مشكلة الطائفية والأقليات في البلاد العربية واحتمالات الحل السياسي في سورية

:: face book

 

شاركت في اليومين السابقين في معرض الكتاب العربي الأول في استنبول بمحاضرتين، الأولى عن مشكلة الطائفية والأقليات في البلاد العربية والثانية عن احتمالات الحل السياسي في سورية. وكان لقاءا تفاعليا عميقا مع جمهور متشوق للنقاش في وضع العرب اليوم وبشكل خاص الأزمة السياسية التي تعصف بسورية والتي تحولت إلى منطلق لمراجعة جذرية لسبل الحكم ومباديء السياسة والعمل العمومي عند الجميع بالرغم من الاختلافات الايديولوجية.
كان من الضروري التذكير بطروحات سابقة لا تزال في نظري أساسية وصحيحة. أولهاأن الطائفية ليست مشكلة أقليات وأكثريات، وإنما هي مشكلة الأغلبية، أعني مشكلة غياب عهد وطني جديد يتجاوز العهد الديني الذي عاشت عليه مجتمعاتنا وجماعاتنا خلال قرون طويلة سابقة، وهو يعني المباديء والأسس وقواعد السلوك والعمل التي ستنظم حياة الأفراد وعلاقاتهم في ما بينهم وعلاقات كل منهم بالسلطة العمومية، وبالتالي طريقة اختيار هذه السلطة أو تكوينها.
فما يبدو سببا للصدع بين الأكثرية والأقليات الدينية هو سبب للصدع أيضا داخل الأكثرية والأقليات بين أفراد لم يعد العهد الديني قادرا على توحيدهم وتنظيم حياتهم سواء اكان ذلك بسبب التفسيرات المتباينة للمسائل الدينية وتشعبها أو بسبب مصادرة الرصيد الديني من قبل جماعات سياسية وغيرها وإفساد روح الأخوة الأساسية التي يقوم عليها الدين للتقريب وبعث التآخي بين معتقديه، أو بسبب تجاوز الزمن لهذه المسائل وطرح مسائل جديدة ليس في التراث الديني معالجات مسبقة لها أو أخيرا بسبب تعميم أفكار وعقيدة السياسة الحديثة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات، والتي لا تقوم دولة اليوم ولا يتأسس السلام الاهلي وحكم القانون من دونها.
باختصار الطائفية ليست خيارا سياسيا ولا يمكن أن تكون أساسا لدولة، لا من جهة الاكثرية ولا من جهة الأقليات. ولا بديل عن دولة المواطنة القائمة على ضمان حرية الاعتقاد والمساواة في الحقوق والواجبات وحكم القانون لجميع الأفراد من دون تمييز. كل ما عدا ذلك يعبر عن استمرار الأزمة والضياع الفكري والسياسي في الوقت نفسه، وبالتالي استمرار الحرب بشكل أو آخر.