انتخابات ضد الديمقراطية

2007-04-25:: الاتحاد

 جرت في سورية منذ يومين انتخابات أعضاء مجلس الشعب تقول التقارير أنها لم تحظ باهتمام كبير إلا لدى بعض أصحاب المصالح الذين يتربصون بمقعد في البرلمان لاستخدامه مطية لتحقيق مآربهم الشخصية، ويعملون المستحيل لجذب بعض المحتاجين لتسديد فواتير حساباتهم الشهرية. وتجري انتخابات كل بضعة أشهر في البلاد العربية لا تختلف كثيرا في طبيعة تنظيمها عن الأولى، ولا يهدف معظمها، على عكس الغاية التي صيغت من أجلها، إلا إلى منع الشعوب العربية من اختيار ممثليها. هكذا تتحول الانتخابات التي ابتكرت لتجسيد السيادة الشعبية إلى وسيلة لتزوير الإرادة العامة والتمديد الأبدي للسلطات والنخب والأحزاب التي وصلت إلى الحكم بالوسائل الاستثنائية، العسكرية وغير العسكرية، وتريد أن تحتفظ به بأي ثمن، بعد أن وحدت تماما بين مصالحها الخاصة والمصالح العامة والوطنية. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يفقد المواطن الثقة بالنظام السياسي، ومن وراء ذلك بالسياسة نفسها، وبالطبقة السياسية التي تتعامل بها، وأن يراهن بشكل متزايد، من أجل التعبير عن آماله ومطامحه المشروعة، على قنوات أخرى أقل فسادا أو وقدرة على الإفساد مثل الجمعيات الدينية والعصبيات العشائرية والطائفية والمذهبية. فهنا يستطيع أن يحقق مشاركته وتواصله مع أقرانه على قاعدة أفضل من المساواة والندية، من دون أن يهزأ أحد منه أو يستهين بعقله وإدراكه.

ليست الانتخابات غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة لتحقيق غايات سياسية واضحة ومعروفة، وفي مقدمها تمكين المواطنين من اختيار من يعتقدون أنهم الأقدر تعبيرا عن تطلعاتهم السياسية وقدرة على تلبية مطالبهم وتحقيق أهدافهم ومصالحهم. وحتى يصبح من الممكن تحقيق هذا الاختيار ينبغي أن يتمكن جميع أفراد الشعب المحققين للشروط القانونية من تقديم ترشيحاتهم والتعبير عن برامجهم وتوجهاتهم وتنظيم أنفسهم في شروط متكافئة ومتساوية حتى تكون المنافسة بينهم سليمة ونزيهة. كما ينبغي أن يتمكن جميع الناخبين من معرفة برامج ممثليهم والتصويت بحرية لمن يرون فيهم الكفاءة وروح المسؤولية والقدرة على خدمة المصالح الوطنية. وهذا يتطلب كما هو واضح أن يتمتع الجميع، مرشحين ومنتخبين بشرط الحرية، الذي يمكنهم من المشاركة في النشاطات الفكرية والسياسية والتعبير عن آرائهم وتنظيم اجتماعاتهم ومناقشة بعضهم البعض الآخر. بذلك تعمل الانتخابات على ايصال من هو الأصلح والأكثر تجسيدا لإرادة الناخبين إلى السلطة، وتضمن لهذه السلطة لهذا السبب الشرعية التي تمكنها من الحصول على تأييد المواطنين لقراراتها والحصول على ثقتهم التي تحتاج إليها لتطبيق هذا القرارات بطواعية من قبل أفراد المجتمع، أي لضمان احترام القانون والتقيد به.
وليس لمثل هذه الانتخابات قيمة إذا كانت نتائجها محسومة سلفا، سواء بسبب التلاعب والغش التقليدي الذي تميزت به انتخابات العديد من النظم العربية التي تسيطر عليها سلطة أمنية تتحكم بكل نشاطات السكان، أو بسبب وجود نصوص قانونية تضمن مسبقا لطائفة من المرشحين، بسبب الانتماء إلى الحزب الحاكم أو إلى جبهة تقدمة أو غير تقدمية، أو بسبب امتلاك أفرادها لوسائل التأثير على الحكومة أو شراء أصوات الناخبين، النجاح ، أي سواء أكان ذلك تطبيقا لقوانين لا ديمقراطية أصلا أو نتيجة تزوير منظم لإرادة الناخبين. وبالمثل لا قيمة لأي منافسة انتخابية إذا افتقد المرشحون أو الناخبون شرط الحرية الذي يسمح لهم بانتقاء ما يعتقدون أنه الأصلح والاكثر مطابقة لصفات ممثل الشعب والامة. فلا منافسة انتخابية، أو باختصار لا انتخابات، عندما يخضع ترشيح المواطنين لمناصب النيابة إلى قيود سياسية، أو عندما يتضمن نص القوانين تمييزا واضحا بحق فئة منهم بالمقارنة مع الفئة الأخرى، سواء أكان هذا التمييز بسبب انتمائهم السياسي أو الايديولوجي أو الديني أو الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي، أو بسبب منعهم من الاتصال بناخبيهم والتعبير الصريح عن آرائهم ومواقفهم وبرامجهم السياسية. وبالمثل لا منافسة انتخابية، عندما تتعرض حرية الناخبين للانتقاص ويفرض عليهم بصورة مباشرة او غير مباشرة التصويت لنوع من المرشحين أو لقوائم مختارة من قبل السلطة.
في جميع تلك الحالات تسقط الانتخابات كوسيلة لتنظيم الحياة السياسية الديمقراطية، وتتحول إلى أداة في يد السلطة الحاكمة لتعزيز سلطتها وفرض الأمر القائم على السكان. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يشيح المواطنين بنظرهم عنها، وأن تكون مشاركتهم محدودة، أو أن لا يقبل المشاركة فيها، على مستوى الترشح والانتخاب إلا أصحاب المصالح الخاصة الذين يعرفون كيف يستفيدون من مناسبتها لتحسين أوضاعهم والدعاية لأنفسهم. وليس من قبيل الصدفة أن تتحول الانتخابات التي أعدت في الأصل لتحقيق مطلب تداول السلطة بصورة سلمية وإتاحة الفرصة لأصحاب الآراء والاجتهادات الوطنية للتعبير عن أنفسهم وتطوير رؤيتهم والاجتهاد في ايجاد الحلول الايجابية للمشاكل الاجتماعية، إلى وسيلة لتأبيد النظم القائمة والتغطية على حرمان المواطنين من المشاركة في انتخاب ممثليهم والمساهمة في السلطة، وأن لا تكون نتائجها الحقيقية سوى ضرب ثقة الجمهور بالدولة والحياة السياسية وتحويل العمل السياسي إلى تجارة خاصة لا تجذب إلا أولئك الأكثر تجردا عن المباديء الأخلاقية والوطنية والأكثر ميلا إلى استغلال النفوذ لتحقيق المآرب الشخصية. هكذا تتحول الانتخابات والنظام السياسي نفسه إلى مصدر إضافي لانتاج الفساد على أعلى مستوى من مستويات السلطة وتصبح الدورة الانتخابية مناسبة دورية لإعادة توزيع المنافع والحصص والعمولات والامتيازات على الأنصار والموالين وتجديد أسس التحالف بين قوى الفساد المنتشرة في الإدارة والدولة والقطاعات الاقتصادية والمؤسسات الامنية والعسكرية. وهذا ما يفسر لماذا تصبح البرلمانات العربية او معظمها أحد القلاع الرئيسية التي تقف في مواجهة إرادة الناخبين وتساهم في تجميد الأوضاع وقتل أي إرادة تغيير، بدل أن تكون الإطار الأمثل لتنمية حركة الإصلاح ومسايرة التجديدات السياسية والتشريعية العالمية.
الانتخابات التي تهدف إلى تثبيت اختيار السلطة الحاكمة بدل أن تتيح للشعب انتقاء ممثليه لا تكرس الفساد فحسب وتجعل منه أساس الحياة السياسية نفسها ولكنها تحرم المجتمع من الأمل بأي تغيير أو إصلاح، وتدفع به إلى دائرة اليأس والكفر بالدولة وبالنظام وقبول جميع التجاوزات السياسية والقانونية. إنها تعكس درجة درجة الاحتقار الذي تكنه النخب الحاكمة للشعب وعمق استهتارها برأيه وإرادته وكرامته وحقوقه. وهي أفضل تجسيد لانعدام المسؤولية والافتقار إلى الحد الأدنى من الأخلاق الانسانية. ولا يمكن أن تكون نتيجتها سوى تعميق مشاعر احتقار السياسة والسياسيين عند المواطنين وحرق الأرض التي يعيش عليها مترزقوا السياسة أنفسهم. والحكومات التي تقطع الطريق على أي تداول سلمي للسلطة يضمن للجميع الحظوظ المتساوية من النجاح في المستقبل هي التي تتحمل وحدها، وينبغي أن تتحمل، المسؤولية كاملة عما يحصل في البلاد من تدهور في شروط الحياة السياسية والمدنية، ومن توترات ونزاعات اجتماعية وانفجارات طائفية ومذهبية وإتنية.