من حمزة الخطيب إلى محمد أبو خضير

2014-07-07:: العربي الجديد

الفيديو الذي نشرته وسائل الاعلام عن طريقة تعامل عناصر المستوطنين والجيش الاسرائيلي مع الناشطين الفلسطينيين، وتتويجه بقضية محمد أبو خضير، الذي أحرق حيا، من أجل بث الرعب في صفوف الفلسطينيين لمتابعة مشروع استكمال استيطان الضفة الغربية، لا يمكن إلا أن يستدعي إلى ذهن الانسان الكثير من الصور والحقائق المعروفة:

١- التطابق الملفت بين الطريقة التي عرضتها مئات الفديوهات التي تظهر العشرات من ميليشيات الأسد تركل بأبواطها هذا الفتى أو ذاك، لساعات طويلة وربما حتى الموت، مع تشويه الجثامين وحرقها، والطريقة التي عامل بها الجنود الاسرائيليون الفتى الفلسطيني، وفي الحالتين على سبيل الانتقام والردع وإعطاء المثل للآخرين وتأكيد قوة التصميم وانعدام أي مساومة أو حوار .
٢- لا ندري من تعلم من الآخر، جماعات الأسد وشبيحته أم جيش اسرائيل والمستوطنين. لكن ليس هناك شك أنهم تعلموا جميعا في مدرسة واحدة وينتمون إلى مذهب واحد: العنف والتنكيل والإذلال لانتزاع الخضوع والخنوع والإذعان.
٣- الشيء المشترك بين جميع هؤلاء هو أنهم ينظرون إلى السكان الذي يتحكمون بهم، على سبيل الحكم وتأبيد السلطة أو على سبيل الاحتلال، كأعداء نهائيين، لا يمكن كسبهم أو الدخول إلى قلوبهم أو عقولهم بأي وسيلة ولا التفاهم معهم بأي شكل، وليس هناك من وسيلة للعيش معهم إلا بالحكم عليهم بالاعدام السياسي، مع كل ما يستدعيه هذا الاعدام من استعداد للذهاب بعيدا في العنف والاستهانة بالحياة البشرية نفسها وليس فقط بالحقوق السياسية أو المدنية. ولا شيء يمنع، إذا اقتضى الأمر، الانتقال من الاعدام السياسي إلى الإعدام الجسدي والمادي والحكم على شعب كامل بالزوال والرحيل والتسفير.
٤- العنصرية التي تنزع صفة الانسانية عن الخصم أو ما يتحول بسبب وجوده وحده إلى عدو، وتحل بالتالي استباحة دمه، شرط لا غنى عنه لاستباحة حياة البشر بالجملة وعدم التردد في خوض حروب الابادة الجماعية والتطهير العرقي، ومن وراء ذلك ضمان مشاريع الاستيطان والاستعمار. 
٥- الفوضى والاستهتار بمعاني الحق والقانون الذين يكمنان وراء المحرقة التي يعيشها الانسان، في سورية والعراق وربما المشرق بأكمله، لهما حدث مؤسس أول: العنف الخالص الذي ولدت فيه ومنه دولة إسرائيل، من دون حوار ولا نقاش ولا تسويات ولا سؤال، والاستيطان الذي أصبح هدف الدولة الجديدة، ومبرر وجود اسرائيل ومصدر شرعيتها ومحور حياتها الجمعية وسياساتها، بما يعنيه من اقتلاع للناس وانتزاع الأرض، والذي ما كان له أن يستمر من دون التضحية بكل مفاهيم الحق والعدالة والكرامة البشرية، وفي مقدمها الحق في الحياة وبالسلامة البدنية والنفسية والاستهانة بالحقوق الخاصة والممتلكات.
٦- لكن ما كان لهذا الحدث أن يكون مؤسسا لنظم العنف الراهنة، السياسية والإقليمية،وأن يستمر تأثيرة إلى اليوم، وبالتالي جعل هدر الحقوق أمرا طبيعيا ومقبولا ومبررا، لو لم يصادق عليه الغرب، وهو المرجعية في قضايا حقوق الانسان في العصر الحديث، ويبرره ويرفض معالجة آثاره، مما عنى تخلي المجتمع الدولي في هذه المنطقة من العالم عن كل مبادئه وقيمه وشعاراته.
٧- لا يغير في معنى ما حصل إذا كان الدافع إلى هذه الاستقالة الأخلاقية والسياسية للغرب الشعور بتأنيب الضمير عن الفترة العنصرية واللاسامية أو تعويضا عن السياسات اللاسامية، أو بسبب العنصرية الجديدة النامية تجاه العرب وثقافتهم ودينهم. النتيجة واحدة:القضاء على أي أمل ببناء صرح للحق والقانون والعدالة والتفاهم، ومن باب أولى للديمقراطية والانسانية، في هذه المنطقة المنكوبة.
٨- لن تتوقف تداعيات خيانة معنى الحق والقانون على المشرق والهلال الخصيب الداخل في محرقة بسبب ارتباطه المباشر بمصير نظام العنف الأول. وما لم تعالج آثار هذا العنف الذي أصبح متعدد المصادر والفاعلين، ويصار إلى إعادة تأهيل سريعة لمفاهيم الحق والعدالة والقانون، وفرض احترام حق الحياة والكرامة، ستنتقل العدوى إلى مناطق أخرى من العالم وسيتطور الاستهتار بالحق والقانون بموازاة تدهور فكرة الدولة وصعود أو إحياء العصبيات القبلية والطائفية.
٨- عنف الااستيطان الذي قوض معنى الحق و اسس للانتهاك الشامل لحقوق الانسان، أو الذي عطل أي إمكانية لتوطين هذه الحقوق في الدول المشرقية الحديثة، لم يؤسس فقط لشرعنة الاغتصاب من كل الأنواع، ااغتصاب الارض والكرامة والانسان، من دون عقاب، وإنما سمح لجميع النظم السياسية المكروهة من شعوبها التمثل به والتكيف معه، قبل أن تتمثل قيمه وتتبنى وسائل عمله ومذاهبه المعروفة في استخدام العنف المجنون والحرب الوقائية والانتقام.
من حمزة الخطيب إلى محمد أبو خضير، رسالة واحدة، مصير واحد، وعنف واحد.