حتى لا نسقط جميعا في البربرية

:: face book

 

نحن، اليوم، من جديد على مفترق طرق رئيسي، كما كنا في السبعينيات، عندما رفضت الدول الصناعية إنقاذ مشاريع التنمية في القارات الثلاث، ووضعت بذور التمرد والانتفاضات والثورات التي نعيشها اليوم. فإما أن يعاد النظر بسياسات التهميش والعزل التي يهم العالم المتحضر بتطبيقها على المجتمعات المتصدعة، بسبب خسارتها رهانها التنموي، أو أنه سيجد نفسه، بعد عقد أو عقدين، أمام مشكلات مستعصية على أي إدارة أو حل. في عصر التواصل الشامل الذي أصبح عصرنا، ليس هناك خيار آخر: فإما أن يتسع عالم المدنية والحضارة للجميع، ويجاري مبادئ المساواة والعدل، أو أن يتحول الإرهاب إلى سياسة عولمية، تتغذى من إحباطات الشعوب المتفاقمة وإخفاقاتها، بما يعنيه ذلك من عودة البشرية من جديد إلى حقبة من الاقتتال والعنف والفوضى الشاملة، أي إلى البربرية. 
لكن، علينا نحن، أيضا، لقطع الطريق على عودة البربرية أن ننجح في إحباط النبوءة الغربية والتحرر منها. فالواقع أن جزءاً كبيراً من المسلمين قد سقط في أحابيل الصورة النمطية التي سوقها الغرب خلال قرنين، لجعل الإسلام غريباً عنه، وخصما له. فتبنى قسم منا ما يقوله الغرب تماماً عن الإسلام، باعتباره السبب الرئيسي في تخلف المسلمين، ومنبع مشكلاتهم وإخفاقاتهم، وأنه لا يمكن الجمع بين الحداثة والإسلام، وتبنى قسم آخر مواقف العنف والعدوانية والممارسات القاسية والهمجية التي نسبت إلى الإسلام، باعتبارها جزءاً من الموارد التي لا تستقيم من دونها استعادة الهوية الدينية والقومية. وكما أصبح رفض الحداثة وقيمها الإلحادية شرطاً لتحقيق الهوية الإسلامية عند بعضهم، بما تعنيه من استعادة النماذج وأساليب التفكير والعمل التي ميزت الحقبة الإسلامية الأولى، كما لو كانت جزءاً من الدين نفسه، أصبحت محاصرة الإسلام وتجفيف منابع الإيمان والضغط على أتباعه، أو تقييد حرياتهم، شرط الاندراج في الحداثة والانتماء إلى العالم المعاصر عند البعض الآخر. وفي الوسط، يتخبط جمهور المسلمين، ويتمزق بين قوتين ومذهبين، يحرمانه أولهما من إنجازات الحضارة، والثاني من التراث. والنتيجة غياب حكم الشرع والقانون معاً، وامتناع السلام والأمن وانحلال عرى الوطنية والجماعة الأهلية الدينية معاً، وسيادة العنف والقوة قاعدة وحيدة لتنظيم العلاقات. 

لن نستطيع أن ندفع الغرب إلى تبني سياسة إيجابية تجاه مجتمعاتنا، وإقناعه بخطأ التسليم لخيارات العزل والتهميش والقمع، ما لم ننجح نحن، أولاً، في تجاوز انقساماتنا، وإنقاذ مجتمعاتنا من الضياع والتخبط، ومصالحتها مع نفسها، أي ما لم ننجح نحن، أيضاً، في حمل مسؤوليتنا، وفي إعادة ترميم حياتنا المدنية والفكرية وأخلاقنا.