عن حوار باري ماتش مع الأسد

:: face book

في الحقيقة، لا يستحق حوار بشار الأسد ،مع مجلة باري ماتش، الاهتمام والتعليق، فهو على عادته مشبع بالكذب والادعاء. لكن ، لكون الحديث قد اهتمت بنشرة مجلة فرنسية واسعة الانتشار ، ولأن سياق الحدث السوري يمر بمرحلتي داعش والتحالف، فمن هنا جاء اهتمامي ورأيت واجب التعليق .
بداية ، لم أستخدم وصفا آخر للأسد ، فتعبير المجرم هو وحده الذي يناسبه ، وذلك لأنه ارتكب تحديدا ، ما يطلق عليه القانون الدولي ، جرائم ضد الإنسانية. وعلى ذلك كان يجب سوقه ، أو وعلى الأقل المطالبة بسوقه إلى محكمة الجنايات الدولية، بدلا من إجراء هذه المقابلة معه، وبدلا من هذا السكوت السافر عن جرائمه الموصوفة. لكن مجددا، أكرر الاعتراف، وللأسف، بأن سياسة الدول والإعلام شيء، والقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان شيء آخر. ومن الواضح لكل ذي بصيرة، أن الفارق بينهما، هو على أشده فيما يتعلق بالمأساة السورية المستمرة.
فإذا عدنا إلى الحوار نفسه، احتراما لحق القارئ الفرنسي في الاطلاع على الأقل . نقول إن المجرم الأسد يكذب منذ الجملة الأولى في جوابه الأول، وهذا دأبه المعروف عنه. وكان الأحرى بنائب رئيس تحرير المجلة ، الذي أجرى الحوار، أن يواجه ذلك بالحقائق التي تقول: على العكس تماما، منذ الأيام الأولى كان الشهداء من المدنيين فقط ، ففي درعا سقط الطالب أكرم الجوابرة أول شهداء الثورة برصاص الأمن، وذلك يوم الجمعة 18 مارس 18, 2011 ، ولحقه ، حسام عبد الوالي عياش، ايهم الحريري، وشاب من آل عون ، ولم يجرح أي أحد من جانب السلطة ، ومنذ الأيام الأولى واجهت السلطة بالعنف المظاهرات السلمية في درعا وحمص وبانياس، ولم يكن هناك أي سلاح، بل لم تكن الشعارات ضد النظام ولا ضد الرئيس حتى، بل كانت كل مطالبها تتركز في درعا على إطلاق سراح الأطفال، ومحاسبة من عذبهم، وتطورت إلى المطالبة بإقالة المحافظ،. كذلك في حمص، إذ خرجت المظاهرة الثانية يوم الجمعة 25 / 3 /2011 تنادي بإلغاء الأحكام العرفية وإقالة المحافظ الفاسد والإفراج عن طل الملوحي الصبية العشرينية التي صارت رمزا للاعتقال التعسفي، ولم يفرج عنها حتى اليوم، رغم نيلها تخفيض ربع المدة التقليدي قبل حوالي العام . أما بثينة شعبان المستشارة الرئاسية، ففي مؤتمر صحفي شهير مساء 24 /3/2011 ، قامت باتهام جمهور المتظاهرين بالفتنة والإرهاب، وقالت لقد أمر ” الرئيس ” بعدم إطلاق النار على المتظاهرين ، حتى لو أطلقوا وبادروا هم أنفسهم بإطلاق النار، وكان هذا منتهى الكذب والخداع. وحيث لم يكن مسموحا بالاطلاع لصحافة مستقلة أو لمراقبين أجانب وفق العادة السورية المعروفة، فقد أطلق رصاص الشرطة والأمن والشبيحة على المتظاهرين السلميين، بعد أقل من 18 ساعة من ذلك التصريح. وقد شهدت ذلك بنفسي ذلك اليوم، في حمص، وأعلنته على عدة فضائيات . صحيح أنه لم يمت أحد بالرصاص يومها، بل جرح كثيرون، ومات مجند شاب كان حارسا على باب نادي الضباط، لكنه مات بالحجارة التي لجأ إليها المتظاهرون ردا ، وهم هاربون من رصاص الأمن، فاقتحموا النادي المذكور، الذي كان رمزا لكل قباحات النظام، وقام اثنان منهم بتسلق البناء ، وتمزيق لوحة الأسد الأب، فرفسها أحدهما بقدمه ، في منظر صار من أوائل أيقونات الثورة السلمية السورية.
أما الحديث عن دعم قطر وتركيا للإرهابيين، فالجميع يعلم أن البلدين تأخرا في تأييد الثورة السورية، بعدما كانا أبرز اصدقاء النظام وشركائه ، ولم يكفّ البلدان عبر وزيري خارجيتهما، عن زيارة دمشق ونصح المجرم ومطالبته بالإصلاح واستيعاب مطالب شعبه، وبدون فائدة طوال الشهرين الأوليين من أحداث الثورة.
لكن المجرم، يستغبي القراء وذاكرتهم ، ويمضي في حديثه عن أخطاء الممارسة بطبيعة الأمور، وكأن قتل آلاف المدنيين وتشريد ملايين السوريين كلاجئين، ومحو أجزاء كبيرة من حمص ودرعا وحلب وغيرها، وتدمير سورية وإعادتها قرونا إلى الوراء ، مجرد أخطاء طبيعية ومتوقعة في الممارسة، تماثل أخطاء متمرن جديد في لعبة كرة القدم، أو رحلة كشافة.
في جوابه الثاني، يناقض خطاباته الأولى التي اعترف فيها بنفسه بسلمية الثورة ، خلال أشهرها الستة الأولى، ويمضي منسجما مع الرواية التي استكملها ونجح، مع الأسف، في إخراجها وتنفيذها واقعيا في سياق دولي ملائم . وهي رواية تتلخص في أن كل ما حدث من مظاهرات هو محض إرهاب، لذا كان لابد من مواجهته بالسلاح. وذلك، بالضبط، ما يلاقي هوى الغرب الذي تجتاحه اليوم فوبيا الإرهاب. وفي ذلك يتابع، فيقول: لو لم ندافع عن الشعب لما كنا قادرين على الصمود،. بينما نعلم جميعا أن إرهابيي حزب الله هم الذين استعادوا القصير من الثوار، وليس جيشه مدعي الصمود. علما أنهم استعادوا القصير بعد تدميرها ومسحها بالطيران أيضا، كما أن تدخل قوات الباسيج الايرانية، والدعم الروسي والإيراني لجيشه وخزانته لا يحتاح إلى أي دليل جديد.
وجريا على عادته في الادعاء، إن لم نقل أكثر، يرفض أرقام الأمم المتحدة ومصادرها، وكأن لديه أفضل منها، لكنه لا يعلمنا عنها مع ذلك! فتفلت منه، ومن الذين لا شك أنهم أعدوا له الأجوبة، عبارة لا بد أنها ستثير الرعب لدى مواليه، فضلا عن كونها ستنسف كل ادعاءاته بتحقيق النصر. وهي عبارة يعترف ، او يدعي فيها ، أن العدد الأكبر من الضحايا في سورية هم بين مؤيديه، رغم محاولته الظهور بمظهر الضحية . فلا شك أن أعداد القتلى هي أحد المؤشرات العسكرية للنصر أو الهزيمة، لكنها هنا، وبتأثير سلاح الطيران وصواريخ سكود والبراميل المتفجرة، والتي يملكها النظام ولا تملكها المعارضة، كما يعلم العالم بأجمعه، وخصوصا من يمنع الأسلحة عن الجيش الحر. وبتأثير كل ذلك ،في التسبب بأعداد هائلة من القتلى المدنيين، ملأت صور مجازرهم الشاشات والصحف، كي تبرهن انتصاره، لكن ليس على جثث شعبه فقط ، بل على آثار سورية وعمرانها واقتصادها وبيئتها كذلك.
أما الكذبة الكبرى، والأكثر ادعاء وفضائحية، فهو تكراره مصطلح الدولة، الغريب بكل المقاييس عن نظامه، على الرغم من لعبة تحديد المصطلحات التي يتفاصح بها دوما، وطالما عبّرت عن إحساسه بالنقص تجاه الثقافة والمثقفين. وهو بذلك يتعامى عن خصائص نظامه، الذي اشتهر بالفوز بنسبة تقارب الـ99% في كل أشكال ومستويات انتخاباته، كما اشتهر بالرئاسة الوراثية، واستدامة العائلة الحاكمة إلى الأبد. لكن، والحق يقال، أنه كان صادقا للمرة الأولى بقوله “من المستحيل لدولة أن تقتل المدنيين” ولما كان معروفا بصورة قاطعة ، أنه قتل المدنيين ، فإن نظامه لا يمثل دولة فعلا ، وبحسب أقواله تحديدا، إنما هو نظام عصابة عائلية، عنصرية ضد جميع الآخرين من شعبها، ، كما كان نظام سلوفودان ميلوسيفتش، وكما كان نظام الأبارتيد، والمعلم الكبير للتمييز العنصري نظام هتلر!.
وحين يعترف، بأنه لا يستطيع الحديث عن نهاية الحرب ، فيحاول الظهور بمظهر الواقعي ، على العكس من كل إعلاناته السابقة عن قرب انتصاره، وقضائه على فلول الإرهابيين، وذلك لأنه فشل عمليا في الانتصار على الثوار، وامتد صراعه معهم حوالي اربع سنوات، ولا أفق يبدو لنهاية الكرّ والفرّ معهم ، فقد لجأ للعبة عاطفية تثير السخرية ، بحديثه عن كسب قلوب السوريين، وهو المعروف عنه بكل بساطة: أنه حطّم قلوب كل السوريين ، معارضين أو موالين، على السواء.
أما أطرف ما جاء في الحوار، فهو عن اشتراط الإجراءات الدستورية التي يأتي بواسطتها الرئيس، وكأن الانتخابات السورية مجهولة عالميا، أو كأن تزويرها ، ونسب النجاح فيها، لم تعد تثير ضحك الناس في جميع أنحاء العالم، بل قرفهم، ويأسهم من فشل الأنظمة والمجتمعات العربية أيضا..
وحين يستحق القسم الثاني من الحوار بعض الاهتمام، نظرا لجدة الموضوع المتعلق بداعش والتحالف الدولي، فيسأله مندوب باري ماتش:” قام سلاحكم الجوي بألفي طلعة على الأقل خلال 40 يوماً، وهذا عدد ضخم.. عندما تتقاطع طائراتكم مع طائراتهم، مثلاً وهي في طريقها لقصف الرقة، هل هناك تنسيق بينكم أو اتفاق عدم اعتداء؟” هنا ، يكاد المجرم يشير إلى تنسيق غير مباشر بين قواته وضربات طيرانه وبين قوات التحالف الدولي. لكنه لا يكشف أن تلك الضربات لم تصب أحدا من داعش ،على الإطلاق خلال غاراتها تلك، بين يومي الثلاثاء والخميس الأسودين 25 / 26 نوفمبر الماضي، بل أصابت الكثيرين من أهلها، وأرسلت 305 منهم مباشرة إلى الجنّة.. وبالطبع لن يحب ، أن نذكّر بإفراجه المدروس أوائل الثورة، وفي أوائل الثورة السلمية، عن حوالي 700 سجينا إسلاميا متشددا، من سجن صيدنايا الشهير، وعلى رأسهم الأربعة*، الذين قادوا أكبر القوى الإسلامية التي ستستولي على قيادة الثورة السلمية السورية ، وتتابع عسكرتها لاحقا، وصولا إلى تحول معظم مقاتليها إلى صفوف داعش !
وإذ لا تستحق تفاصيل عديدة، في الحوار، الوقوف عندها، نظرا لارتفاع نسبة الكذب والادعاء وتضخم تأثيرات انفصامه عن الواقع ، كمثل حديثه عن قبطان السفينة الذي لا يفكر بحياته، بل بإنقاذ السفينة . فإن كل ما هو مكشوف ومفضوح من مسؤوليته عن إغراقها وإغراق مواطنيها في مآس غير مسبوقة في تاريخ الشعوب ، يؤكد أن إنقاذ سفينة سورية في أي حل عسكري او سياسي قادم ، لا يمكن أن يتم بدون إبعاد مريض ومجرم مثل بشار الأسد .

………………..
* : بموجب أول مراسيم العفو 31/05/2011 ، أفرج عن زهران علوش قائد لواء الإسلام لاحقا، ثم جيش الإسلام. وحسان عبود ( أبو عبد الله الحموي قائد أحرار الشام، الذي قتل بصورة غامضة ، مع حوالي 50 من قادته خلال اجتماع سري ، في أوائل سبتمبر 2014). وعيسى الشيخ قائد لواء صقور الشام، وابو محمد الجولاني أمير جبهة النصرة.