في حتمية انتصار الثورة والتصميم عليه

:: face book

 

العنف غير المحدود الذي يستخدمه النظام الأسدي ضد الشعب، ثوارا ومدنيين من دون تمييز، والتردد المستمر للدول العربية والغربية أمام استشراس الروس الذين صمموا أن يصعدوا، على جماجم السوريين وبدمائهم، إلى موقع الدولة العظمى التي تتحدى الغرب وتفرض عليه ما تشاء من خيارات في المشرق، كل ذلك وضع ثورة الشعب السوري العظيمة أمام تحد كبير. ويعني هذا التحدي أن أي تقدم على الأرض وفي الميدان السياسي لن يمكن أن يتحقق من دون إحداث إصلاحات نوعية على أسلوب العمل الذي اتبعته الثورة حتى الآن، وتجاوز نقاط الضعف الكثيرة التي ميزت سلوك المعارضة السياسية التي تمثل واجهة الثورة وسلوك الكتائب العسكرية أو بالأحرى قياداتها وأضعفت أداءها.

أمام هذا الوضع الصعب ونتيجة القلق على الثورة يزداد النزوع لدى قطاعات عديدة من الثوار والرأي العام معا إلى البحث عن كبش فداء من داخل الثورة نفسها وتغذية اتجاهات تدفع إلى الاحباط من دون حق. من هذه الاتجاهات الميل إلى اتهام الدول المؤيدة للثورة بعدم صدقها، وأحيانا بالتآمر عليها، ومنها التشكيك بوطنية المعارضة واتهام أعضائها، دون تمييز، بالفساد أو بالتقصير وغياب المقدرة والكفاءة. وربما كان تشكيك الشعب بقيادته هو الأخطر بين هذه الاتجاهات لأنه يضعف الروح المعنوية للثوار والشعب، وإضعاف الروح المعنوية هو أكبر ضربة يمكن أن يوجهها طرف للطرف الخصم، لأنه يثبط الهمم ويدفع إلى اليأس وترك العمل والانسحاب من المواجهة.
لا ينبغي أن نسقط في فخ الإعلام الكاذب للنظام. وينبغي أن نتذكر كم مرة حشد سادة الأرهاب في النظام جيوشهم وادعوا أنهم على وشك الانتصار، وكانت النتيجة تراجعا أكبر.
واليوم بالرغم من الدعم غير المسبوق الذي يتلقاه النظام من حلفائه في ايران وغيرها بالعتاد والرجال، ومن استخدام كل أنواع الاسلحة المحرمة وارتكاب أكثر المجازر همجية في أكثر من بلدة ومدينة، لم يحرز جيش النظام وميليشياته الطائفية أي تقدم يذكر، ولا يزال الجيش الحر، المحروم من الدعم الكافي، يحقق تقدما مهما كان بطيئا، على كل الجبهات.
وبالرغم من انتقادنا الدائم لأصدقائنا وأشقائنا في ما يتعلق بحجم الدعم ونوعيته، إلا أن ثورتنا لا تزال تحظى بتأييد كبير لا ينبغي أن ننساه، ولا تزال تقف وراءنا الأغلبية الساحقة من الدول. أما الدول العربية التي ساعدتنا منذ البداية فهي تعرف أن معركتنا هي في الوقت نفسه معركتها، لأن بقاء النظام يعني انتصارا لسياسة ايران وتمكينا لسيطرتها السياسية والعسكرية والدينية على المنطقة بأكملها، وعلى دول الخليج بشكل خاص.
هناك بالتأكيد انقسامات في القيادة السياسية والعسكرية نتيجة الضعف التكويني ونقص الخبرة والمداخلات الخارجية وشراء الولاءات، وهو ما أفقد المعارضة الكثير من صدقيتها وترك الثورة من دون قيادة موحدة ومركزية. لكن في ما وراء الهياكل الجاهزة التي تجمع بعض الأطراف والشخصيات، هناك على الأرض وفي كل مكان شباب ورجال نذروا أنفسهم للدفاع عن شعبهم، ولن يتخلوا عنه مهما حصل، ولا هم لهم إلا انتصاره وتحقيق آماله في دفن نظام الطاغية وأزلامه، وإقامة دولة الكرامة والحرية التي حلم بها ولا يزال، منذ عقود طويلة، السوريون.
التحديات الكبيرة التي تواجهها الثورة لا ينبغي أن تفت في عضدنا وأن تدفعنا إلى الاحباط واستسهال الاتهامات المتبادلة أو الوقوع في مرض النقد السلبي الهادف إلى التشهير والتهديم والتيئيس. بل بالعكس، ينبغي أن تحث كل واحد منا على تلمس العذر لأخيه وتنبيهه إلى الطريق الصحيح والمساهمة في رسم معالم هذا الطريق والمشاركة في تحقيق السياسات والخيارات السليمة من أجل الاسراع في ايصال الثورة إلى أهدافها. وهذا هو النقد الايجابي الموجه للاصلاح وتحسين أداء الثورة والثوار لا سلبهم ثمرة أتعابهم أو التقليل من شان تضحياتهم. هناك عيوب كثيرة في كل مسيرة، وفي مسيرة أي ثورة مهما كانت، لكن هناك فرق بين أن نبرز هذه العيوب للتشهير بها والتأييس منها والتشكيك بالقيادة، وبين أن نشير إليها ونضع الأصبع على الأخطاء من أجل تصحيحها وتجاوزها، وتعزيز الأمل بالنصر. فالثورة التي وقفت أمام هذا الطاغوت الهمجي خلال ٢٦ شهرا متواصلة تستطيع أن تحل مشاكلها وتتقدم أكثر لو صفت النية ونمت الثقة المتبادلة وحصل التعاون بين جميع الإرادات الخيرة والمستعدة للتضحية ونكران الذات. وهي أكثر مما نتصور بكثير.
ليس هناك هدف مستحيل على الشعوب. لكن شرط ذلك الايمان والثقة بالذات والتصميم على الانتصار. وشعبنا الذي ضحى بأغلى ماعنده وبذل أرواح أبنائه رخيصة من أجل تحرره من سلطة البغي والافتراء مصمم لا محالة على الانتصار وقادر عليه، بالرغم من كل مؤامرات الأعداء وتخاذل الأصدقاء.