العربي الجديد: الغرب لم يقدم دعمًا للربيع العربي

2016-01-18 :: العربي الجديد

  محمد المزديوي - العربي الجديد

 

يعد الدكتور برهان غليون واحدًا من أهم المثقففين العرب. دأب على الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية من خلال كتبه خصوصًا "بيان من أجل الديمقراطية". كما عمل أستاذًا لعلم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون، وترأس المجلس الوطني السوري السابق.


* ما الذي تغيَّر منذ صدور كتابك اللافت "بيان من أجل الديمقراطية" إلى اليوم؟ ألا تزال الديمقراطية غاية؟ وهل ستحقق، يوما في عالمنا العربي؟

* يتبين مما يجري أن الديمقراطية مهمة بالنسبة للعرب أكثرَ من أي قضية أخرى، ومؤشّرات الرأي التي نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تبين أن القضية المركزية عند الشعب العربي هي قضية الديمقراطية. وهذا شيء منطقي، وهو ما تحدثت عنه في كتابي سالف الذكر "بيان من أجل الديمقراطية"، أي أن قضية السلطة وتنظيم السلطة وإدارة شؤون البلاد قضية مركزية. فحول هذه القضية تدور أعنف وأكبر معارك المجتمعات العربية، وآخرها معركة الربيع العربي وثوراته العديدة التي تحولت إلى حروب دموية. فوراء قضية الديمقراطية تكمن قضايا كبيرة وعديدة أيضًا أهمها وجود الشعب كفاعل سياسي ودوره في تقرير الخيارات السياسية الداخلية والخارجية، وتأسيس المواطنة كحالة قانونية وسياسية وأخلاقية معًا، وبناء الدولة وحكم القانون، والخروج من حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية التي عطّلت التفكير والنقاش والعمل الوطني والتعاون والتضامن وخلق علاقات طبيعية بين الأفراد المواطنين من جهة، والنخب السائدة والشعوب من جهة ثانية، وفي ما وراء كل ذلك، إنقاذ مشروع الحداثة العربية والتحاق مجتمعاتنا بركب الحضارة الصناعية والتقنية والعلمية، أي إنقاذ مشروع التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للعقود المقبلة. سياسة العزل والقمع والتهميش التي عانى منها الشعب في الدول العربية هي المولّد الرئيسي للمشاكل والكوارث التي نعيشها اليوم. ورفض تأهيل الشعب والعمل بكل الوسائل لتحييده وإبقائه على الهامش من دون دور ولا وزن ولا حقوق ولا احترام، هو المحرك الأكبر لروح الثورة التي نعيشها اليوم، وأيضًا للعديد من الانحرافات التي ظهرت على هامشها، بما فيها انتشار المنظمات المتطرفة والأساليب الإرهابية والوحشية التي طوّرتها السلطات الحاكمة المستبدّة من أجل تبرير نفسها وتشويه صورة الثورة والشعوب الحاملة لها. لذلك ليس من المبالغة القول إن "بيان من أجل الديمقراطية"، لم يكن أكثر راهنية في أي فترة مما هو في وقتنا الراهن. ولا يزال كفاح الشعب من أجل التحرر من الهامشية والإهمال والاحتقار وانتزاع كرامته وحقوقه وحرياته هو محور الصراعات الدموية داخل البلدان العربية وعلى مستوى المنطقة والعلاقات الإقليمية والعلاقات الدولية. وقد تجلّى في هذا الصراع التحالف العميق الذي يربط مصالح النخب الحاكمة في تأبيد استبدادها، بل احتلالها للمجتمع والبلاد، مع مصالح حماتها الإقليميين والدوليين. حتى ليمكن القول إن هناك مؤامرة متعددة الأطراف، محلية إقليمية دولية، لإبقاء الشعوب العربية خارج دائرة الفعل والمدنية والحضارة.

 

* هل نبتعد أم نقترب من تطبيق الديمقراطية؟

نحن نشهد اليوم حروب إجهاض ثورات الشعوب وبالتالي قطع الطريق على الانتقال الديمقراطي. ومن هذه الزاوية نحن نبتعد عن تطبيق الديمقراطية أو وضع أسس النظم الديمقراطية. لكن في الوقت نفسه، شكّلت الثورة أكبر مطرقة حطمت النظم القهرية التي ترسخت جذورها في بلادنا العربية خلال أكثر من نصف قرن، ونزعت عنها أي صدقية وأظهرت عمالتها للدول الأجنبية وعداءها المنقطع النظير للشعب. وتمثل هذه الثورات تجربة تاريخية فريدة لدخول الشعب بصورة صاعقة لا يمكن الالتفاف عليها أو إخفاء معانيها في ساحة العمل السياسي والعام. خلقت الثورة هوية للشعوب وأجندة ديمقراطية لن تزول وتختفي وخبرة عملية عظيمة في النضال ضدّ مضطهديها الداخليين والخارجيين. ولذلك أقول بمقدار ما أبعدتنا الثورة المضادة عن الديمقراطية كتطبيق علمي، قربتنا من الفكرة الديمقراطية بوصفها العهد الوطني الوحيد القادر على الرد على تطلعات الشعب وتوحيد صفوفه. منذ الآن سيكون الصراع من أجل تحويل الفكرة إلى واقع هو محور نشاط العديد من النخب الثقافية والسياسية العربية وسوف تتحول الديمقراطية كما لم يحصل في أي فترة سابقة إلى قضية رئيسية، في حياة وإعادة بناء المجتمعات العربية تتقدم على كل القضايا الأخرى القومية والتنموية، لأنها أثبتت أنها المدخل الإجباري لتحقيق هذه المهام ذاتها، وأننا لن ننجح في إيجاد أي حل للمسائل الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومنها مشكلة الهوية ما لم ننجح في وضع أسس التحول الديمقراطي في مجتمعاتنا. الثورات العربية بيّنت أننا دخلنا عهد الديمقراطية لكن حتى نصل إلى بداية تطبيقها لا يزال أمامنا عقبات كبيرة. وأعتقد أن قضية التحول السياسي الديمقراطي، في العالم العربي أعقد من أي منطقة أخرى، لأنها مرتبطة ليس فقط بمصالح داخلية وإنما بمصالح إقليمية ودولية، ولن نستطيع التقدم فيها إلا بمقدار ما ننجح أيضًا، بموازاة العمل من أجلها، على حل المشاكل العالقة على مستوى الإقليم أيضا وعلى مستوى مكانة المنطقة في الإقليم، وفي النظام العالمي.