الخوف على الدولة والقتل اليومي  

:: face book

 

  بعد ثلاث سنوات من القتل الهمجي والخراب، لا يزال التبرير الوحيد، لدى الروس، ولكن أيضا لدى الأمريكيين وحلفائهم، رفض التدخل الدولي لحماية السوريين من المذابح الجماعية اليومية بالخوف على مؤسسات الدولة، ومن أن يقود السقوط المفاجيء للأسد إلى انهيار الدولة وانتشار العنف والفوضى والارهاب.

 كل السوريين متفقين على الحفاظ على الدولة والمؤسسات، وعلى تدعيمهما. لكن هل يقوم نظام الاسد بشيء آخر غير التدمير الممنهج والمنظم للدولة ومؤسساتها عندما يسيل دماء السوريين أنهارا، ويفجر كل الثوابت الوطنية، ويقسم الشعب طوائف ومذاهب واديانا، ويدفع ملايين الناس إلى النزوح واللجوء من دون مأوى، ومن دون موارد، ومن دون مستقبل؟ 
 كل من عاش في سورية، من سوريين وعرب وأجانب، يعرف أنه لا يوجد في سورية دولة، بمعنى أجهزة متخصصة تعمل حسب القانون، وبعيدا عن نزوات الحاكمين ورغباتهم الشخصية، من أجل ضمان الحياة الطبيعية، الاخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية لجميع الأفراد، بصرف النظر عن مذاهبهم وأديانهم وافكارهم، وفرض احترام القانون وتطبيق العدالة والمساواة، والعمل على رفع مستوى حياة السكان وثقافتهم وتعليمهم، وتحسين مشاركتهم في الحياة العامة، ووضع الخطط لضمان مستقبل الدولة وأمنها واستقرارها ومستقبل الأجيال القادمة.
 
ما يوجد في سورية هو حكم عصابة لا تهتم إلا بمصالحها، ولا تخطط إلا لنهب موارد البلاد واستملاكها، ولا تنشيء من المؤسسات والأجهزة الأمنية والعسكرية إلا تلك التي تساعدها على كسر إرادة الشعب وتركيعه وإخضاعه واستعباده لتكون هي الوحيدة السيدة، وكي لا يستطيع بشر ولا إنسان أن يسائلها أو يحاسبها على أي جرم تقترفه في حق الشعب، أو أي فرد فيه. وككل سارق، لا تتردد في قتل الأهالي وحرق الدولة بأكملها لإخفاء معالم الجريمة عندما تخشى أن تضبط بالجرم المشهود..
يحتاج السوريون بالفعل إلى دولة تحميهم وتحترم إرادتهم وتثمر تنوعهم وتعدد مذاهبهم ومنابتهم ومشاربهم. دولة تسهر على أمنهم، وتعمل من أجل سعادتهم، وتساوي بينهم، وتحكم بالقانون الذي يصوغه ممثلوهم ونوابهم بحرية ونزاهة في مجالسهم التشريعية المنتخبة. يحتاجون إلى مؤسسات مدنية وعسكرية وعلمية من صنعهم، وتعمل لتوسيع هامش خياراتهم وتحسين فرص تقدمهم، وسعادتهم، وتخضع لإرادتهم المشتركة العامة، تكون إطارا يعمل على تعزيز تواصلهم وتعاونهم وتضامنهم، مؤسسات لهم، لا عليهم، ولا أداة في يد أعدائهم، لا هدف لها سوى سلبهم، ووضع القيود في معاصمهم، وشل إرادتهم لتأبيد سلطة متمردة خارجة على القانون والسياسة وكل المعايير الانسانية، ومرتهنة لإرادة دول الحماية والوصاية الأجنبية.
 
يحتاج السوريون إلى دولة تضمن أمنهم وتؤمن حقوقهم وتدافع عن أبنائهم، تماما كما تحتاج الدولة إلى سوريين متضامنين يؤمنون بشعبهم ومستقبل وطنهم وبلادهم. ولا يمكن أن يكون شريكا في بناء مثل هذه الدولة من قوض أركانها وهو مصر كل يوم على قتل شعبها وتدمير ما تبقى من عمرانها.