المحنة العربية، الدولة ضد الأمة

:: face book

 

بمناسبة إعادة طباعة كتاب المحنة العربية، الدولة ضد الأمة في المركز العربي للأبحاث، والذي ظهر في بداية التسعينات، أحد المعلقين اقتبس منه هذه الفقرة:
“ليست الأزمة الراهنة إذن أزمة الدولة الحديثة أو قِيَمها، قيم الحرية والتقدم والعقل. إنها أزمة الدولة التحديثية التي قادت باسم التقدم والعقلانية والحرية والوطنية إلى عكس أهدافها بسبب الانحرافات الأصلية التي اتسم بها مفهومها والمصالح الاجتماعية التي كانت توجّه سياساتها وعملها. لقد بنت الدولة صورتها وشرعيتها ومكانتها باعتبارها أداة التقدم التاريخي ووسيلة إدماج المجتمعات المتخلفة في دورة الحضارة.
أن جذور الأزمة الحقيقية التي تعصف بالمجتمع العربي اليوم تكمن في نموذج الحداثة العربية نفسها. وليس هناك أمل في الخروج منها إلا بنقد هذه الحداثة المسخ وتوفير شروط تجاوزها والخروج منها. وفي مقدمة هذه الحداثة الممسوخة مسخ الدولة الحديثة (الوطنية) بالذات، في مفهومها ومصدر قيمها، أعني عقيدة ارتباط التقدم التاريخي بالدولة، ومن ثم بتعظيم دور الطليعة والإدارة وتضخيم أجهزة القمع ووسائله لدرجة أصبح معدل بناء السجون والمعتقلات ومعسكرات التجميع والمراقبة ونقاط التفتيش وأجهزة المخابرات أكبر من معدل بناء المستشفيات أو المدارس أو الخدمات الاجتماعية”.
وهذا يعني أن النزوع لتدمير الدولة الذي نشهد أمثلة بارزة عنه اليوم لصالح العشيرة أو الطائفة أو الخلافة أو الفوضى والاقتتال لا ينبع من رفض الدولة الحديثة والقيم الانسانية التي تحملها في طياتها، من حكم القانون إلى تأسيس الحريات الفردية وتأكيد مبدأ العدالة والمساواة من دون تمييز بين الناس، وإنما بالعكس من خيانة النخب العربية الحاكمة والسائدة، العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية معا لهذه القيم وتحويلها الدولة إلى أداة لتأبيد سيطرتها وتميزها ومصالحها الخاصة. ولا يحل إلا باحترام حقوق الناس واقرار مبدأ حريتهم ومساواتهم