في أصل الفصام بين خطاب المعارضة وأفعالها

:: face book

 

استوقفني أحد اصدقاء الصفحة الذي يسأل عن حق: “لماذا هذا الفصام بين خطابكم الجميل هذا وبين افعالكم كمعارضة”

 وجوابي أن المعارضة ليست فردا واحدا، وإنما مجموعة كبيرة من الاتجاهات والاجتهادات والقوى والتنظيمات. وما ينتج عنها من عمل وحركة هو محصلة تفاعل هذه الجماعات: انسجاما وتناقضا. ومن الطبيعي أن تكون المحصلة مختلفة كليا عن مواقف وسلوك كل شخص أو كل مجموعة فيها. وإذا كانت التناقضات قوية داخل صفوفها يمكن أن تكون النتائج مختلفة كليا بل مباينة لفكر وسلوك كل فرد فيها، بل من الممكن أن تكون المحصلة تحييدا متبادلا لجميع القوى وشللا كاملا أو جزئيا. وهذا عكس النظام الديكتاتوري الذي يلغي التعدد ويفرض راي الفرد المستبد الواحد. 
من هنا ايضا يقال دائما أن الديمقراطية أصعب بكثير كنظام حكم من الديكتاتورية لأن التحرك للأمام يحتاج إلى اتساق حركة الجميع. وضمان مثل هذا الاتساق يحتاج إلى فهم مشترك وثقافة عامة مشتركة واسعة، وتوافق على القواعد والقيم والمعايير الرئيسية، وبالتالي لتربية ديمقراطية بالمعنى الحرفي للكلمة. والتعددية من دون هذه التربية تتحول حتما إلى فوضى، لكن بالمقابل لا يمكن لهذه التربية أن تحصل من دون انخراط المجتمعات في التجربة وتعلم طرائق العمل الديمقراطي الذي لا يقصي أحد ولا يلجأ لأي عنف أو إكراه وينشد التوصل إلى إجماعات عامة من خلال النقاش والحوار والعمل على الرأي العام. 
وهذا بعكس الديكتاتورية التي تختصر الطريق من القول إلى الفعل بجرة قلم كما حصل في النظم الشيوعية والديكتاتورية ومنها ديكتاتورية الأسد. لكن خطر الديكتاتورية في المقابل هو انها يمكن أن تقود إلشعب والبلاد في طريق مسدود وخاطيء كليا نتيجة تحكم الشهوة وحب السيطرة والاستفراد بقرار أصحابها، وأن تؤدي، كما حصل لنا في العقود الماضية، إلى كارثة تدمر كل ما تحقق من إنجازات بغمضة عين. 
في الديمقراطية الحركة بطيئة ومتعثرة وصعبة المنال، وتحتاج إلى تعلم منهج العمل المشترك والعمل كفريق واحترام حقوق كل فرد وتدريبه على العمل العام، أي إلى ثقافة عامة ومدنية عميقة. أما الديكتاتورية فهي تستمد قوتها من الوحشية التي تدب الخوف والذعر وتضمن الاستسلام والاذعان من قبل الجميع، وتكون نتائجها مرهونة بشخصية الفرد الديكتاتور. فإذا كان شريرا، كما هو حالنا، وجدنا أنفسنا في أوضاع أكثر من مأساوية وربما في خطر الانحلال والتفكك والزوال. ولذلك قيل أن جميع نظم السلطة سيئة لكن النظام الديمقراطي هو أقلها سوءا.
ونحن نقول ما بني على باطل، وهذه قاعدة الاستبداد، فهو باطل، ولا يمكن أن يدوم. وبالمقابل دلت تجربة الشعوب المتقدمة على أن التراكم الذي يحصل على أسس سليمة قائمة على مشاركة جميع أبناء الشعب ورضاهم هو وحده الذي يستمر ويدوم ويحقق النهضة والازدهار.