مذهب الخلاص

:: face book

 

لا ينبغي أن نعمل ونبني آراءنا واعتقاداتنا بدلالة اعتقادادت الآخرين، خصوما كانوا أم أصدقاء، وإنما بدلالة الواقع وحده. في هذه الحالة نتجنب أن ندور في حلقة الجدل المفرغة التي تزيد من تغبيش الواقع بدل كشفه، ونجد أنفسنا بالعكس مدفوعين إلى تقديم اقتراحات لتغيير الواقع المنتج للنزاع والخصومة والاقتتال، ومواجهة مقترحات بمقترحات، لا مقابلة مباديء بمباديء أو اعتقادات باعتقادات. فأسباب الخصومة والاقتتال، قبل أن تكون في الفكر والعقيدة، قائمة في الانسداد الذي يحكم الواقع نفسه، واقع العالم أو المجتمع أو الفرد. فقط التقدم على طريق إزالة هذه الانسدادات هو الذي يساهم في تخفيض درجة التوترات والتناقضات وفي تغيير الأفكار المغذية للخصومة والاقتتال. وبمقدار ما ننجح في تغيير الواقع الملموس ونزيل انسداداته، نساهم في تخفيض مستوى التوتر والتناقض، وفي ولادة البيئة المنتجة للتفاهم والسلام.
هذا يستدعي تشجيع الأفراد والمجتمعات إلى التوجه بنظرهم مباشرة نحو واقعهم بدل شحن بعضهم ضد البعض الآخر لاختلاف أفكارهم واعتقاداته. وهذا من تقاليد عهود الأزمة والمراوحة في المكان التي تعيشها المجتمعات، والتي يقوم الاستقرار فيها على ضبط النزاع من خلال تحويل جزء من المجتمع إلى كبش فداء، وأحيانا، تحويل المجتمع بعضه لبعض إلى أكباش فداء كما هو حالنا اليوم : طوائف مقابل طوائف، وأقليات وأكثريات، وقوميات مقابل قوميات، وطبقات ضد طبقات.

 

يستدعي الخروج من حالة الاحتراب والصراع، كسب تعاون الأفراد في ما بينهم، وهذه هي السياسة، وتوجيههم نحو رفع العقبات التي تسد الطريق عليهم وتضغط على أوضاعهم، خارجية كانت ام داخلية، مادية أم لا مادية، وإصلاح النقائص التي تحول دون تقدمهم، وتدفع بهم إلى الاقتتال على موارد تتضاءل يوما بعد آخر. هذه هي السبيل الوحيدة لمساعدة المجتمعات على التحرر من الاختلاطات التي تعيق تقدمها واندماجها في حركة التاريخ العالمي. وهي نفسها طريق التفاهم والسلام. وعكسها سياسة الاحتراب والحرب التي تختلق كل الأسباب من اجل تعميق تقسيمهم وتشتيت قوتهم وتوجيههم بعضهم ضد بعض، والتي تركز بشكل دائم على الاختلافات الفكرية والمذهبية والعنصرية والجنسية، من أجل إخضاعهم وتمكين السيطرة العارية، أي الفارغة من أي فكر أو مبدأ أو مذهب أو مشروع، عليهم.