إمبرطورية الشر والفوضى  

:: مونتي كارلو

 

لا يشك أحد اليوم في أن الولايات المتحدة الأمريكية قد حققت الغاية التي طالما أكد رؤساؤها عليها وعملوا, من أجلها طوال عقود, وهي الوصول إلى موقع القيادة العالمية.  فلم يكن مصير العالم مرتبطا بهذه الدولة كما هو عليه اليوم. فهي التي تحدد له أولوياته وترتب أوضاعه وتعين مهام جميع الأطراف فيه. و من المستحيل على هذا لعالم أن يحدد لنفسه جدول أعمال تاريخي من دونها أو بمعزل عنها. فهي أحد أكبر بؤر الانتاج والابداع التاريخيين على الأرض. ومن دونها لا يكون العالم كما نحن عليه.

بيد أن مشكلة القيادة الأمريكية الراهنة المستمدة مباشرة من التفوق الشامل الذي تتمتع به على جميع أقرانها، هي أنها بدأت تفتقر للغايات الأخلاقية التي تجعل منها قيادة مشروعة ومقبولة, وأصبحت تنزع إلى أن تجعل من تحقيق السيطرة الأمريكية الخاصة غايتها. وشيئا فشيئا يدرك العالم أن واشنطن لا تستخدم تفوقها وسيطرتها للمساهمة في ايجاد حلول للمشاكل الدولية, ولكنها, بالعكس, تستغل اعتراف العالم بحاجته لقيادتها أو بتفويضه العملي لها من أجل توسيع دائرة نفوذها وزيادة منافعها على حساب استقرار المجتمعات الأخرى ونموها وتقدمها.

فالولايات المتحدة بدل أن تقدم اقتراحات بناءة ومنطقية لمواجهة مشاكل على قدر كبير من الخطورة, مثل مشكلة التنمية البشرية والبيئة والسلام والأمن الدوليين، تجعل من المحافظة على النظام والاستقرار أكبر أولوياتها، وتطلب من الدول والمجتمعات الصغيرة التي دخلت بالكاد في عصر الصناعة والثورة العلمية والتقنية أن تجاريها في سوق تجارية واحدة من دون ضمانات ولا خطط عالمية مشتركة للتنمية ولا تعويضات. وبدل العمل المشترك من أجل نزع سلاح التدمير الشامل من جميع المناطق والبلاد تسعى إلى تجريد انتقائي للعالم منه يضمن لها السيطرة مع حلفائها على بقية بقاع الأرض.

ولعل أفضل مثال لما يمكن أن تجر إليه مثل هذه القيادة من فوضى واقتتال ما يحصل في فلسطين منذ سنتين. فبدل التوصل إلى سلام لم يكن أبدا بعيد المنال، أدخل منطق تعزيز السيطرة في مواجهة عالم عربي تعتقد الإدارة الأمريكية أنه لم يخضع لها بالكامل بعد, أقول أدخل المنطقة في حالة مأساوية ويمكن أن تكون كارثية من الاحباط والتعفن والانهيار.