نهاية الغرب الاسطوري

:: face book

 

– الغرب الذي كنا نعرفه ونطابق بينه والنزعة الكونية والإنسانية قد انتهى. وولد في مكانه غرب نثريّ يتحوّل بشكل متسارع إلى الركاكة والرثاثة الأخلاقية والقِيَمية. غرب لم يَعُدْ هو نفسه منتشيًا بتاريخه ومبادئه وحضارته الفكرية. كل نخبة اجتماعية تهتمّ اليوم أكثر بشؤونها الداخلية، وإرضاء ناخبيها، وتأمين عملية انتخابية مقبولة، وطمأنة الناخبين على استمرار المرافق والخِدمات العامة والتأمين الصحي ودعم النمو وإيجاد فرص عمل جديدة.

الغرب يعيش اليوم في تاريخية عادية ليس لها أيّ علاقة بتاريخية العظمة التي كان يسعى للحفاظ عليها سواء أكان بوساطة تطلُّعه إلى القيادة والسيطرة الحضارية والتماهي مع القيم الإنسانية الجامعة وحقوق الإنسان، أم بوساطة مساعدته الشعوب الأخرى؛ للحاق برَكْب حضارته التي كان يراها دائمًا كونية.
باختصار، الغرب يعرف اليوم أنه ليس العالَمَ، وربما لن يَبْقى طويلًا في قلب العالَم، ويريد أن يحتفظ بما يمتلكه من تراث وقِيَم لنفسه. لا يهمُّه الآخر؛ أي: لا يهمه موت الآخر -أيضًا- ولا مصيره.

أحداث ربيع الثورات العربية الكبيرة أظهرت انسحاب الغرب وتقوقعه على ذاته، ليس على مستوى نشر القوى العسكرية، إنما على مستوى المبادئ والقيم والتطلُّعات، أي أظهرت نهاية الغرب كمركز للعالم. لم يعد لديه طموح أكبر من انقاذ رهاناته الأساسية. وهو يراها أكثر فأكثر في الحفاظ على التناغم والانسجام داخل مجتمعاته وبيئته الداخلية. الأمن والصحة والسلام هي القيم الثلاث الرئيسة التي تحكمه وتتحكم في سلوكه.