هل تنجح سياسة التدخل الأجنبي فيما عجز عنه النظام العربي؟

2003-04-03:: الاتحاد



لم ينجح النظام الإقليمي العربي الموروث من حقبة التبعيةالاستعمارية في إيجاد القواعد النظرية والآليات العملية التي تساعد المنطقة علىتنسيق مصالحها ونشاطاتها المتباينة والمتنافرة لتقيم حالة من الاستقرار والسلامالأهلي والداخلي. وهو الاستقرار الذي لا غنى عنه من أجل طمأنة الأفراد وتعزيز العمللبناء مواقف وتوجهات ايجابية عند جميع الأطراف تسمح بقيام نظم سياسية شرعيةومنظومات قانونية نزيهة تشجع على بذل الجهد وتدعيم الاستثمارات المعنوية والماديةومن ثم على تحقيق الحد الأدنى من التنمية والازدهار لشعوب المنطقة ومواطنيها. وبقيتالمنطقة لهذا السبب بالذات عرضة منذ نصف قرن لجميع تيارات التصادم وزعزعة الاستقرارفي الوقت الذي لم يكف وزنها عن الارتفاع في حساب الاستراتيجيات الدولية. ولا شك أنالنخب العربية التي تولت مقاليد الحكم بعد الاستقلال ليست المسؤولة الوحيدة عن قيامهذا الوضع واستمراره. فقد كان لإقامة إسرائيل من جهة وتبني الدول الغربية جميعالسياسة الدفاع عنها وضمان تفوقها الاستراتيجي وقدرتها على إحباط عداء العرب دورأساسي في ذلك.

لكن انهيار المنظومة العربية يرجع إلى عجز هذه النخب عن مواجهة ثلاثةتحديات رئيسة ومستمرة ميزت الوضع في الشرق الأوسط. أولها استيعاب الضغوط القويةالتي استدرجها تدفق النفط في المنطقة وتزايد أهميته الاستراتيجية مع الزمن بسبباستنفاد الاحتياطيات الأميركية السريع وارتفاع الاحتياطيات الشرق أوسطية المؤكدةوضآلة في تكاليف الإنتاج. ارتفاع وزن وقيمة إسرائيل والارتباط بمصيرها فياستراتيجيات السياسات الداخلية والقومية للدول الكبرى وبشكل خاص الولايات المتحدة. وثالثها، احتواء الأزمة الجيوسياسية التي فتحتها نهاية الحرب الباردة والعمل بسرعةللتوافق مع معايير العصر الجديد قبل أن يتحول العالم العربي والاسلامي إلى كبشالفداء الوحيد الذي يمكن للتكتلات والقوى المتنافسة على صياغة عالم ما بعد الحربالباردة أن تستخدمه لتبرر سياساتها واستراتيجياتها المختلفة والمتباينة بل إلىدريئة تجرب فيه الأطراف المتنازعة عضلاتها وتفرغ فيها فائض عنفها. وقد جاءت أحداثالحادي عشر من سبتمبر 2001 التي تشكل إحدى نتائج هذا الصراع الجزئية لتكرس وضعيةكبش الفداء هذه وتعطي للولايات المتحدة الذريعة والمبرر الأخلاقي لاستخدامه فيمعركتها الكبرى لاحتلال الموقع الأول في النظام العالمي الجديد الناشئ عن انهيارجدار برلين. ومنذ ذلك الوقت لن تكون معركة السيطرة على الشرق الأوسط ومواردهالنفطية ومواقعه الاستراتيجية إلا جزءا من المعركة الدولية ضد الإرهاب. 
وهكذالن يعمل الوقت على تجاوز التناقضات العميقة التي كان يعاني منها النظام الإقليميالعربي فحسب ولكنه سيزيدها تفجرا مع تفاقم الضغوطات الداخلية والخارجية. وفي موازاةتراكم الأزمات وتنامي الفوضى وانعدام الاستقرار الوطني والإقليمي سوف تسوء بشكلمضطرد أوضاع الشعوب والمجتمعات، ويواكب تدهور معدلات التنمية بل انعدامها تدهورمماثل في شروط الأمن الفردي والجماعي وانتشار الفوضى والفساد في الإدارات والنظمالسياسية القائمة. وسيؤدي غياب المشاركة السياسية واحتكار المناصب والمسؤوليات إلىتفاقم الفوارق بين الطبقات الاجتماعية لدرجة لن يبقى فيها مكان لأي شكل من أشكالالتضامن والتلاحم الداخلي في المجتمعات. وستضيف الحروب والنزاعات الخارجيةالمتزايدة مصادر قلق وبؤس جديدة لما كان قائما أصلا وتدفع بالمجتمعات العربية نحوحالة من الشك والخوف وعدم الاستقرار العميق والشامل تترجمها موجات متتالية من العنفالداخلي والخارجي. 
هكذا سيبدو العالم العربي الذي يعاني من أقسى الضغوط النفسيةوالثقافية والاقتصادية والعسكرية ويشعر بالهشاشة أكثر من أي فترة سابقة على أنهالمصدر الأكبر للمخاطر والتهديدات المعلنة والكامنة في نظر الرأي العام العالمي أونظر أغلبيته. وسوف تستغل الدبلوماسية الدولية، والأميركية منها بشكل خاص، هذاالشعور المتنامي في سبيل انتزاع التأييد بالتدخل المباشر في المنطقة وفرض التغييرعليها بالقوة إذا احتاج الأمر باسم الديمقراطية أو لمساعدتها على ضمان الحد الأدنىمن الاستقرار والتقدم. لا بل أكثر من ذلك لقد أصبح مثل هذا التدخل يظهر بمظهرالواجب الذي تلقيه القيادة والمسؤولية على الدول الكبرى لضمان الأمن والاستقراروالسلام العالميين. 
هكذا أمكن جميع التأييد العالمي الواسع الرسمي والشعبيللحرب التي شنتها قوات التحالف الدولي لنزع سلاح العراق منذ بداية 1990 وما تبعهامن ضرب الحصار الشامل على هذا البلد خلال اثني عشر عاما متواصلة. كما أمكن للولاياتالمتحدة وبريطانيا أن تضربا عرض الحائط بقرارات مجلس الأمن لشن الحرب الراهنة منأجل القضاء على النظام السياسي في العراق. وهو الأمر نفسه الذي مكن حكومة شاروناليمينية المتطرفة من الاستمرار بسياسة الحرب التدميرية منذ أكثر من سنتين ضد الشعبالفلسطيني من دون تردد. وليست تلك الحروب سوى التجسيد الأوضح لسياسة التدخل المباشرالذي أقرته القوى الدولية وقبل به الرأي العام العالمي، رغم التظاهرات المعاديةللحرب اليوم، لمواجهة أزمة المنطقة ومعالجة المشاكل العديدة التي تتخبط فيها. ويعكسكل ذلك اعتراف القوى الكبرى بانهيار النظام الإقليمي الذي وضعته هي نفسها بالتعاونمع الدول العربية التابعة عشية الاستقلال وفشل جميع الجهود التي بذلت للحفاظ عليهكما يعلن في الوقت نفسه سحب هذه القوى نفسها ثقتها من النخب الحاكمة التي كانتالحامية الرئيسية لها خلال أكثر من نصف قرن. 
والسؤال: هل ستنجح سياسة التدخلالخارجي في حل المسائل التي عجز عن حلها النظام الإقليمي العربي وفي مقدمتها مشكلاتفلسطين وضمان الأمن والاستقرار لجميع الدول والتنمية الاقتصادية والاجتماعيةودمقرطة الحياة السياسية، أم أنه ينبغي إضاعة نصف قرن آخر لإظهار فشل هذه السياساتوإخفاقها قبل البدء بالتفكير الجدي في بناء نظام إقليمي فاعل يسمح للمجتمعاتالعربية والشرق أوسطية بتجاوز الحروب والنزاعات وتناقضات المصالح والاهداف التي أدتإلى إضاعة أكثر من نصف قرن من الزمن من دون طائل ولا فائدة مرجوة؟ بالتأكيد ليسالعرب هم الطرف الوحيد المعني بهذا السؤال ولا حتى الدول الشرق أوسطية وحدها ولكنبالدرجة الأولى الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية التي تراهناليوم أكثر من أي قوة عالمية أخرى على السياسات التدخلية.