «تمكين الثورة».
ثالثًا: تخاذل المجتمع الدولى عن تقديم الحماية للشعب السورى كما تنص مواثيق الأمم المتحدة، وتغاضى الدول الكبرى - بما فى ذلك من ادعوا الصداقة لسوريا - عن التدخل العسكرى الإيرانى والميليشيات الطائفية والإرهابية الدولية الأخرى، وحرمان السوريين من وسائل الدفاع عن أنفسهم، وتعطيل قرارات مجلس الأمن.
بالنسبة إلى برهان غليون فإن المجتمع الدولى لا يستحق إلا أن يبصق عليه السوريون، لأنه خان كل تعهداته التى تنص عليها مواثيق الأمم المتحدة وأولها حماية المدنيين وعدم السماح لنظام دموى بأن يقتل شعبه ويدمر شروط حياته ويهجره فى كل أنحاء الأرض من أجل الاحتفاظ بالسلطة لرئيس فاقد العقل والبصيرة يعتقد أن الدولة والبلاد أصبحت مزرعة خاصة به، وأنه المالك الشرعى والوحيد لها، وأن شعبها ليسوا سوى عبيد يعملون بالسخرة فى مزرعته، وهو وحده الذى يملك حق الموت والحياة عليهم.
«هذا مجتمع دولى قوّض مؤسساته ووضع نفسه من دون أن يدرى فى فراغ أخلاقى وقانونى سوف يترجم فى المستقبل بنشر الفوضى وتوسع الحروب والنزاعات على السلطة فى كل العالم، ويشجع الطغاة على استخدام كل الأسلحة بما فيها الكيماوية للدفاع عن ديكتاتورياتهم وتعلقهم بالسلطة ضد إرادة شعبهم».
رابعًا: إخفاق منظمات الإغاثة الدولية الإنسانية فى القيام بواجباتها، وتواطؤها مع النظام السورى، وقبولها بسياسات حصار المدن وتجويع السكان وقصفهم بالبراميل المتفجرة، وتغاضيها عن عمليات التهجير المنهجى والمنظم لهم لدفعهم إلى ترك البلاد وإفراغها من سكانها.

 

* بعد كل هذا الدمار هل لا تزال الثورة فى سوريا مستمرة حقًا؟
* يرتدى برهان غليون ثوب المفكر فى الإجابة عن هذا السؤال: «قبل أن تتجسد الثورة فى تظاهرات مليونية ثم فصائل مقاتلة، كانت ولا تزال تكمن فى المبادئ والقيم التى فجرت التظاهرات ودفعت الشبان لحمل السلاح للدفاع عنها». هذه الثورة كانت ولا تزال وستستمر، مهما كان مصير التظاهرات والمتظاهرين ووسائل دفاعهم عن أنفسهم.
قيام الثورة هو نفسه انتصارها، لأن قيامها يعكس بحد ذاته انكسار منطق النظام القديم وفشله وانهياره. مقاومة هذا النظام قد تطول وتستمر لكنها لن تغير ما تغير فى نفوس الأفراد وقلوبهم وعقولهم. منذ الآن نحن فى سجل اجتماعى وسياسى مختلف تمامًا عن السابق.
سيظهر ذلك بعد أن ينجلى غبار المعارك وتزال أنقاضها، وتتوقف الحروب العديدة الأخرى التى اندلعت على هامشها ثم تحولت إلى مقدمة الساحة السياسية والعسكرية، وأخفت معركة الثورة الأساسية، وأولها الحرب الإقليمية التى تخوضها طهران من أجل فرض هيمنتها السياسية والاستراتيجية على المشرق برمته، والحرب الدولية التى تسعى موسكو من خلالها إلى تصفية حساباتها مع الغرب وإعادة نفسها فى الساحة الدولية، وأخيرًا الحرب الإرهابية التى تخوضها منظمات خرجت عن النظام الوطنى والإقليمى والدولى، وقررت زرع العنف والدمار والفوضى فى العالم على سبيل الانتقام واليأس وانعدام الرؤية والشعور بالمسئولية والضياع الأيديولوجى. وكذلك الحروب المذهبية والطائفية التى ولدت فى ثنايا تلك الحروب ولم تقل عنها ضراوة وعنفا.
فى اعتقادى أن «الأسد» سقط منذ عام ٢٠١٢، لكنه أعيد إلى الحياة واستخدم وجوده ونظامه قناعًا تخفى وراءه طهران ثم موسكو حربيهما الضاريتين من أجل تحقيق ما يعتقدان أنه مصالحهما القومية وتقليل نفوذ خصومهما الإقليميين والدوليين.

 

* عند هذه النقطة سألته: هل من توضيح؟
* يقول: «يقدم لهم وجود الأسد فرصة كى يتحللوا من جميع المسئوليات المترتبة على الأعمال القذرة والجرائم الشنيعة التى يقومون بها أو يكلفونه بها، ويلقون مسئوليتها القانونية والأخلاقية على كاهله بعد أن أصبح شخصية مدانة، ومجمعًا على تجريمها من قبل جميع الحكومات والمنظمات الإنسانية، وهذا يفسر تمسكهما المستميت به، وسوف يتخلصان منه بسهولة وبسرعة عندما يضمنان الوصول إلى أوضاع يمكنهما من خلالها الدفاع عن مصالحهما والاحتفاظ بها من دونه».

 

* يشغلنى كثيرا سر صمود هذا النظام.. هل لديك تفسير؟
* ليس فى ذلك أى سر، صموده ناجم عن أنه لم يعد سوى أداة فى يد قوى أكبر منه، لديها القدرة على إنقاذه ووضعه على قدميه من أجل الاستمرار فى خوض الحرب الخاصة بها ودفاعا عن مصالحها.
أنقذه فى البداية «حزب الله» الذى خشى أن تقطع ثورة السوريين «حبل سرته» مع طهران، ثم عشرات الميليشيات الطائفية العراقية التى زجت بها إيران، ثم الحرس الثورى الإيرانى، ومنذ أشهر دخلت إلى الميدان القوة الروسية التى هى ثانى قوة عسكرية فى العالم.
ما أبقى على النظام هو تحويل الصراع السياسى الداخلى إلى حرب إقليمية ودولية بمساعدة طهران وموسكو الناقمتين على الغرب، وطبعًا خيانة الغرب للقيم والمبادئ التى يدعى الدفاع عنها فى حقوق الشعوب الإنسانية وتردده فى تقديم أى دعم جدى لصالح الثورة المدنية والديمقراطية.

 

* هل سوريا ما بعد التدخل الروسى مثل ما قبله؟
* قلب التدخل الروسى بالتأكيد ميزان القوى رأسًا على عقب، لما أدخله من قوة قادرة على تعميم سياسة الأرض المحروقة التى كان يتبعها النظام، واستعادت الميليشيات الطائفية التى يعتمد عليها النظام على الأرض، بما فيها الحرس الثورى الإيرانى، قسمًا من المواقع التى كان يسيطر عليها الجيش الحر.
لكن لن تكون لهذه المكاسب أهمية كبيرة على المدى الطويل ولا على طاولة المفاوضات، فليس لدى النظام القدرة على الإمساك بالأرض التى يحتلها حتى لو أفرغها من سكانها، وكل ما يحققه هو كسب المزيد من الوقت قبل أن يعيد مقاتلو المعارضة ترتيب أوضاعهم لخوض حرب عصابات طويلة تستنزف الروس والإيرانيين معًا أو يتحقق بالفعل الوعد بالتوصل إلى حل سياسى يستبعد «الأسد» وزبانيته.

  

* بمنطق برجماتى.. هل يمكن أن يكون خروح «الأسد» إلى روسيا مثلا مخرجًا للأزمة يريح جميع الأطراف؟
* عندما تنتهى وظيفته بالنسبة للروس والإيرانيين لن يفكر أحد فى خروجه ومصيره، ولن يطرح أحد من القوى التى تحميه وتستخدمه مثل هذا السؤال.
لدى برهان غليون ٣ أسباب لتوسع الإرهاب فى سوريا أولها: غياب قيادة مركزية للثورة نتيجة الطبيعة الشعبية والعفوية، وثانيها: رفض الدول والجمعيات التى دخلت فيما بعد فى تمويل الفصائل أو تسليحها، مشروع المجلس الوطنى السورى - الذى كنت على رأسه منذ أربعة أعوام - تنظيم الثورة تحت قيادة عسكرية واحدة، أملًا منها بأن تحافظ كل دولة على نفوذها الخاص وتمنع المعارضة فى الوقت نفسه من تشكيل قيادة مركزية تزيد من هامش مبادرتها وحريتها واستقلالها تجاه الدول الداعمة. وأخيرًا: تنافس هذه القوى الداعمة نفسها وأحيانًا صراعاتها الخاصة، بصرف النظر عن علاقتها بالثورة السورية.
إن الإرهاب انعكاس لعالم عربى مقسم وممزق أضر بالثورة السورية حتى عندما أراد الدفاع عنها ودعمها، وذلك فى شقيه الرسمى والشعبى على حد سواء.

 

* سألته: كأستاذ فى علم الاجتماع (وعلم الاجتماع السياسى خصوصًا) هل يمكن أن تعود بنا إلى قراءة الأسباب الثقافية والمقدّمات النظرية لظاهرة الإرهاب عموما و«داعش» على وجه الخصوص؟
* «داعش» هو المسخ الذى ولد من تناقضات ومفارقات السياسات الغربية التى تجلت أول مرة فى بشاعتها القصوى فى حرب أفغانستان عندما استخدمت الشباب العربى باسم «المجاهدين» ودربتهم وسلحتهم ليشاركوا فى الحرب ضد الاحتلال الروسى ثم تخلت عنهم كـ«الكلاب الضالة» وطلبت من حكوماتهم أن تعدمهم بصمت. وقد حصل هذا بالفعل للعديد منهم.
من هذه الفئة - التى أنقذت نفسها من الموت وعاشت تحت الأرض فى رعب وخوف كبيرين، وصارت عقيدتها الحقيقية الكفر بكل آخر، وبالدولة والحكومات والعدالة - ولدت النواة الصلبة الخارجة على كل دولة وقانون، والمعبأة بكل مشاعر الحقد والضغينة والانتقام، وعاشت فى الظلام بانتظار أن تجد مكانا تظهر فيه قوتها وتعيد بناء نفسها وتتحول إلى قوة قادرة على التحدى وإنزال الأذى والانتقام.
بمفردها، ما كان بإمكان المنظمة الأولى لـ«القاعدة» أن تقوم بأعمال أكثر من شن هجمات إرهابية هنا وهناك، وكان من المحتم أنها ستختفى مع الزمن وتزول بعد أن تفقد مبرر وجودها، أى الانتقام ممن تعتقد أنه السبب فى محنتها، لكن سرعان ما وجدت هذه النواة الصلبة حياة جديدة ووظائف جديدة أيضًا ساعدتها على التحول من منظمة إرهابية صغيرة تعيش تحت الأرض وتخاف من جميع الدول والأنظمة، إلى قوة تشارك فى معارك وفى حروب مع غيرها.
جاءتها الفرصة عندما قررت واشنطن غزو العراق وتدميره وتشريد آلاف الضباط والجنود وتسليم البلاد لـ«طغمة طائفية» مرتبطة بالأجنبى.
هكذا عرفت هذه المنظمة، بعد سقوط بغداد الثانى، وانهيار الدولة العراقية، وترسخ سلطة الحكم الطائفى الجديد، أكبر طفرة فى حياتها، وبدأت مسيرتها الجديدة الظافرة عندما تم استدعاؤها من قبل النظامين السورى والإيرانى للقضاء على الوجود الأمريكى فى العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين عام ٢٠٠٣. وفى هذه الحرب أعيد تأهيلها وتطبيع وجودها، ولو بشكل شبه سرى، واختلطت فى هذه المناسبة مع قوى جديدة ليست من طينتها ولم تعش التجربة القاسية نفسها لكنها لم تكن أقل منها حبًا للانتقام لنفسها، وأقصد بقايا الجيش العراقى الذى دمرته طائفية الحكم الجديد، وحكمت عليه بالموت ودفعته إلى الانتقام.
لكن الحقبة التى أطلقت قواها من عقالها وأخرجتها من عزلتها وجذبت إليها الألوف من العناصر الجديدة هى انهيار الأوضاع العراقية والسورية، والحرب الطائفية التى شنت ضد قطاع من السكان الثائرين أو المعارضين الذين كان النظام يشك بولائهم فى العراق، أو يريد سحق ثورتهم فى سوريا. وبمقدار ما زاد عدد الملتحقين بها من المنطقة وخارجها، واختلفت أهدافهم وولاءاتهم، صارت أفكار «القاعدة» الأولى عاجزة عن احتواء نمو الحركة وتوسعها، ونشأت فيها تيارات متعددة أهمها تنظيم «داعش» الذى أعتقد أنه صار من القوة بحيث يستطيع أن يطمح إلى بناء دولة مضادة للدول القائمة ومقاتلتها، وتنظيم «النصرة» الذى أدخل بعدا وطنيا فى منظوره للصراع والتحق بفصائل الثورة السورية من دون أن يتخلى عن عقيدته الأصلية.
هكذا بدل أن تموت الفئة الصغيرة التى هربت بنفسها من «القاعدة» الأصلية، كما كانت تعتقد حكومات الدول الكبرى المعادية لها، وجدت لنفسها شروط نمو جديدة، بسبب استثمار بعض الفئات الاجتماعية المهددة فى حياتها وبقائها من جهة، واستثمار أجهزة الأمن والمخابرات التابعة للدول المتنازعة على الهيمنة الإقليمية فيها أيضًا لاستخدامها، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، لإضعاف فرص منافسيها فى الصراعات الإقليمية.
ليس لنشوء «القاعدة وداعش والنصرة» أى علاقة كما يعتقد أكثر المحللين بسمات أيديولوجية موجودة فى العقيدة الدينية أو فى هذا المذهب أو ذاك من المذاهب الإسلامية.
بل ليس من الضرورى أن يكون للملتحقين بها علاقة بالإسلام نفسه، وقد تم التحقق من أن بعض من قاموا بعمليات إرهابية فى أوروبا مع «فريق داعشي» كانوا على دين آخر.
البذور الحقيقية النفسية والفكرية لها هى اليأس من المجتمع والدولة، وتعمق روح الضغينة والحقد والكراهية وإرادة الانتقام عند الفرد من مجتمعه «الكافر» أو من الدول والمجتمعات الأخرى، وهذه الإرادة هى التى تولد العقيدة العنيفة والتطرفية التى تبرر الإرهاب وتزينه للفرد وليس العكس.
ليس لكل ذلك أساس لا فى ثقافة العرب ولا فى دين المسلمين ولا فى مذاهب السنة ولا فى المدرسة الوهابية كما يريد الكثيرون أن يذهبوا اليوم ليغطوا على المسئوليات الحقيقية لنشوء التطرف والإرهاب.
إن المذهب ينشأ هنا ليلبى ممارسة دفعت إليها سياسات الدول والحكومات، وفشلها فى إدارة شئون المجتمعات واحتواء عناصر الرفض والقطيعة والاحتجاج ورهانها على القوة والعنف بدل طريق التربية والدمج والمشاركة، وتجاهلها أسس الحق والعدالة والمساواة.

 

* العنف والقتل والتخريب والتدمير ليس بحاجة إلى ثقافة ولا دين، إنه بالتعريف ضد الثقافة وبرهان على غيابها.. «داعش» ابن الماضى أم الحاضر؟
* واضح أنه ابن العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين، ابن تخبط السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط الواسع، وابن السياسة الطائفية لحكومة «المالكي» فى العراق ومن ورائه طهران وطموحاتها بعزل سنة العراق واستبعادهم من المشاركة فى حكم وطنهم وتهميشهم وشل إرادتهم لضم البلاد وإلحاقها بإيران، وابن الحرب العدوانية التى قرر «الأسد» وطغمته خوضها للبقاء بأى ثمن فى السلطة وحرمان الشعب من حقه فى الحد الأدنى من الكرامة والحرية والمشاركة فى حياته السياسية.
جذور «داعش» موجودة فى السياسات الإجرامية التى تتبناها حكومات تعتقد أن لها كل الحقوق، بما فى ذلك حرمان الناس من حقوقهم وتدمير حكم القانون، والتى تريد تحويل الجريمة إلى قانون، ولا توجد عند المنظمات المتطرفة عقيدة أخرى سوى تحويل الجريمة إلى حق، أى إلى قانون.

 

* تتداول بعد فترة وأخرى عبارة لكم عشية أحداث ١١ سبتمبر (تبرؤ الرأى العام العربى من الإرهاب موقف طفولي).. أين مسئولية العرب والمسلمين عن الإرهاب؟
* هذا بالتأكيد رد على من كان يريد الدفاع عن التطرف، ويتهم من يدينه فى الخارج غير العربى والإسلامى بأنه اتهام لا علاقة له بالواقع.
نحن العرب لدينا مشكلات كثيرة ومنها مشكلة التطرف، وعلينا أن نبحث عن الحل لدينا لا أن نرمى المسئولية على الآخرين، لكن هذا لا يعنى أن كل عربى أو مسلم مسئول عن التطرف، أو أن أصل التطرف موجود فى المذهب والدين.
علينا أن نعترف بأن التطرف الذى يولد فى مجتمعاتنا هو ثمرة سياسات حكوماتنا وفشلها والنظام الدولى والاستعمارى بالطبع، وهو مختلف كليا عن التطرف الذى عرفته مجتمعات عربية وإسلامية فى العقود الإسلامية الأولى أو فى مجتمعات غير عربية.
لا يوجد تطرف سببه الأيديولوجية فقط، هو دائما ثمرة شروط اجتماعية وسياسية محلية ودولية، حتى لو أنه حاول أن يبحث عن شرعنة نفسه فى الدين، كما يحصل اليوم فى مجتمعاتنا العربية، وكان من الممكن كما حصل فى مجتمعات أخرى أن يبحث عن شرعنة نفسه فى الماركسية مثلًا أو فى العنصرية بكل بساطة.

 

* ألا تتحمل المعارضة السورية بتشتتها وانقسامها جانبًا من المسئولية عن ظهور «داعش»؟
* المعارضة السورية هى جزء من الماضى غريب على الثورة، وبقى غريبا عنها، لكن لا أعتقد أنه كان لانقساماتها دور فى ظهور «داعش أو النصرة»، بالعكس لقد وقعت هى نفسها ضحية ظهور «داعش» ونمو «النصرة» اللذين شجع على بروزهما النظام وطهران من أجل إفشال المعارضة والتغطية على حقيقة الثورة السورية وهويتها الديمقراطية والإنسانية، وبالتالى تبرير قتالها والقضاء عليها حتى لو اقتضى ذلك تدمير الدولة السورية.

 

* كسياسى.. كيف ترى معادلة إما النظام أو داعش والنصرة؟
* غبية، ولا أخلاقية، لأنها تعبر عن الإصرار على الأخطاء التى كانت وراء ظهور التطرف نفسه، أى على سياسة تجاهل حقوق الشعوب وشرعنة قهرها بالقوة وتهميشها وإهانتها واحتقارها والتمييز ضدها.

 

* كان حديث برهان غليون المغلف عن مواقف بعض الدول العربية من مسألة دعم الثورة السورية دافعًا لى كى أتوقف قليلًا أمام موقف كل دولة على حدة، وبدا الرجل متحفظًا فى الحديث بأكثر مما ينبغى. سألته: كيف تقيم الموقف المصرى مما يحدث فى سوريا؟ 

* مؤسف. الأسف هنا ليس لأن مصر وقفت مع طرف ضد الآخر إنما لأن موقفها «حيد أكبر قوة عربية فى صراع تاريخى على تقرير الهيمنة الإقليمية ومصير الإقليم، وبالتالى مصير مصر نفسها ودورها فى بلورة الأجندة الإقليمية والمشاركة فى تحقيقها».
يقول: «سوف تكتشف مصر قريبًا الخطأ الكبير الذى اتخذته بانسحابها من هذا الصراع، عندما كنت أجتمع كرئيس للمجلس الوطنى، منذ عام ٢٠١١، بالمسئولين المصريين، كانوا يؤكدون لى أن سوريا هى جزء من الأمن القومى المصرى وليس العربى فحسب، لكننى لم أجد فيما بعد أى ترجمة على الأرض لذلك».
اتجهت السياسة الرسمية المصرية أكثر فأكثر فى اتجاه الحياد، والآن لم تعد أصلًا فى المشهد، ولم يعد لديها الدور الذى يجعل دولًا مثل إيران وروسيا وأوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج العربى تثق بقدرتها على لعب أى دور.

 

* ألا ترى فى الأفق أى بادرة على قدرة القاهرة إدارة مفاوضات مجدية لإنهاء الأزمة؟
* هذا ما كان يتمناه السوريون، وما دعوا إليه منذ بداية الثورة، مصر فى نظر السوريين الأخت الكبرى القريبة جدا والشقيقة بالفعل، لكن مصر الحالية تخلت عن سوريا ونأت بنفسها عن السوريين واختارت أن تلعب دورا ثانويا من خلال تأمين نفوذ لدى بعض أشخاص المعارضة المناوئين للتيار الرئيسى الممثل فى الائتلاف.

 

* ماذا عن الجامعة العربية؟
* الحرب السورية قوضت صدقية الجامعة العربية تمامًا، بعد أن ظهر فشلها من قبل فى مواجهة كل الأزمات التى تعرضت لها الكتلة العربية. منذ الآن لم تعد هناك دولة عربية تعتقد فعلًا بنجاعة العمل من داخل الجامعة العربية أو تؤمن بإمكانية وضرورة إصلاحها وتطويرها.

 

* وبالنسبة إلى تركيا وقطر والسعودية والولايات المتحدة؟
* من المعروف أن الدول الثلاث الأولى هى الأقرب والأكثر دعما للثورة والشعب السوريين من كل النواحى وفى جميع الميادين.
أما الولايات المتحدة فقد أخلت بالتزاماتها وخانت وعودها وخيبت أمل السوريين والعرب جميعا، والعالم كله ينظر اليوم، بما فى ذلك قطاعات واسعة من الإدارة والطبقة السياسية الأمريكية إلى سياسة الرئيس أوباما على أنها قوضت صدقية الدولة الأمريكية وادعائها الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية.

 

* على ذكر الدورين السعودى التركى.. كيف استقبلت أنباء العلمية البرية قبل توقيع الهدنة؟
* للأسف تأخرت الدولتان الحليفتان كثيرًا عن القيام بمبادرة كانت منتظرة منهما منذ وقت طويل، بسبب رهنهما قرارهما بالقرار الأمريكى، وهذا ما ترك المجال مفتوحًا أمام روسيا التى أدركت أنها تستطيع التدخل من دون مواجهة أي عقبات، ووضع اليد على الدولة السورية والنظام المتهالك، وقطع الطريق على جميع الدول الأخرى، ومنها العربية والتركية معًا.

بالنسبة لى فإن مجازفة المثقف بدخول «حظيرة السياسة» تستحق التوقف أمامها قليلًا. كيف يجمع بين «انتهازية السياسة» و«يوتوبيا المثقف». بتعبير الدكتور إدوارد سعيد «المثقف ليس السياسى المحترف ولا الخطيب البارع الذى يستميل السامعين». 

 

* سألته: لماذا يدخل المثقف «عالم السياسة» ثم يخرج منه؟
* يقول: أنا لم أدخل عالم السياسة ولكننى دخلت عالم الثورة، ووضعى لا يختلف أبدًا عن وضع أى فرد من الشعب السورى الذى نزل إلى الشوارع والميادين يطالب بحريته وكرامته، بعضهم قضى فى سبيل قضيته وشرف شعبه وبعضهم لا يزال يقاوم بالسلاح أو التظاهرة أو الكلمة، ولا يختلف وضعى عن وضع أى واحد من هؤلاء.
السياسة التى تعنى التضحية من أجل المبادئ العادلة وحرية الشعوب والإنسان الفرد، كما فعل من قبل آباء الاستقلال فى بلادنا كلها، ليست حكرًا على طبقة سياسية تمتهن السياسة، وهى ليست احترافًا للسياسة ولكنها قيام بواجب مطلوب من كل فرد، وهى من نوع السياسة النبيلة التى لا تتناقض ولا شعرة واحدة مع الثقافة لأنها هى التجسيد الحى للثقافة وقيمها الرئيسية التى تشكل رصيد الشعوب، قيم التضامن والتعاون والتضحية من أجل المبادئ والحقوق والعدالة والكرامة والحرية، أى من أجل تحرير الإنسان.
ما فعلته هو القيام بواجبى كمواطن، بصرف النظر عن مهنتى، وهو ليس تبديل لها لأننى لم أحترف السياسة ولن أحترفها، وهذا كان فى الواقع موقفى قبل الثورة وخلالها وسيبقى بعدها، ولم يكن اختيارى رئيسًا للمجلس الوطنى السورى إلا من باب الاعتراف بصلابة هذا الموقف وتتويجًا له فى الوقت نفسه، وسأظل مدينًا للشعب لهذا الاختيار الذى حملنى مسئولية تمثيل الثورة والدفاع عن حقوق الشعب فى فترة استثنائية وفريدة من تاريخ نضال السوريين من أجل الحرية، ومهما كانت النتائج، أعتقد أننى سعيت إلى القيام بواجبى بكل ما أوتيت من قوة ومعرفة وإيمان، ولن أتردد فى أى لحظة عن تلبية نداء شعب عظيم ضحى بخيرة أبنائه، نساءً ورجالا، من أجل كسر قيود الديكتاتورية ونير الاستبداد.

 

* كيف تنظر إلى مواقف بعض المثقفين الداعمة للأسد (أدونيس على سبيل المثال)؟
* لا تهمنى ولا أعتقد أن لها أى أهمية، المهم هم الناس الحقيقيون الذين يعرفون ماذا يريدون ولديهم الاستعداد والإرادة لتحقيق أهدافهم والتضحية من أجلها.

 

هامش
فى حوار له مؤخرًا مع «دويتش فيلله» بعد فوزه بجائزة السلام إيريش ماريا ريمارك، تراجع «أدونيس» قليلًا عن دعم «الأسد»، حيث ذكر أنه «بإمكان الأسد البقاء فى الحكم ربما لفترة من الوقت طالما أبقت روسيا يدها ممدودة لحمايته، لكنه لم يعد قادرًا على الاستمرار وعليه الرحيل، لقد انتهى أخلاقيًا، لكن السؤال يبقى: من سيأتى بعده؟».

 

* لا تزال متفائلا؟
* نعم بالتأكيد، الأفراد زائلون والشعوب وحدها الباقية، وقد وضعت ثورات الربيع العربى بذور تحولات لن تتوقف تحت الأرض وفوقها وولدت، بصرف النظر عن المشهد المأساوى الراهن، مشاعر ومبادئ وقيمًا جديدة لن يطول الوقت قبل أن يظهر أثرها فى الواقع المعاش، هذا هو التاريخ وهذه سننه التى لا تتبدل، ولا يمكن للكابوس مهما طال أن يقتل الحلم أو يحل محله.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن تآلفًا رجعيًا قويًا من القوى الداخلية والخارجية قد عمل بكل قدراته لإجهاض ربيع الشعوب العربية من أجل إعادتها إلى «قفص العبودية والاستغلال»، وأن ثمن هذا الإجهاض قد تجاوز كل الحدود ليحرق البشر والحجر ويسد أبواب الأمل والمستقبل، ومهما كان الحال لن يربح الطغاة المحليون والخارجيون الحرب ولن ينجحوا فى وأد ثورة الشعوب.
لقد زرع «الربيع العربي» تحت الأرض المحروقة بالحرب والأسلحة الكيماوية والمعلمة بحفر المقابر الجماعية بذور ثورات لن تنتهى قبل أن تغير واقع المجتمعات وتحيل الديكتاتورية وحكم التعسف والطغيان واحتقار الإنسان إلى رماد، بعد شتاء العنف الأعمى واغتيال ثورات الشعوب وحقوق المجتمعات سيأتى لا محالة ربيع الكرامة والحرية والانعتاق.