المغرب:  توصّل السوريين إلى تفاهم في ما بينهم لـم يعد ممكنا دون تحرّرهم من سيطرة القوى الإقليميّة والدوليّة

2014-02-22 :: المغرب

 - للمغرب
 
شدّد الدّكتور برهان غليون الرئيس السّابق للمجلس الوطني السّوري في حوار مع«المغرب» على أن نظام بشّار الأسد شارك في مؤتمر جنيف2 تحت ضغوط قوية من روسيا لا من أجل التوصل إلى حلّ للأزمة السورية معتبرا انه من المستحيل تحقيق تسوية بين الطرفين قبل التحرر من سيطرة القوى الخارجية . مؤكدا انه لا تزال أمام المعارضة السورية أشهر طويلة من المواجهة العسكرية والسياسية والدبلوماسية قبل أن تتّضح معالم المستقبل ليبدأ ربما تفاوض جدّي بين الجانبين.
ويعتبر برهان غليون من أبرز المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد وهو أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس . تم تعيينه رئيساً للمجلس الوطني السوري الذي تشكل وتأسس في العاصمة التركية أنقرة .
 
* ماهي قراءتكم للمشهد السّوري، ولماذا حسب رأيكم فشلت مفاوضات مؤتمر جنيف2بجولتيها الأولى والثّانية؟
* بعد ثلاث سنوات من الصراع المرير فقد فيه السوريّون مئات آلاف الشهداء، وشرد فيه نصف السكان بين مهجرين ونازحين ودمر ثلث المباني والمنازل وتمّ تخريب البنية التحتية والاقتصاد بشكل كبير، لا تزال خطّة نظام المافيا كما كانت وهي استخدام كل ما يتوفّر عليه من قوة جيش أعدّ لمواجهة عدوّ مدجج بالسلاح كإسرائيل لكسر إرادة الشعب وتحطيم أحلامه من أجل إعادته إلى العبودية التي ضحى بكل شيء للخروج منها. يساعده في هذا المشروع الإجرامي على المستوى الإقليمي إيران ، وعلى المستوى الدولي روسيا التي تريد أن تقتص من الغرب الذي أهملها وهمشها خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة على حساب الشعب السوري.
ومن الجهة الثانية تستمر مقاومة الشعب السوري بكل أشكالها الفكرية والسياسية والعسكرية متحدية المجازر الجماعية وحرب التجويع والقصف والدمار والتشريد والتهجير والسجن والتعذيب والتسميم بالأسلحة الكيميائية، في ظروف العجز المفجع للمجتمع الدولي عن اتخاذ قرار حتى بإدانة ما يجري من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، بل حتى عن تقديم المساعدات الإنسانية للشّعب المنهك والمحاصر في المدن والقرى، في تحدّ فاضح للقوانين والمواثيق الدولية.
وفي القريب، يقف العالم العربي بأغلبه موقف المتفرج على عملية الذبح اليومي للسوريين من قبل نظام لم يعرف يوما معنى احترام الحياة الإنسانية، إلا من فئات قليلة تتألم لمعاناة السوريين من دون أن تعرف كيف تستطيع مدّ يد العون لهم ومساعدتهم على تحمل المحنة المأساوية التي يعيشونها. وخلف كل هذا القتل والدمار اشتعال شرارة الحرية والكرامة في قلب شعب لا يزال يعيش في الذل والعبودية وتحت قانون الطوارئ والأحكام العرفية وتغوّل الأجهزة القمعية منذ نصف قرن، وفي بلد تحولت فيه الجمهورية إلى ملكية وراثية والدولة إلى مزرعة عائلية لبيت الأسد والحلقة القريبة المتحالفة معه، وتم فيها تجريد الناس من كل حقوقهم المدنية والسياسية على حد سواء.
 
* هل أصبحت مفاوضات جنيف تعيد إنتاج نفسها كمفاوضات من أجل المفاوضات؟
* حتى تكون هناك مفاوضات بالفعل ينبغي أن يكون هناك طرفان لديهما الإرادة للتوصل إلى حل، مهما كان، وأن يتفقا منذ البدء على الهدف المشترك الذي يريدان الوصول إليه.والحال ليس هناك إلا طرف واحد هو المعارضة التي تعرف معاناة السوريين وتسعى إلى التعجيل بحل يخفف من آلامهم، في الوقت الذي لا يزال فيه نظام الأسد يستخدم البراميل الحارقة والمتفجرة ليفرض عليهم الاستسلام الكامل ويسعى بجميع الوسائل إلى قطع الطريق أمام أيّة تسوية سياسية باستخدام حرب التجويع لإجبار السكان على الخضوع لإرادته والتخلي عن الثوار ومبادىء الثورة ذاتها.
الواقع أن النظام اضطر للذهاب إلى جنيف تحت ضغط الروس. وهو في الحقيقة معترض كليا على أي مفاوضات، ولا يزال يرفض الاعتراف بالثورة والمعارضة، ويطلق على الجميع اسم الإرهابيين. وكل ما كان يردده في جنيف هو عرض الاستسلام على المعارضة بوصفها منظمة إرهابية والمشاركة في حكومة خاضعة لسلطة الأسد وأجهزته الأمنية. وهذا ما أثار حفيظة الوسيط الدولي الذي حاول الالتزام بهدف مؤتمر جنيف الرامي إلى تحقيق الانتقال السياسي نحو نظام ديمقراطي، من خلال مرحلة انتقالية تشرف عليها هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، تتشكل بالتوافق بين النظام والمعارضة، وتعيد توحيد القوى العسكرية لتحافظ على مؤسسات الدولة وتخرج البلاد من الحرب والعنف والفوضى.
 
* ماهو البديل حسب رأيكم لحل الأزمة السورية بعد فشل المفاوضات؟
* لا بديل عن التوصل إلى حل سياسي يوقف الحرب والعنف والنزاع. لكن لا يمكن إقناع النظام الذي تعود التغوّل على الدولة والمجتمع، واحتكار السلطة واستخدام العنف الأعمى والإرهاب كسلاح لإخضاع الشعب، إلا بانخراط أكبر للمجتمع الدولي وللدول والشعوب العربية أيضا إلى جانب الشعب السوري وقيامهم بالضغط الكافي، من كل نوع بما في ذلك دعم الجيش الحر بصورة علنية وقوية لتأكيد تمسكهم بتطبيق قرار مجلس الأمن، ووضع حد لحلم النظام في إعادة تأهيل نفسه دوليا بعد كل ما مارسه من جرائم ضد الإنسانية، وتحقيق الانتقال السياسي، ونقل سوريا إلى نظام جديد تعددي وديمقراطي مدني يضمن وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، ويساوي بين جميع أبنائها، ويلفى كل أشكال التمييز الاجتماعي أو الطائفي أو الإثني.
ومثل هذا الانخراط القوي للمجتمع الدولي هو وحده الذي يدفع أطرافا في النظام إلى التحرر من وهم الانتصار أو الحسم العسكري وإخراج الشعب ذليلا وفاقدا كل شيء من النزاع ويحي الأمل لدى الشعب السوري بالخروج من المأساة ويعيد الثقة بالدولة والنظام والقانون.
 
* هنالك من يرى أن الحكومة والمعارضة باتتا خاضعتين لضغوط أطراف أخرى، فهل فقد السوريون قرارهم الوطني المستقل؟
* لم يعد يغيب على احد أن النزاع في سوريا لم يعد يقتصر على صراع الشعب مع سلطة جائرة وفاقدة للأهليّة في الحكم، وأنه تحوّل بفعل تدخّل القوى الأجنبية والميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية والإيرانية إلى صراع إقليمي تتجاوز رهاناته السيطرة على سوريا الأمويين، وتصبّ في السيطرة على المشرق العربي برمته. كما أعطى العناد الدبلوماسي الروسي لهذا النزاع طابعا دوليا قويا في الوقت نفسه.
نحن مدركون أن توصل السوريين إلى تفاهم في ما بينهم لم يعد ممكنا من دون تحرّرهم من سيطرة القوى الإقليمية والدولية، أو من دون حصول تفاهم مسبق بين هذه القوى التي أصبح لها تأثير كبير على تطور الأحداث. ومن الواضح أن مثل هذا التحرر لا يزال صعبا لتباعد المواقف بين طرف لا يبحث إلا عن هزيمة الطرف الآخر وهو النظام، وطرف هو المعارضة التي لا تتلقى عشر ما يحصل عليه النظام من دعم مالي وعسكري من حلفائه وبالأحرى موكليه الإقليميين والدوليين.
ثم إنّ التفاهم الإقليمي والدولي لا يزال، كما هو ظاهر، بعيد المنال. مما يعني أنه لا تزال أمامنا أشهر طويلة من المواجهة العسكرية والسياسية والدبلوماسية، الأسوأ، قبل أن تتّضح معالم الطريق ويبدأ ربما تفاوض جدّي للخروج من المحنة السوداء.
 
* ماتفسيركم للاتّهامات الروسيّة الأمريكية المتبادلة بخصوص عدم التوصّل إلى حلّ للصراع السوري؟
* بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكيّة تضغط على المعارضة لدفعها إلى قبول التسوية السياسيّة والانخراط الجدّي في مؤتمر جنيف كانت موسكو تشجع نظام الأسد على التعنّت والتطرّف وترفض حتى إدانة استخدامه للبراميل الحارقة والمدمرة التي لاهدف لها سوى قتل الأبرياء وترويع السكان وتهجيرهم من مدنهم للانفراد بالمقاتلين أو فصلهم عن حاضنتهم الشعبية.
لو قبلت روسيا أن تعمل بشكل ايجابي لكانت أوقفت تزويد النظام بالأسلحة وضغطت عليه لوقف القصف العشوائي للمدنيين. لقد أعادت الوسائل التي يستخدمها النظام السوري ربما بتوجيه ودعم من الروس، إلى الأذهان صور الحروب الهمجية التي عرفتها القرون الوسطى والتي كان الذبح والقتل والسبي والتشريد والتدمير سلاحها الأكثر فاعلية لإخضاع الشعوب وتفكيك عرى وحدتها ونسيجها ودفعها للانحلال والاضمحلال.
لكن في النهاية لن يصح إلا الصحيح. ولن يستطيع نظام عنصري فاشل، مهما بلغت به الوحشية وتحدي الإرادة الدولية أن يهزم شعبا قرر استعادة حريته وكرامته بأي ثمن، وأظهر استعداده للتضحية بخيرة أبنائه وكل ما لديه لتحقيق الانتصار.