الأكاديمي والمفكر برهان غليون يحيي شجاعة معاذ الخطيب ويدعو تجمعات المعارضة إلى المشاركة في تطوير المبادرة

:: موقع د.برهان غليون

في هذه الظروف الاستثنائية التي تعيش فيها سورية محنا حربية واقتصادية وصحية متعددة، ويشعر فيها السوريون، في مناطق النظام أكثر مما هو الحال في مناطق المعارضة، بالكارثة المعممة وانسداد الأفاق وغياب الخيارات، بينما تكاد السلطة تختفي تماما من الوجود، باستثناء الترهات وصرخات الانتصار الوقحة والسوقية التي يطلقها من فترة لأخرى أناس فقدوا أي إحساس بمعاناة شعبهم وأهلهم، مد الاستاذ احمد معاذ الخطيب، بما يمثله من رمز من رموز الثورة والمعارضة، غصن الزيتون لخصوم الأمس، أملا بفتح باب المصالحة بين أبناء الشعب السوري للخروج من الوضع الخطير الذي يهدد وجود سورية نفسها ويعرض شعبها لتهديدات دائمة يمكن ان تقود إلى مخاطر لا رجعة عنها. 

وبالرغم من الانتقادات التي سوف يتعرض لها الخطيب في صفوف معارضة عطل تعاونها وتضامنها انعدام الثقة والحساسيات الشخصية، توجه هذه المبادرة تحد حقيقي للنظام الذي لم يبدو في أي لحظة سابقة على هذه الدرجة من الشلل والعطالة وانعدام الوزن والعجز المهين عن مواجهة أي تحد، مهما كان حجمه، ولم يعد لديه خيار سوى اللجوء إلى الصمت والانكار، أمام شعب يواجه في الوقت نفسه آلام الضياع والجوع والمرض والتشرد وانعدام القيادة وانسداد سبل الخلاص، كما لم يواجهه شعب في هذا القرن. 

ليس المهم أن يستجيب النظام أم لا، فهو بالتاكيد لن يستجيب، ولم يعد هناك من بين السوريين، وفي مقدمهم أولئك الذين خدعوا به وساروا وراء مفامراته من لا يشك في حماقة رجالاته الذين ضربوا في السنوات التسع الماضية المثل بافتقارهم لأي ضمير أو شعور بالمسؤولية، وتركوا شعبهم يذبح حماية لمصالحهم الخاصة، واليوم مصالح مشغليهم من الدول المحتلة الأجنبية. 

المهم أن يدرك أولئك الذين خدعوا بهذا النظام، وصدقوا روايته عن المصير المظلم الذي كان ينتظرهم من أي تغيير سياسي، أنهم ليسوا مجبرين على الاستمرار في السير وراءه في مشروعه الانتحاري، وأن هناك شركاء حقيقين لهم، من بين السوريين، الذين تجاوزوا مواقف العداء بين سلطة ومعارضة، وهم يفتحون أذرعهم لهم للخروج المشترك والآمن من المحنة التي فرضها التوحش السياسي على الجميع، والحفاظ على حياتهم ومصالحهم وكرامتهم وحضورهم كمواطنين أحرار متساوين في الحقوق والواجبات مع كل السوريين الآخرين في دولة سورية ديمقراطية مدنية وآمنة، وأن هناك فرصة للخروج من ضيق النظام والمعارضة، والمعازل الطائفية والإتنية، إلى رحابة نظام الحرية والوطنية الجامعة. 

هذه هي الرسالة، وهكذا ينبغي على الجميع ان يفهمها. وكل ما عرض من تصورات واجراءات لقطع هذه الخطوة الحاسمة والمصيرية التي تقربنا واحدنا من الآخر، تبقى رهن النقاش والتعديل حتى تحقيق التفاهم الوطني وهو الغاية منها. ولا أعتقد ان من مصلحة الذين كانوا في النهاية  ضحية طيش النظام، وشرهه للسلطة، وروح الانتقام التي قادته إلى تدمير الشعب والبلاد، أن يتمسكوا بمن كان سببا في حفر خندق من الدماء للفصل بينهم وتأبيد الموت والاقتتال للجلوس على كرسي من جماجمهم. ولو تحقق الأمل وهو سوف يتحقق بالتاكيد، لن يكون هناك طريقا أفضل للحوار حول السلام السوري من تطبيق القرارات الدولية، وفي مقدمها 2254، التي لا تضمن التحرك ضمن أجندة وخطوات محددة وواضحة، تحت إشراف الأمم المتحدة، وفي إطارها، تشمل أيضا تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المسؤولين من كل الاطراف عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب، وإنما أكثر من ذلك المساعدة في حل مشكلة الاحتلالات الأجنبية التي يحتمي بها الأسد ولا يمكنه التخلي عنها وربما لا يستطيع، وكذلك وضع هذه الأمم أمام مسؤولياتها في مسألة إعادة الإعمار في حقبة أزمة اقتصادية عالمية، إن لم يكن انهيارا اقتصاديا قادما، لن يكون من السهل فيها توفير الموارد اللازمة لإطلاقها. 

هذا هو الوقت للعودة إلى طريق السلم والامن والأمان لجميع السوريين قبل أن تضيع الفرص جميعا وتصبح الامور مستحيلة على الحل ونسير نحو ازمة كارثية مفتوحة على كل المخاطر والاحتمالات. 

تحية لمعاذ الخطيب على شجاعته ومثابرته وإصراره، وقدرته، كما أعتقد، على استقطاب أصحاب الخبرة والتجربة، من الذين لم يتمكن من مشاورتهم، وبشكل خاص جيل الشباب والشابات الذين عركتهم الثورة وأطلقت طاقاتهم الابداعية، والذين نحن أحوج ما نكون إلى الأمل الذي يمثلونه لنا ولسورية المستقبل، والتي لا ينبغي أن نشك لحظة في قدرتها على الخروج من النفق المظلم الذي دفعها إليه نظام حكم عائلي بدائي وانتقامي وجائر.