سورية بين الحل السياسي الميئوس منه والعمل السياسي المطلوب

:: face book

 

يسألني الكثير من الشباب في ما إذا كان هناك بالفعل أمل في الحل السياسي والحوار للخلاص من المأساة التي نعيش شعبا ووطنا. وجوابي المستمد من خبرتي بالنظام وتحليلي لسياساته التي تبلورت خلال العقود الأربع الماضية هو أن هذا النظام لا يقبل أي حوار. لأن أصحابه مقتنعون ألف بالمئة أن أي حوار سيفسر على أنه ضعف، وأن إظهار أي مظهر من مظاهر الضعف يعني الإطاحة الكاملة بالنظام. وهم ليسوا مخطئين كثيرا لأن هذا النظام قام على الترويع والتهديد والأذى منذ نشوئه ولا يزال. وكل الناس يتربصون به الدوائر للخلاص منه كما من كابوس. 

 

اقتناع النظام بأنه مهدد بالانهيار لدى أي تنازل مهما كان صغيرا، خاصة في ما يتعلق بآليات القمع والإخضاع والتهديد والترويع، هو الذي يفسر الرد بأقصى العنف على أبسط بادرة احتجاج أو اختلاف من قبل أبسط مواطن، وكذلك التصعيد العسكري غير المعقول وغير المسبوق في تاريخ النظم السياسية الذي واجه به النظام الثورة منذ بداية المظاهرات السلمية الصغيرة إلى الآن. 
يشبه سلوك هذا النظام سلوك القادة الاسرائيليين الذين يتصرفون هم أيضا على قاعدة الترويع وبث الذعر لردع العرب والفلسطينيين عن التفكير بأي مقاومة أو تغيير، إدراكا منهم بأن إسرائيل مغتصبة لحقوق الغير ومجروحة الشرعية وأن كل ما يحيط بها هم بالضرورة من الأعداء، وأنها لا يمكن أن تتحمل أي هزيمة. من هنا تقوم استراتيجيتها واستراتيجية النظام السوري معا على الاستعداد الدائم للهجوم، والضرب بأقصى ما يمكن من العنف أي بادرة احتجاج أو مقاومة، حتى تخنق الأمل عند الآخرين في امكانية التأثير على النظام قبل أن يبدأ في الظهور. 
 
سياسة الردع الدائم والشامل والقاطع هو الذي يفسر أيضا ما يطبع استراتيجية إسرائيل والنظام السوري معا بما نعرفه عن سلوكهما من إرادة القتل والسحق والانتقام والعنف المجنون. ويدرك النظام السوري اليوم أكثر من أي وقت مضى كم هو ضيق هامش مناورته السياسية والعسكرية، ويقاتل وظهره إلى الجدار، أي بمنطق يا قاتل يامقتول. ولذلك لم تنفع التطمينات التي قدمتها المعارضة لاصحابه، ولن تنفع جميع مبادرات الحلول السياسية معه لأنها تعني بالضبط تعريضه للخروج من وراء دفاعاته العسكرية وتجريده من سلاح العنف المجنون والمروع الذي كان السبب الوحيد في بقائه حتى الآن. ولن يستطيع أحد أن يحرره من هذا الشعور بأن أي تنازل سياسي للشعب والمعارضة سيقوده إلى حتفه، ولن يقبل النظام به ولو اضطر إلى المناورة كما يفعل الآن في إعلانه لحوار وطني، لكن حوار مضبوط مئه بالمئة ولا أمل لأحد بأن ينتزع من خلاله أي انفتاح.
 
لكن انعدام امكانية الخروج من الصراع الراهن مع النظام عن طريق الحل السياسي لا يعني أنه لا مكان للعمل السياسي. استخدام السلاح وتنظيم القوى المقاتلة للثورة هما محور الجهد في التقدم على طريق الإطاحة بالنظام، من دون أي شك، ومن دونهما من المستحيل قلب ميزان القوى ودفع النظام إلى التفكك والانهيار. إنما لا يعني ذلك التقوقع حول نظرة عسكرتارية، وتجاهل الأهمية الصوى للعمل السياسي. وهي بعيد أن يستهلك في عروض المفاوضات على النظام. بل إن العمل السياسي هو الأساس في تقدم الثورة، وهو الذي يوجه السلاح ويقوده. فالنظام مجموعة من القوى والتحالفات والتوزنات السياسية والاجتماعية. والعمل السياسي ضروري لمعالجة عقد النظام، والعمل على تفكيكها وضرب وحدته وتماسكه ودفع مكونات منه للتردد أو الانشقاق. وهو ضروري أيضا لمعالجة عقد المجتمع الدولي الذي يؤيد قسم منه النظام ويتردد قسم آخر في تقديم وسائل الدعم للثورة متذرعا بشتى الذرائع. 
 
قد يكون الحديث عن مبادرات سياسية أو حلول جزء من العمل السياسي الرامي إلى تفكيك النظام السوري والتأثير على النظام الدولي، لكن هذا ليس كل العمل السياسي. فلا يكفي استخدام السلاح وقلب موازين القوى العسكرية للحفاظ على تماسك الشعب وحمايته من الانزلاق إلى معارك جانبية طائفية أو أهلية ولتوحيده من حول مباديء وقيم وأهداف الديمقراطية، وإعادة بناء سبل التواصل بين أبنائه الذين وضعهم النظام في مواجهة بعضهم البعض. من هنا لا بد من مرافقة العمل العسكري بالعمل السياسي حتى يعرف الشعب والمقاتلون من الثوار أن قضيتنا ليست قضية قاتل أو مقتول كما يفعل الخصم، وبالتالي قضية قتل وتهديم وتدمير، وإنما هي، قبل ذلك، قضية بناء لسورية جديدة ونظام جديد ومجتمع جديد لابد أن يجد كل السوريين مكانهم فيه. وليست المقاومة الشعبية المسلحة إلا المدخل لعملية البناء الوطني الكبيرة هذه. ومن دون الاضطلاع بمهام السياسة والعمل السياسي من قبل الثوار والمعارضة يمكن أن يتحول القتال من أجل الحرية وقضية تحرير سورية من نظام البغي و الطغيان، وتحرير جميع السوريين، بصرف النظر عن أصلهم ودينهم،  إلى اقتتال بين السوريين لن يقود إلا إلى مزيد من القتل وتدمير البلاد والتنازع على اقتسام مواردها وتبديدها.