في السقوط الأخلاقي لجمهورية ايران “الاسلامية”

:: face book

لم يكشف وكيل الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، العميد غلام علي رشيد، جديدا عندما صرح في ٢٩ آذار في مدينة دزفول جنوب غرب إيران، بأن الحرس الثوري الايراني هو الذي شكل ما يسمى ب”جيش الدفاع الوطني”، اقتداءا بتجربة الباسيج الايرانيين التي قامت على تطويع الشباب الايراني في قوات خاصة لحماية النظام. فقام بحشد وتدريب وتنظيم وتسليح من كانوا يوصفون بالشبيحة في بداية المظاهرات السلمية، ومعظمهم من أهل السوابق في الجنح والجرائم المدنية، وحولهم إلى جيش يشارك القوات النظامية الموالية حربها ضد الشعب، ويعوضها عن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها نتيجة انشقاق عشرات ألوف الجنود والضباط. وكان الهدف الوحيد من تشكيلها وتسليحها وتدريبها مواجهة المعارضة وتعقبها وقتل المحتجين والناشطين على نطاق المدن والقرى والأحياء.
ولم يكشف غلام علي جديدا أيضا عندما ذكر بأن سورية تشكل جزءا أساسيا من المنظومة الإقليمية للجمهورية الاسلامية الايرانية، فقد صرح حسن طائب أحد كبار المقربين من المرشد الخامنئي قبل أشهر بأنهم يعدون سورية بمثابة المحافظة ٣٥ من محافظات ايران، وأن أهميتها بالنسبة لأمن الجمهورية الايرانية تفوق أهمية الأهواز، لأن من الممكن استعادة الأهواز إذا احتلت مع بقاء سورية لكن ذهاب سورية من السيطرة الايرانية يعني ذهاب طهران.
الكل يعرف أن حضور ايران في الحرب ضد السوريين ومن أجل الاحتفاظ بسورية ضمن ما يسمونه بالمنظومة الاقليمية التابعة لهم، والتي يعتقدون أنها ضرورية لحماية نظام ايران ومصالحه، وهي تضم العراق وسورية ولبنان، لم يعد يقتصر على تشكيل فرق الباسيج السورية وتدريبها وقيادتها، ولا الدفع بالميليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية لعبور الأراضي السورية، ولا إرسال الخبراء العسكريين والامنيين والسياسيين. ايران هي الممسك الوحيد للسلطة الحقيقية في سورية ومحركها، على جميع المستويات، الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وإذا كان حجم انفاقها خلال سنوات الثورة على عملية القتل الجماعي للسوريين قد تجاوز حتى الآن ب ١٤ مليار دولارا، من دون حساب كلفة الاسلحة المتدفقة، فإن مقاليد الأمر بأكملها أصبحت في يد الايرانيين وعملائهم الاقليميين، وهم الذين يتحكمون بجميع مواقع التخطيط والتدريب والقيادة في ما يسمى بغرفة العمليات العسكرية المشتركة، وأجهزة الأمن والسياسة والإعلام ومرافق الدولة الأساسية. ومعظم القرارات المهمة يتخذها الاسد في اجتماعاته المغلقة مع العسكريين والأمنيين الايرانيين، ولم يعد للسوريين من أركان النظام أي مكان في آليات اتخاذ القرار.
سورية أصبحت بكل معنى الكلمة رهينة في يد نظام ايراني يعتقد أن من حقه استخدام الشعوب نفسها وموتها وسيلة للدفاع عن نفسه ضد خصوم هو في مفاوضات لم تنقطع معهم، وهي تشكل مع العراق ولبنان المرتهن لحزب الله أيضا، منظومة دفاعه الرئيسية، فهي اوراق يستخدمها كما كان حافظ الاسد يفعل بلبنان، للمساومة مع خصومه على مكانته الاقليمية والدولية ودوره ونفوذه.وهي مسارح حرب جانبية يخوض فيها نظام ايران حروبه ليس مع خصومه، وإنما من أجل تحقيق مكاسب جديدة على حساب الدول العربية المحيطة به والتي لم يعد ينظر إليها، بعد تسلحه بشعار المقاومة وفلسطين واليوم الحرب ضد الارهاب، إلا كفرائس سائغة لا يمنعه من ابتلاعها سوى إحراج الدول الغربية.
يكمن جديد غلام على رشيد في رفعه الغطاء عن نظام الاسد وكشف حقيقته كقناع تتستر وراءه القوة الاقليمية الاكثر جموحا وتطلعا للسيطرة والتوسع الجغرافي والسياسي والمذهبي، وتأكيده الصريح بأن مصير سورية لا يعني شيئا أمام حق ايران في حماية نفسها وبناء مجالها الحيوي على طريقة النازية الألمانية لكن هذه المرة بمسمى المنظومة الإقليمية الايرانية.ومن هذا المنظور لا يمكن أن تكون وظيفتها ولا أن يكون لمصالح شعبها، مثلها مثل مصالح شعبي لبنان والعراق، الذين يشكلان مع سورية الحزام الأمني الذي ينبغي أن يضمن لايران السلام والتقدم والازدهار، ويبعد عن شعبها المخاطر، أي اعتبار. إن أمن هذه البلدان الصغيرة والتابعة واستقرارها وسلامها الأهلي ومستقبل شعبها ومصيره، لايزن شيئا مقابل ضمان أمن ايران واستقرارها وبقاء نظامها “الاسلامي”.
ما يكشفه غلام علي رشيد أكبر بكثير من تورط ايران في الحرب السورية، إنه تأكيد لاستخدامها سورية كلها، كشعب وكوطن لملايين البشر، بالمظهر كورقة في المواجهة الايرانية مع الغرب، لكن في الحقيقة كقاعدة متقدمة في الصراع من أجل توسيع دائرة النفوذ الإقليمي، من دون أي اعتبار أو حساب لأرواح مئات آلاف السوريين والعراقيين واللبنانيين الذين يموتون كل يوم في معارك العظمة الايرانية، أو حساب لتدمير شروط حياة شعوب كاملة وتحويل سكانها إلى لاجئين ونازحين، من أجل الدفاع عن مطامح نظام ايراني أو عن مصالح قومية ايرانية موهومة أصبحت أخطر على شعوب المنطقة من المصالح الاستعمارية التي يدعي مقاومتها.

إنه اعتراف بالسقوط الأخلاقي المدوي لقادة ايران ولنظام الجمهورية الاسلامية الايرانية وللجمهورية نفسها وحتمية انهيارها القريب، بصرف النظر عما يمكن أن تحققه اليوم أو غدا من مكاسب ميدانية أو سياسية في سورية أو في لبنان أو العراق أو في أي مكان في العالم