مبادرة السلام الشامل مقابل الانسحاب الكامل لا تكفي للرد على الحرب الاسرائيلية

2003-03:: الجزيرة نت

من المفروغ منه الان ان مبادرة السلام السعودية التي جاءت في الوقت المناسب لتنقذ الدول العربية من حالة الضياع والتردد والحيرة التي وضعتها فيها الحرب الشارونية سوف تكون محور اعمال مؤتمر القمة العربية القادم في السابع والعشرين من الشهر الجاري في بيروت. وعلى الاغلب سيكون هذا التفاهم العربي حول المبادرة السلمية الجديدة الانجاز الرئيسي ان لم يكن الوحيد لهذا المؤتمر العتيد. ومنذ الان عبرت معظم الدول العربية عن تاييدها لهذه المبادرة التي حظيت في الوقت نفسه بتأييد متزايد من قبل دول الاتحاد الاوروبي التي تجد نفسها كبقية الدول الصغيرة من دون خيارات حقيقية في الشرق الاوسط امام المحور الاسرائيلي الامريكي الفتاك.
واذا كان من المفيد والمهم أن يقدم العرب للعالم رؤية متزنة وواقعية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط تعمل كمظلة سياسية للمقاومة الفلسطينية البطولية الا ان ذلك لا ينبغي أن يخفي عنا حقيققتين. الاولى ان الرأي العام العربي الذي فقد الثقة تماما بالقيادات الاسرائيلية التي اعتادت الرد على كل تنازل عربي بتشديد الضغط العسكري والسياسي على الشعب الفلسطيني أصبح ينظر بعين الشك إلى أي مبادرة سياسية عربية سلمية ويعتبرها نوعا من التغطية على موقف الضعف والعجز العربي لا غير. والحقيقة الثانية هي ان تجاوز الحكومة الاسرائيلية في حربها الراهنة ضد الفلسطينيين جميع الحدود والمباديء الاخلاقية والقانونية المعترف عليها في عالمنا المعاصر يضعف كثيرا من قيمة المبادرة العربية ان لم يحولها الى تنازل مجاني امام ارادة القوة والعنف والارهاب.
ليس المقصود من ذلك التقليل من قيمة المبادرة العربية القادمة ولا من المكاسب السياسية والدبلوماسية العديدة التي يمكن ان تقدمها للقضية العربية جميع مبادرات السلام. ولا يضير العرب اظهار استعدادهم للتسويات التاريخية وتقديم التنازلات المؤلمة في سبيل التوصل الى السلام وضمان الامن والازدهار لشعوبهم وشعوب المنطقة باكملها. وليس هناك ما يدعو الى التراجع عن مثل هذه المبادرة التي تعيد التأكيد ولو بشكل اوضح واصرح على الموقف العربي التقليدي تجاه مسالة السلام العربي الاسرائيلي. لكنه يهدف الى الاشارة الى ان اقتصار الدول العربية على التنازلات والتلويح للرأي العام الاسرائيلي بمكاسب السلام لايمكنهما ان يشكلا وحدهما ردا مناسبا ومقبولا على التحدي الذي تمثله الحرب الارهابية التي تشنها حكومة اسرائيل منذ اشهر على الشعب الفلسطيني. فمثل هذا التأكيد ضروري للاحتفاظ بتأييد الراي العام العالمي وهو مهم من زاوية التفكير الاستراتيجي ومن منظور المدى الطويل انما قد يخفي وهو يخفي انعدام الخيارات العربية او الاعتراف بانعدام الخيارات العربية في الرد على متطلبات المواجهة الحالية أي : هزيمة ارادة القوة الاسرائيلية وضمان استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني وانتصاره السياسي.
ان على القمة العربية, اذا كانت تريد ان تستعيد جزءا من الصدقية امام شعوبها وان لا تصبح في نظرهم ضالعة في مؤامرة الصمت العالمية المستمرة منذ اشهر, ان تظهر انه لا يزال لديها خيارات اخرى لحماية الشعب الفلسطيني الاعزل. ففيما وراء مبادرات السلام المتنافسة والمتزاحمة في الساحة الدبلوماسية العربية يتطلع الراي العام العربي, والفلسطيني منه بشكل خاص, الى تلك المبادرة العملية النادرة والمنتظرة التي تعزز مقاومة الشعب الفلسطيني وتمكنه من حسم الحلقة الأخيرة والأعنف من الحرب التي أراد لها رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون منذ ايام ان تكون حرب فرض الاستسلام والخنوع على الفلسطينييين. وعلى الحكومات العربية التي فرضت على نفسها ان لا تملك خيارا غير السلام ان تدرك من التجربة الماضية بانه لن تكون هناك مفاوضات جدية ولا سلام ولا أمل في السلام ولا استقرار في البلدان العربية ولا صدقية لأي بلد عربي إذا ترك العرب آرييل شارون يحقق هدفه ويفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني.
فاذا كان الاعلان المتكرر عن نوايا العرب السلمية يفيد في تضييق هامش المبادرة السياسية على تل ابيب فان تمكين العرب الشعب الفلسطيني من كسب الجولة الأخيرة والخطيرة من المواجهة الحالية يبقى وحده العامل الذي يحسم المفاوضات ويقرر نجاحها. ومن دون اقتناع الاسرائيليين النهائي بأنه لاحل للقضية الفلسطينية عن طريق الاخضاع والارهاب والعنف لن يقبلوا بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني التي ينظرون إليها على أنها تنازلات كبيرة على حسابهم. وإن بدء مفاوضات جديدة من دون حصول هذه الاقتناع أو قبله سوف يعيدنا إلى مفاوضات العقد الماضي، أي إلى مواجهة منطق الحانوتي الذي يساوم على كل صغيرة وكبيرة ويطلب لقاء أي تراجع عن موقع احتلال موقع آخر أهم منه. ومثل هذه المفاوضات لن تكون لا في صالح العرب ولا في صالح الفلسطينيين.

باختصار من دون تعزيز مبادرة السلام العربية باجراءات ومبادرات عملية قوية تخفف من الام الفلسطينيين وتعيد ثقتهم بالامة العربية سيكون من الصعب على القمة العربية ان تستعيد ثقة الراي العام العربي او ان تنجح حتى في التخفيف من مناخ الاحتقان والتوتر والسخط العارم الذي يسود المنطقة والذي لا يمكن الا ان يزيد من مخاطر زعزعة الاستقرار وربما يدفع, بالتضافر مع مصادر اخرى للنقمة, الى الانفجار على الامد القريب. فمبادرات السلام مهمة لكن الاهم تمكين المقاومة من الاستمرار
والانتصار او على الاقل من الصمود. ومن هذه الزاوية يشكل مؤتمر القمة القادم اول امتحان حقيقي لقدرة المجموعة العربية, في مرحلة ما عرف بصيغة العمل الجماعي الجديدة, على ادراك الرهانات الحقيقية للصراع والارتفاع الى مستوى المسؤولية.