عن المعارضة ونقدها، إذا جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا

:: face book

 
إلى كل أخواني الناقمين عن حق على سلوك المعارضة السياسية والعسكرية ومنظمات الإغاثة والدعم، لا فائدة من التنابذ بالالقاب والاتهامات المتبادلة التي تسيء إليبنا جميعا ولا تفيد في تقدم الثورة أو الخلاص. اتركوا كلام الاحباط والاحقاد والدس الرخيص لشبيحة النظام، المسؤول الأول عن كل ما يجري لشعبنا من مذابح وفي بلادنا من دمار. لا تخطئوا الهدف. إذا كان بإمكانكم عمل شيء ايجابي لمساعدة اخوتكم أو تشجيع بعضكم البعض على تقديم الدعم، فجزاكم الله خيرا، وإلا فالإساءة للآخرين لا تغير شيئا ولكنها تضر بنا جميعا كسوريين وتحول دون تقدم الثورة والخلاص من المحنة.
وضعنا بالتأكيد من أصعب الأوضاع التي عاشها شعب في التاريخ، والأخطاء والتقصير من كل الأطراف لا حدود لها. لكن إذا اردنا أن نخرج من المحنة ونساهم في الخروج منها علينا أن نتحلى بالصبر، “فاصبر على ما أصابك إن ذالك من عزم الأمور”، وأن نقوي التضامن في ما بيننا، ونلأم جراح بعضنا بعضا، لا أن نزيد شدة وقساوة وقهرا على أنفسنا فوق قهرنا. ولنعلم أننا لسنا وحدنا الذين نعاني، فكل السوريين مجروحين، وكلهم مقروحين.
المعارضة مشلولة بسبب تنازع بعض قادتها على النفوذ والسلطة، هذه حقيقة لم نكف عن تأكيدها، لكن كل المعارضين ليسوا متنازعين. وبعض المعارضين أو المحسوبين على المعارضة والثورة والكتائب المقاتلة يستفيدون هنا وهناك، لكن الأغلبية الساحقة منهم مثال للنزاهة والتضحية، حتى لو أن هذه الأغلبية غير قادرة على العمل وتغيير الحال بسبب ضعف الخبرة وغياب التجربة وتعدد التدخلات الخارجية. ومن واجبنا إذا أردنا الخلاص لشعبنا أن نساعد العناصر النزيهة والشريفة على عزل العناصر الفاسدة، وأن نعطي لكل ذي حق حقه لا أن نضع الجميع في سلة واحدة.وعلى كل الأحوال لا تدعوا شكوكم بفساد بعض عناصر المعارضة والثورة، وهي حقيقة، فسادا سياسيا وماليا، ينسيكم الفساد العظيم لعناصر النظام الذين جعلوا البلاد مزرعة خاصة لهم ولأبنائهم وأحفادهم وازلامهم وشبيحتهم يعيثون فيها الفساد كله، وقادوها إلى ما نعيشه من جحيم.
القيادة العسكرية أيضا مقصرة، وربما قسم كبير من الكتائب المقاتلة لا تتلقى ما تحتاجه من ذخيرة وسلاح. لكن هيئة الاركان أيضا لا تستطيع أن توزع أكثر مما يصلها، وهي ليست قادرة على جلب ما تريده من سلاح. ثم إن مشاكل توزيع السلاح لا تنفصل عن أخلاقيات الناس وخبرة الإدارة والتنظيم ونوعية العلاقات التي تقيمها الكتائب مع الأركان. وما لم تحصل إعادة هيكلة وتنظيم للكتائب تحت قيادة مركزية قوية وموجودة على الأرض ستظل المشكلة قائمة.
الجميع مقصرون في مواجهة الكارثة التي قرر نظام الجريمة والقتلة أن يقود إليها سورية وشعبها عقابا على خروجهما على إرادته ورفضهما لقبول العبودية له والتسليم به وبنظامه كقدر. وكل واحد منا مقصر ما لم يفكر في الطريقة التي يمكن ان يساهم فيها في مجهود الخلاص، والاسراع بخروج الشعب والبلاد من الحفرة التي حفرهتها لها، ولا تزال، الطغمة المارقة والحاقدة المتمردة على المجتمع والدولة.
موقف التبرم الدائم والشكوى والندب ورمي المسؤولية على الغير من المقاتلين أو المعارضين وزرع الفتنة داخل صفوف الثورة لن يحل أي مشكلة ولكنه سيعقدها. ما أصابنا أكبر منا جميعا، ينبغي أن نعترف بذلك، وأن نعمل من منطلقه، وهو أكبر مما أصاب أي مجتمع خلال التاريخ كله. لم يحصل أن دولة بكل ما تملك من وسائل عنف وموارد وجيوش وأجهزة انقلبت على شعبها، وصارت قوة احتلال، وقررت أن تثخن فيه جراحا وتدمر بنياته وحضارته وتحوله إلى ركام وتمحو ذكره من التاريخ، وهي التي كان من المفترض أنها قائمة لتحميه وتضمن حقوق ابنائه وسلامتهم.
الرد على مثل هذا الوضع ليس سهلا ولن يكون سريعا. وهو لا يتجاوز مقدرة معارضة بالكاد لملمت صفوفها بعد موت طويل، وانضم إليها مئات وآلاف الشباب الذين لم يعرفوا يوما خبرة العمل العمومي المنظم، وإنما يتجاوز مقدرة المجتمع الدولي كله. لسنا نحن المرتبكين أمام الكارثة، وإنما الدول الكبرى جميعا التي تحسب ألف حساب لكل خطوة تخطوها معنا.
من أين للمعارضة أن تأتي بالمال والسلاح وخبرة العمل والتنظيم وتوزيع الإغاثة على مستوى ٢٣ مليون، وفي مدن وقرى تخضع للقصف الجوي والصاروخي والهجمات بالغازات السامة على مدار الساعة، وتدمر بناها التحتية، ومستشفياتها وتقطع الأغذية والمياه والكهرباء والاتصالات عنها، ويهجر سكانها، ويشرد نصف شعبها؟ ومن يستطيع أن يعلم شعبنا المسالم، الذي لم يعش حتى نزاعا أهليا صغيرا واحدا خلال قرون، كل تلك الفنون في الدبلوماسية والسياسة والحرب والإغاثة؟
صحيح أن الوضع لم يعد جديدا. وهو مستمر منذ سنتين ونصف تقريبا. لكن منذ سنتين ونصف ايضا والكارثة تتعاظم، واجتياح المدن والمناطق يزيد، وعدد الشهداء والجرحى والمصابين والمنكوبين والمهجرين واللاجئين لا يكف عن الارتفاع، بوتيرة تعجز عن مواجهتها الدول المجاورة والبعيدة. وبعد سنتين ونصف انتقلنا كذلك من حرب يشنها النظام على الشعب، الذي تعلم بالكاد فن تشكيل كتائب للدفاع عن نفسه، وحصل على بعض البنادق والمعدات العسكرية الخفيفة، إلى حرب إقليمية تزج فيها دول كبيرة نفسها من حزب الله، وهو أهم من جيش الدولة اللبنانية، إلى ايران وحرسها وسلاحها، إلى روسيا الدولة العظمى أو الطامحة إلى أن تكون ندا للولايات المتحدة الامريكية.
الكارثة تتوالد كوارث جديدة كل يوم، وخبراتنا في المعارضة والجيش الحر لا تتنامى وتتطور بسرعة نمو الكارثة. وحلفاؤنا قتلونا بترددهم وخوفهم من نتائج انخراطهم معنا، يزيدون من مأساتنا ومعاناتنا.
قصدت من كل ما كتبت أن مصابنا عظيم، وشفاؤنا منه يحتاج إلى مساهمة كل واحد منا، وصبره وتجلده، وتسامحه مع أخطاء أخيه، ومساعدته له على تصحيح خطئه، وتقديم النصح له، لا جرح كرامته وتكبيله بالضغينة وايلامه بأي ثمن.
الهجوم على الجميع من دون تمييز لا يجعل من العناصر المسيئة، وهي كثيرة، عناصر خيرة ونظيفة ومخلصة، ولكنه يدفع العناصر المخلصة والشريفة، وهي الأغلبية داخل صفوف المعارضة والثورة معا إلى التنحي، تجنبا للاتهامات والإساءات ومن ثم ترك الميدان فارغا لسيطرة العناصر السيئة ومصادرتها للثورة والمعارضة معا. وفي القرآن الكريم:
“يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” وكذلك  “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ”