هل هي بداية الطريق لوقف الحرب في سورية  أم لتجديدها؟

:: موقع د.برهان غليون

 

يبدو أن الضربة الصاروخية الامريكية لقاعدة الشعيرات الجوية المهمة أطلقت ديناميكية جديدة في العملية السياسية والضغط من أجل إخراج سورية من الوضع المأساوي المستمر منذ ست سنوات. ويبدو وكان هذه الديناميكية قد نتجت عن خطء استراتيجي ارتكبه الأسد وحلفاؤه بالعودة إلى استخدام السلاح الكيماوي وغاز السارين بشكل خاص. ويؤكد بيان روما الصادر اليوم عن اجتماع وزراء الخارجية السبع، والذي دعا روسيا لوقف دعمها للاسد، والتعاون مع المجتمع الدولي لتسريع عملية الانتقال السياسي والعمل من أجل سورية ديمقراطية، من دون الأسد، توقعاتي السابقة من أن قصف قاعدة الشعيرات ليس عملا معزولا ولكنه بداية لسياسة جديدة. وهذا ما يتوضح بشكل مضطرد على لسان المسؤولين الأمريكيين. وسبب تغير السياسة الأمريكية والأوروبية، والغربية عموما، ليس بالتأكيد خطء الأسد وحلفاءه لاستخدامهم السلاح الكيماوي. فهو لم يتوقف عن استخدام الغازات السامة وانتهاك المواثيق الدولية والقوانين والاعراف المتعلقة بالحرب منذ أن اختار ستراتيجية محاصرة المدنيين وتهجيرهم وتحطيم الحاضنة الشعبية للضغط على الثوار وعزلهم وإضعاف قدرتهم على المناورة. ومع ذلك لم تتخذ الدول الغربية أي إجراء جدي للحد من آثار ما وصفه اكثر من تقرير لمنظمات انسانية دولية بحرب الابادة الجماعية. 

السبب الحقيقي هو ببساطة أن الأهداف الغربية من الحرب، وهي لا تنفصل عن ألأهداف الاستراتيجية في منع الشعوب في هذه المنطقة من انتزاع حقها في تقرير مصيرها بنفسها، وتحطيم أي ديناميكية تقود إلى تشكل وطنية قوية وحية، تتجاوز الانقسامات الطائفية والعشائرية والعصبوية،وهذا ما تقود إليه الديمقراطية، وبالنسبة لاسرائيل إجهاض القوة العسكرية التي تنمو بالضرورة مع نمو البلدان وازدياد تحديثها ومواردها وقدراتها البشرية، أقول إن هذه الأهداف قد تحققت في سورية. فلن تستطيع سورية، مهما كانت شروط السلام، أن تشكل بعد الآن، ولعقود طويلة، تهديدا لأحد أو مركزا لنشوء وطنية قوية تفرض السيادة الشعبية وتضع حدا للتبعية المفروضة والارتهان للقرارات الدولية.  

إن ترك الحرب مستمرة في ما وراء تحقق هذه الأهداف لا يخدم إلا مشروع روسيا وايران، في تفريغ البلاد من هويتها وسكانها، وإقامة قواعد عسكرية قوية ودائمة ومدعومة بمستوطنات اجنبية، تعزز موقف الحلف الروسي الايراني من جهة وترمي بملايين اللاجئين العرب والمسلمين الجدد، من سورية وغيرها، على طرقات الهجرة والتشرد لطرق أبواب الدول الغربية. 

من هنا، تفتح التحركات السياسية الجديدة، وعودة واشنطن إلى الانخراط في الأزمة السورية، نافذة أمل في التقدم على طريق البحث عن حل سياسي، لكن فقط إذا ما نجحت المفاوضات الروسية الأمريكية غدا، واقتنعت روسيا، وهذه هي الحقيقة، أن مصالحها مع الغرب أكبر بكثير من مصالحها في التحالف مع ايران للاستمرار في التلاعب بمصير الدولة السورية واستخدام حرب الابادة ضد الشعب السوري كورقة ضغط ومناورة لابتزاز المزيد من التنازلات من جانب الغرب. 

هذا هو الحساب العقلاني، لكن في الحالة المركبة التي وصلت إليها القضية السورية، ليس من المحتم أن تكون الكلمة الأخيرة دائما للعقل.