موت جبهة النصرة وميلاد فتح الشام

:: face book

 

بعد تردد طويل أعلن أبو محمد الجولاني أمير جبهة النصرة فك ارتباط النصرة بالقاعدة وإنشاء جبهة فتح الشام مكانها، جبهة مستقلة تعمل في سورية ومساندة ثورة شعبها في كفاحه لإسقاط النظام القاتل والعميل.
للأسف جاءت هذه الخطوة، التي كان من الممكن أن تغير ميزان القوى على الأرض لو حصلت في الأشهر الماضية، في ظروف وبطريقهة سوف تحد على الأغلب من تأثيرها ونجاعتها.
أولا لأنها تبعت الإعلان عن الاتفاق الأمريكي الروسي على قصف النصره بعد ان كان ذلك نقطة خلاف بين الطرفين بسبب تداخل مواقع النصرة والجيش الحر. فواضح للجميع أن الهدف من هذا التغيير في الاسم هو اتقاء ضربات التحالف الدولي وروسيا بسحب ذريعة الانتماء للقاعدة. وهذا يعني أن ما جرى مجرد تغيير شكلي حصل تحت الاكراه لا يمس حقيقة فكر النصرة وسياستها الفعلية.
وثانيا لانها حصلت بالاتفاق مع زعيم القاعدة وبترتيب مشترك، وبالتالي ظهرت وكأنها مناورة لا تخفي التفاهم الضمني مع القاعدة وليس في إطار الانشقاق الفعلي عنها،
وثالثا لأن الأهداف التي أكد الجولاني من جديد تمسك جبهة فتح الشام الجديدة بتحقيقها لا تختلف عن اهداف جبهة النصرة في تطبيق الشريعة وإقامة حكم الاسلام والدفاع عن المسلمين، أي إقامة دولة دينية في مكان الدولة الوطنية.

وبصرف النظر عن انتزاع حق المسلمين في تقرير فحوى حكم الاسلام ومن يحق له تفسيره وتطبيقه، ينبغي أن يخدع الروس والأمريكيون أنفسهم بإرادتهم حتى يقبلوا بأن النصرة لم تعد نصرة، وأن انفصالها الشكلي عن القاعدة صار كافيا لمعاملتها معاملة الفصائل الوطنية الأخرى وتجنيبها الحرب.
كان هناك في نظري، وهذا ما دعوت الجبهة للقيام به منذ أكثر من سنة، حل واحد لقلب الطاولة على الروس والامريكيين وهو الانتقال من دون تفاهم مع القاعدة أو الاعلان عن هذا التفاهم نحو تشكيل جديد يرفع راية الثورة السورية، ويعترف بما كان يقوله صاحب النصرة في البداية من أن هدف الجبهة الجديدة هو نصره السوريين لاسترجاع حقوقهم الانسانية وإسقاط النظام الجائر، وترك الأمر للشعب السوري نفسه، بكل فئاته، يقرر مصير النظام القادم، باختياره الحر. مع احتفاظ الجبهة الجديدة بحقها في الدفاع عن أفكارها بالطرق السلمية واستعدادها لتسليم سلاحها فور تعيين حكومة شرعية معترف بها من الشعب، أسوة بباقي فصائل الثورة الأخرى.
هذا هو الحد الادنى المقبول لتبرئة جبهة فتح الشام من التزاماتها القاعدية، التي لا تقتصر على الولاء لزعيم المنظمة الأم، وإنما تتعلق بشكل رئيسي ببرنامجها السياسي والديني الذي ينكر بالعمق حق الشعب السوري في اختيار ممثليه وتقرير مستقبله بنفسه، وتفرض نفسها عليه وصية سياسية ودينية لا يمكن لأحد قبولها ولا شيء يبررها في أي حال.
كان من شان مثل هذه النقلة في اتجاه الثورة السورية ومبادئها تطمين السوريين وتخفيف الضغط عن المقاتلين وربما انقاذ أرواح العديد منهم والاحتفاظ بهم للمعركة الطويلة التي سيخوضها السوريون قبل سقوط الأسد وبعده، والتي لن تنتهي إلا بإقرار عهد التعايش السلمي لجميع الطوائف والمذاهب والقوميات والاحتكام للشعب وممثليه الشرعيين المنتخبين.
ولكن بالرغم من كل شيء خير أن تأتي متأخرا من أن لا تأتي أبدا. إن إعلان جبهة فتح الشام استقلالها عن القاعدة، وتجذرها في الصراع الوطني السوري، وتخليها عن مشروع الجهاد العالمي، تظل خطوة واعدة على طريق التحول السياسي الطويل الذي سيواكب، لا محالة، تقدم مسيرة الثوار على الأرض وجهودهم المستمرة لتحقيق أهدافها.