حسنا فعلت سلطات دوما القضائية

:: face book

 

حسنا فعلت سلطات دوما القضائية بتراجعها عن قرار إغلاق المؤسسات المدنية الذي اتخذته منذ ايام. بانتظار إلغاء مجلس القضاء الأعلى أيضا للحظر على المجلة لاستعادة دورها والمشاركة مع المجلات والنشرات الأخرى في خدمة الثورة ونشر الوعي بين قطاعات الرأي العام السوري المختلفة.
في ما وراء ما يمثله هذا القرار من تحقيق العدالة التي تقضي بأن لا يعاقب البريء بجريرة المذنب، وما يعززه من شرعية وجود المؤسسات المدنية وتمكينها من العمل لصالح قطاعات المجتمع التي تستفيد من خدماتها، يكمن المغزى الأعمق لما حصل في الأيام القليلة الماضية في أمرين:
الأول تثبيت مبدأ تعددية السلطات، المدنية والسياسية، واحترام كل منها لميدان عمل وصلاحيات الأخرى، وهنا تأسيس شرعية وجود المجتمع المدني كدائرة نشاط مستقلة عن السلطة السياسية حتى لو لم تكن فوق القانون،
والثاني، وهو المغزى الأهم في نظري، هو بداية اختراع السياسة أو تأسيسها من جديد، في فضاء المجتمعات المحلية السورية، بعد أن أعدمت تماما في نظام الأسد الهالك، والتي تقوم على الاعتراف بالاختلافات وتباين المصالح والرؤى وتناقضاتها، وفي الوقت نفسه الايمان بإمكانية حلها بالطرق السلمية، أي بالضغوط المتمثلة في العرائض والبيانات والتظاهرات والاضرابات التي تحل محل اللجوء إلى العنف والاعتقال والتعذيب لقهر الطرف الآخر وإخفائه أو إفنائه، في نظم الديكتاتورية والطغيان، ولا يمكن إلا أن تقود إلى تفجير الحروب الأهلية والثورات. بدل الانكار المتبادل المؤسس للقطيعة والعداء والعنف، تبني السياسة علاقة جدلية بين أطراف الصراع تعمل، بالرغم من تباين المصالح والرؤى، وفي الصراع السلمي ذاته، على تعزيز الاعتراف المتبادل، وتفضي إلى تعميق الحوار، وبالضرورة إلى تعديل المواقف، وتدريجيا إلى تغيير نوعي لطرفي النزاع، يحول علاقاتهما من علاقات عداء واقصاء متبادلين إلى علاقات تفاعل وتبادل وتحاور، ويؤسس للوحدة في صلب الاختلاف.
لا يمكن أن نتجاهل الخلافات الفكرية والسياسية التي تفصلنا بعضنا عن بعض في سورية الممزقة والخاضعة لأكثر من احتلال، لكن لا يمكن في الوقت نفسه أن ننسى القضية الكبرى التي تجمعنا وهي إسقاط الطغيان واستعادة سيادة الشعب والاستقلال. ولا أمل لنا في تحقيق هدفنا المشترك ومتابعة طريقنا ما لم ننجح في تطبيق قاعدة الديمقراطية في ما بيننا، في صفوف المعارضة، قبل أن نثبت أننا قادرين على إعادة إنتاجها على مستوى الدولة والمجتمع معا.