المبادرة السعودية لا تكفي لوقف العدوان الإسرائيلي

2002-02-20:: الجزيرة نت

من المفروغ منه الآن أن مبادرة السلام السعودية التي جاءت في الوقت المناسب لتنقذ الدول العربية من حالة الضياع والتردد والحيرة التي وضعتها فيها الحرب الشارونية سوف تكون محور أعمال مؤتمر القمة العربية القادم في السابع والعشرين من الشهر الجاري في بيروت.
وعلى الأغلب سيكون التفاهم العربي حول المبادرة السلمية الجديدة الإنجاز الرئيسي إن لم يكن الوحيد لهذا المؤتمر العتيد. ومنذ الآن عبرت معظم الدول العربية عن تأييدها لهذه المبادرة التي حظيت في الوقت نفسه بتأييد متزايد من قبل دول الاتحاد الأوروبي التي تجد نفسها كبقية الدول الصغيرة من دون خيارات حقيقية في الشرق الأوسط أمام المحور الإسرائيلي الأميركي الفتاك.
وإذا كان من المفيد والمهم أن يقدم العرب للعالم رؤية متزنة وواقعية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط تعمل كمظلة سياسية للمقاومة الفلسطينية البطولية إلا أن ذلك لا ينبغي أن يخفي عنا حقيقتين:
• الأولى أن الرأي العام العربي الذي فقد الثقة تماما بالقيادات الإسرائيلية التي اعتادت الرد على كل تنازل عربي بتشديد الضغط العسكري والسياسي على الشعب الفلسطيني أصبح ينظر بعين الشك إلى أي مبادرة سياسية عربية سلمية ويعتبرها نوعا من التغطية على موقف الضعف والعجز العربي لا غير.
• والحقيقة الثانية هي أن تجاوز الحكومة الإسرائيلية في حربها الراهنة ضد الفلسطينيين جميع الحدود والمبادئ الأخلاقية والقانونية المعترف بها في عالمنا المعاصر يضعف كثيرا من قيمة المبادرة العربية إن لم يحولها إلى تنازل مجاني أمام إرادة القوة والعنف والإرهاب.
ليس المقصود من ذلك التقليل من قيمة المبادرة العربية القادمة ولا من المكاسب السياسية والدبلوماسية العديدة التي يمكن أن تقدمها للقضية العربية جميع مبادرات السلام. ولا يضير العرب إظهار استعدادهم للتسويات التاريخية وتقديم التنازلات المؤلمة في سبيل التوصل إلى السلام وضمان الأمن والازدهار لشعوبهم وشعوب المنطقة بأكملها. وليس هناك ما يدعو إلى التراجع عن مثل هذه المبادرة التي تعيد التأكيد ولو بشكل أوضح وأصرح على الموقف العربي التقليدي تجاه مسألة السلام العربي الإسرائيلي. لكنه يهدف إلى الإشارة إلى أن اقتصار الدول العربية على التنازلات والتلويح للرأي العام الإسرائيلي بمكاسب السلام لا يمكنهما أن يشكلا وحدهما ردا مناسبا ومقبولا على التحدي الذي تمثله الحرب الإرهابية التي تشنها حكومة إسرائيل منذ أشهر على الشعب الفلسطيني. فمثل هذا التأكيد ضروري للاحتفاظ بتأييد الرأي العام العالمي وهو مهم من زاوية التفكير الإستراتيجي ومن منظور المدى الطويل إنما قد يخفي انعدام الخيارات العربية أو الاعتراف بانعدام الخيارات العربية في الرد على متطلبات المواجهة الحالية أي: هزيمة إرادة القوة الإسرائيلية وضمان استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني وانتصاره السياسي.
إن على القمة العربية, إذا كانت تريد أن تستعيد جزءا من الصدقية أمام شعوبها وألا تصبح في نظرهم ضالعة في مؤامرة الصمت العالمية المستمرة منذ أشهر, أن تظهر أنه لايزال لديها خيارات أخرى لحماية الشعب الفلسطيني الأعزل. ففيما وراء مبادرات السلام المتنافسة والمتزاحمة في الساحة الدبلوماسية العربية يتطلع الرأي العام العربي, والفلسطيني منه بشكل خاص, إلى تلك المبادرة العملية النادرة والمنتظرة التي تعزز مقاومة الشعب الفلسطيني وتمكنه من حسم الحلقة الأخيرة والأعنف من الحرب التي أراد لها رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون منذ أيام أن تكون حرب فرض الاستسلام والخنوع على الفلسطينيين. وعلى الحكومات العربية التي فرضت على نفسها ألا تملك خيارا غير السلام أن تدرك من التجربة الماضية بأنه لن تكون هناك مفاوضات جدية ولا سلام ولا أمل في السلام ولا استقرار في البلدان العربية ولا صدقية لأي بلد عربي إذا ترك العرب أرييل شارون يحقق هدفه ويفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني.
فإذا كان الإعلان المتكرر عن نوايا العرب السلمية يفيد في تضييق هامش المبادرة السياسية على تل أبيب فإن تمكين العرب الشعب الفلسطيني من كسب الجولة الأخيرة والخطيرة من المواجهة الحالية يبقى وحده العامل الذي يحسم المفاوضات ويقرر نجاحها.
ومن دون اقتناع الإسرائيليين النهائي بأنه لاحل للقضية الفلسطينية عن طريق الإخضاع والإرهاب والعنف لن يقبلوا بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني التي ينظرون إليها على أنها تنازلات كبيرة على حسابهم. وإن بدء مفاوضات جديدة من دون حصول هذه الاقتناع أو قبله سوف يعيدنا إلى مفاوضات العقد الماضي، أي إلى مواجهة منطق الحانوتي الذي يساوم على كل صغيرة وكبيرة ويطلب لقاء أي تراجع عن موقع احتلال موقع آخر أهم منه. ومثل هذه المفاوضات لن تكون لا في صالح العرب ولا في صالح الفلسطينيين.
باختصار من دون تعزيز مبادرة السلام العربية بإجراءات ومبادرات عملية قوية تخفف من آلام الفلسطينيين وتعيد ثقتهم بالأمة العربية سيكون من الصعب على القمة العربية أن تستعيد ثقة الرأي العام العربي أو أن تنجح حتى في التخفيف من مناخ الاحتقان والتوتر والسخط العارم الذي يسود المنطقة والذي لا يمكن إلا أن يزيد من مخاطر زعزعة الاستقرار وربما يدفع, بالتضافر مع مصادر أخرى للنقمة, إلى الانفجار على الأمد القريب.
فمبادرات السلام مهمة لكن الأهم تمكين المقاومة من الاستمرار والانتصار أو على الأقل من الصمود. ومن هذه الزاوية يشكل مؤتمر القمة القادم أول امتحان حقيقي لقدرة المجموعة العربية, في مرحلة ما عرف بصيغة العمل الجماعي الجديدة, على إدراك الرهانات الحقيقية للصراع والارتفاع إلى مستوى المسؤولية.